الرئيسية » الحكومة معلّقة والرئاسة غاضبة والخدمات متوقّفة، تونس إلى أين؟

الحكومة معلّقة والرئاسة غاضبة والخدمات متوقّفة، تونس إلى أين؟

المشهد السياسي في تونس مرشح لمزيد التعقيد والتأزم في الأيام المقبلة إذا لم يتنازل أي طرف للآخر وإذا تعنّت كل طرف وتمسّك برأيه كما هو عليه الحال الآن بين مختلف مؤسسات الدولة من رئاسة الجمهورية و رئاسة مجلس نواب الشعب و رئاسة الحكومة… في إهمال واضح واستخفاف مقيت بمشاكل الشعب و الصعوبات التي يواجهها يوميا.

بقلم فوزي بن يونس بن حديد *

الوقت يمضي عسيرا على الشعب التونسي والصراع محتدم بين السيد قيس سعيّد و السيد هشام المشيشي، فبعد رفض رئيس الجمهورية التعديل الوزاري الذي اقترحه رئيس الحكومة ومنحَه مجلس النواب الثقة أقدم الأخير على خطوة سبّبت تعقيدا دستوريّا آخر وذلك بإعفائه خمسة من الوزراء محسوبين على رئيس الجمهورية فأشعل فتيل الأزمة من جديد رغم التصريح بأنه منفتحٌ على كل الحلول التي يمكن أن تحل أزمة الثقة بين المؤسّستين التنفيذيتين وهذا بدوره ستكون له نتائج وخيمة على الشعب التونسي الذي انتظر طويلا وما زال ينتظر كلما أقدمت حكومة على العمل بعد التشكيل ومنح الثقة إلا أنها تتعثّر في كل مرة لسبب أو لآخر إما من مؤسسة الرئاسة أو من مؤسسة الحكومة أو من مؤسسة البرلمان مما يوحي بتعقّد المشهد السياسي في تونس في الأيام المقبلة إذا لم يتنازل أي طرف للآخر وإذا تعنّت كل طرف وتمسّك برأيه كما هو عليه الحال الآن.

البلاد تعيش ركودًا لم يسبق له مثيلٌ

هذا المشهد يُعقّد أكثر الحالة الاقتصادية والاجتماعية ويُعطّل المشاريع المستقبلية ويجعل البلاد تعيش ركودًا لم يسبق له مثيلٌ، وربما يؤدي إلى احتجاجات جديدة ومشاهد عنف خطيرة كتلك التي رأيناها سابقًا وربما تقود هذه المشاكل إلى إنشاء معسكرين متضادّين، معسكرٍ يتْبع رئيس الجمهورية ومعسكر يتبع رئيس الحكومة، وتبدأ الحرب الكلامية بينهما لتشتدّ وتتأجّج ولا نصل إلى نتيجة أبدا، ويظل المشهد السياسي معلّقا إلى إشعار آخر، ويبقى الشعب التونسي الضحية الأولى في هذا الصّدام العنيف بين المؤسستين، ولا تفاؤل قريبا ولا حلّ يلوح في الأفق، بل إن النفق مسدود والتعارض بين المؤسستين مستفحل، والفجوة كبيرة جدا في ظل غياب المحكمة الدستورية التي لم يرد لها السياسيون أن تنشأ في ظل صراعات حزبية ومؤسسية خطيرة جدا، ومن ثم فإن الحال سيذهب على  الأرجح إلى القطيعة بين المؤسستين رغم محاولات البعض التقدم بمقترحات يمكن أن تفيد الدولة في قادم الأيام.

وإذا بقي السّجال قائما بين المؤسستين، أي بين الرئاسة والحكومة، واستمرّ فترة طويلة على هذا المنوال وبقي كلٌّ من رئيس الدولة ورئيس الحكومة متمسّكا بموقفه ولا يقبل بحلّ الآخر فإننا سنشهد تغيّرات سياسيّة على المستوى العام إما بإقدام رئيس الجمهورية على حلّ البرلمان وهو حلٌّ يميل إليه هو نفسه خاصة بعد مطالبة أنصاره بذلك علانيّة ومن خلال قنوات التواصل وبالتالي قد نشهد انتخابات تشريعية جديدة تهيكل مجلس النواب من جديد وتمنح الشعب التونسي فرصة أخرى للاختيار الرصين وانتقاء الأعضاء الذين يعملون من أجل تونس الوطن وليس من أجل الحزب أو المصلحة الشخصية الذاتية، وإما سنرى تدخّل الجيش التونسي لإرساء نظام جديد يُخرج البلاد من حالة الاحتقان الشديد وملَل الشعب من الوعود الكاذبة والتصرّف غير المسؤول من السياسيين في هذه الفترة الحرجة والعصيبة التي تمرّ بها البلاد.

تونس لم تعد قادرة على تحمل مزيد من النزيف

وفي كلا الحالتين فإن تونس لم تعد تحتمل أو تتحمّل ما يجري في رواق السياسة ولم تعد مستعدة لتحمّل ألم النزيف الذي مازال يفرز دمًا غزيرا حتى كاد يفتك بالجسد التونسي دون تدخّل جراحي كبير لوقفه ومحاولة علاجه بسرعة ودون تأخّر، إننا اليوم أمام حرب مع النّفس في تونس، فإما تنتصر النفس الأمّارة بالغرور والتعنّت وإما ينتصر صوت العقل، فلا بد من حلّ سريع لأزمة طالت، وربما ستطول أكثر، ولا بدّ للعقلاء والفقهاء والحكماء أن يتدخّلوا لإنقاذ تونس ممّا سيؤدي بها في ظل هذا التعارك السياسي الشديد السّخونة لأنه وصل إلى مرحلة من الغليان الذي لا يمكن أن يعيش معها الشعب في أمن وأمان.

وعلى هذا رغم التشاؤم الذي يسود الحالة السياسية المتعكّرة في البلاد فإن الحلول ممكنة إذا تضافرت الجهود وغلّبت الأطراف المتصارعة لغة العقل والتوازن والحكمة وإذا عمل الجميع على وحدة الوطن وتماسكه رغم الخلافات الجانبية سواء كانت الحزبية أو السياسية أو الايديولوجية، وبالتالي فإن هذا النظام الذي تحكمه رئاسات ثلاث لا يمكن أن ينجح أبدًا، فهو فاشل في مهده وسيفشل اليوم وغدًا ولن يستطيع التونسيّون أن ينعموا في ظلّه لا بالديمقراطية ولا بالعيش الهانئ بل سيظل الشعب يطالب، وسيظل السياسيون يتصارعون، وهكذا تمضي السفينة نحو المجهول.

 وفي الأخير لا بدّ من دستور جديد يحدّد ملامح الحكم الديمقراطي القائم على النظام الرئاسي حيثُ الرئيس يُحكم قبضته على البلاد من خلال حكومة يترأسها ويتابعه البرلمان ويراقبه ويمكن أن يعزله في أي وقت إذا رأى منه مُنكرا يستوجب العقاب، وما عدا ذلك عبثٌ بالسّياسة وبالشعب التونسي الذي يعاني ومازال يعاني وسيبقى يعاني في ظل هذا الدستور المهترئ.

* محلل سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.