الرئيسية » الدور الثاني للرئاسية : مبدأ تكافؤ الفرص مازال بعيدا عن التحقيق بعد الإفراج عن القروي

الدور الثاني للرئاسية : مبدأ تكافؤ الفرص مازال بعيدا عن التحقيق بعد الإفراج عن القروي

تكافؤ الفرص بين القروي و سعيد حسب مقاييس الهيئة (غير) العليا و غير (المستقلة) للانتخابات (على المقاس).

هل سنجد نفس الدعاة لإطلاق سراح نبيل القروي صيانة لمبدأ تكافؤ الفرص ينادون بضرورة تجسيم هذا المبدأ السامي بعد إطلاق سراح هذا الأخير خاصة (“نسمة”) وأنه يملك قناة تلفزية ويتعامل مع أخرى متحالفة معه ك”الحوار التونسي” و”تونسنا” وتسبح بحمده ليلا نهارا فإذا به يملأ المشهد الإعلامي بكامله ؟

بقلم فيروز الشاذلي

يشهد السباق الرئاسي في تونس تطورات غريبة الأطوار تدل على خصوصية تونسية بحتة في الانتقال الديمقراطي فبعد أن كانت الحملة الرئاسية باهتة جاء قرار الإفراج عن المترشح نبيل القروي أمس الأربعاء 9 أكتوبر 2019 ليكسر هذا الجمود ويحوّل التنافس الانتخابي إلى تنافس إعلامي فنجد نفسنا من جديد في دائرة عدم تكافؤ الفرص لصالح مترشح صاحب قناة نسمة ومتحالف مع قنوات خاصة أخرى تسيطر على نسبة بث هامة في ظل تذبذب مواقف الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات بل و تساهل مريب من ظاهرة الإشهار السياسي.

الانتقال من حملة انتخابية صامتة إلى حملة إعلامية مكثّفة

من الميزات الفريدة للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في دورها الثاني، المقرر إقامته يوم الأحد القادم 13 أكتوبر، غلبة الصمت الانتخابي الذي ساد على أغلب فترة الحملة الانتخابية فمن المفروض أن تكون هذه الحملة ديناميكية وفيها تواصل كبير مع الناخبين سواءا بصفة مباشرة أو غير مباشرة عبر وسائل الإعلام بكافة مشاربها من قنوات تلفزية و إذاعية وصحافة مكتوبة خاصة أن الدور الثاني جمع متنافسين إستطاعا الترشح للدور الثاني بين 26 مترشح.
لكن للمفارقات العجيبة التي لم نجدها إلا في تونس أن فترة الصمت الانتخابي المحددة قانونا بيوم واحد قبل الإنتخابات هي التي سادت على أغلب الفترة المخصّصة للحملة الإنتخابية التي لم يتبقى لها إلا اليوم والغد فمرّت كافة المرحلة الانتخابية صامتة بعد إعلان المترشح قيس سعيّد عدم قيامه بحملة إنتخابية في الدور الثاني لدواعي أخلاقية وتجنّبا للجدل المثار حول تكافؤ الفرص مع المرشح الثاني نبيل القروي الذي كان يقبع في السجن في إطار التحقيقات حول شبهات تورطه في قضية تهرب ضريبي وغسيل أموال و التي رفضت جميع المطالب التي قدّمت للحصول على إذن قضائي من قبل عديد وسائل الإعلام لإجراء حوار صحفي مع المترشح الموقوف.

هذا الإنتظار و الهدوء الحذر سرعان ما انكسر بالإعلان عن الإفراج عن القروي لترجع الانتخابات الرئاسية التونسية محط أنظار الداخل و الخارج بسبب الكم الهائل من الأحداث الماراطونية منذ بداية السباق الرئاسي، المهم بهذا الإفراج الذي اعتبره الكثير من مناصري نبيل القروي ركيزة أساسية لمبدأ تكافؤ الفرص تشهد اليومين المتبقيين من الحملة الإنتخابية صراعا كبيرا خاصة على المستوى الإعلامي تجندّت له خاصة القنوات التلفزية منذ البارحة التي عبّر أغلبها عن سعيهم لإجراء لقاءات تلفزية مع المترشحين ولما لا تكون مناظرات مع ملاحظة وجود نفس التموقع الذي اعتادت عليه جل القنوات التلفزية منذ بداية الحملة الرئاسية لهذا من الأكيد أن الصراع سوف يشتد وسيكون صراعا إعلاميا بالدرجة الأولى لأنه لا يوجد وقت أمام المترشحين لإجراء حملة إنتخابية مباشرة يتنقلون فيها بين المدن و الجهات.

مبدأ تكافؤ الفرص مازال بعيد المنال بين المترشحين

مطلب الإفراج كان محل ضغط كبير من عديد السياسيين وأصحاب مناصب عليا في الدولة على غرار رئيس الجمهورية المؤقت محمد الناصر وعديد المنظمات وتجنّدت له العديد من المؤسسات الإعلامية منذ قرابة الشهر والخلفيّة الدائمة لهذه المطالب هي ضمان تكافؤ الفرص بين المترشحين للانتخابات و أنه لا يستقيم الاعتراف بنزاهة الانتخابات و القبول بنتائجها في ظل وجود مترشح خلف أسوار السجن.

هذا المطلب يبدو إجمالا معقولا ولا يختلف أحد على ضرورة تكريس مبدأ التكافؤ بين المترشحين لكن هل فعلا هذا المبدأ قد تم تكريسه أخيرا بمجرد إطلاق سراح نبيل القروي من السجن فهذا المبدأ أعمق من ذلك بكثير وتم التغاضي عن مختلف أبعاده في المشهد السياسي التونسي تقريبا في جميع المحطات الإنتخابية فتكافؤ الفرص في معناه الأصيل هو اشتراط توفر جميع عناصر المعاملة بالمثل بدون تقييد أو تحيّز كالتحامل والإجحاف في حق المنافس بإصدار أحكام مسبّقة فيما يشبه حملة مضادة.

هذه العناصر الضامنة لمبدأ تكافؤ الفرص يبدو أنها مازالت بعيدة عن التحقيق خاصة على المستوى الإعلامي بإعتبار الحملة الإنتخابية كما شرحنا سابقا تحولت إلى حملة إعلامية بحكم ضيق الوقت فهل سنجد نفس الدعاة لإطلاق سراح نبيل القروي صيانة لمبدأ تكافؤ الفرص ينادون بضرورة تجسيم هذا المبدأ السامي إعلاميا فكما نعرف جميعا أن المترشح نبيل القروي هو في الأصل صاحب قناة نسمة التي تستحوذ على نسبة مشاهدة عالية في المشهد الإعلامي وتقوم بإشهار سياسي على مدار الساعة لنبيل القروي بل بالعكس في الأيام الأخيرة زاد القائمون على القناة من نسبة الإشهارات اليومية لجمعية خليل الخيرية وذلك لإرتباط إسمها بمؤسسها نبيل القروي.

إنعدام تكافؤ الفرص على المستوى الإعلامي للمترشحين تفاقم من خلال تسخير قنوات بعينها لصالح المرشح نبيل القروي خاصة “الحوار التونسي” و”تونسنا” وذلك لتقارب مصالح مالكي هذه القنوات مع نبيل القروي ولذلك نلاحظ تجنّد العديد من الإعلاميين في شكل شبكات دعم لهذا المترشح بالذات على مستويين : المستوى الأول يعتمد على دعم مطلق وضمني في التغطية الإعلامية لحملة القروي و اعتباره في شكل المنقذ والمستوى الثاني بالقيام فيما يعرف بالتغطية السلبية المجحفة في حق المترشح الثاني قيس سعيّد مما جعل هذا المترشح يعدل عن الحضور في هذه القنوات بسبب الهجوم المباشر منذ اليوم الأول للإعلان عن نتائج الدور الأول و الإصطفاف بشكل مفضوح وراء مرشح معين.

إختبار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مازال لم ينته

أصبح واضحا هذه السنة أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هذه المرة من أكثر الفترات التي وجّهت فيها ألسنة النقد إلى إدارتها ووصف المسؤولين عنها بالأيادي المرتعشة والتساهل مع ظاهرة الإشهار السياسي والتجاوزات الانتخابية فبالرغم من قرار مجلس الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي و البصري في جلسته المنعقدة بتاريخ 7 أكتوبر 2019 بتسليط خطية مالية على قناة نسمة قدرها 320 ألف دينار من أجل الإشهار السياسي لفائدة “قلب تونس” و المترشح للانتخابات صاحب القناة نبيل القروي و الأخطر من ذلك إعتبار مجلس الهيئة أن القناة في حالة عود من خلال إعادة بث الومضات التحسيسية ثمانية مرات يوميا دعت فيها زوجة نبيل القروي و أحد مسانديه الرئيسيين إلى التصويت لصالح حزب نبيل القروي وهو يعتبر إشهارا سياسيا وتوجيها للناخبين الغرض منه التأثير في إرادتهم وتوجهاتهم مع العلم أنها ليست الخطية الأولى التي تلقتها القناة ففي 4 أكتوبر الماضي تم تخطية نفس القناة بــــ160 ألف دينار من أجل العود لارتكاب نفس الخرق المتمثل في الإشهار السياسي و الدعاية المضادة ضد حزب منافس. و على أية حال فإن نبيل لا تهمه الخطايا فهو لا يدفعها…

هذا الانتهاك الخطير و الأكيد سوف تستمر فيه نفس القناة بإعتبار أن سعر ومضة إشهارية تعاد ثمانية مرات يوميا في قناة تلفزية سعرها التجاري يقدر بالمليارات و تأثيرها على الناخبين أقوي بكثير مما يجعل هذه الخطايا عديمة الجدوى بل المترشح المعني مستعد لدفع أكثر من ذلك مقابل الحصول على نتائج إنتخابية أفضل.

إن حالة الاستخفاف تجاه خطر الإشهار السياسي تجعل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محل إنتقاد بسبب الإنتقائية ففي سبيل تكافؤ الفرص قامت الهيئة بأقصى جهودها للمطالبة بالإفراج عن الموقوف نبيل القروي ولكنها لم توجه ولو إنذارا واحدا لحملة نبيل القروي على التجاوزات الخطيرة التي قامت بها قناة نسمة والتي تمس من جوهر مبدأ تكافؤ الفرص كما تم التغاضي عن الإشهار السياسي من طرف حزب قلب تونس في التشريعيات بينما نجد الهيئة قد أسقطت قائمات انتخابية تابعة لأحزاب صغيرة على غرار حزب الرحمة وجمعية عيش تونسي مما يثير حالة من الازدواجية في القرارات والاشمئزار من الديمقراطية المنافقة والانتهازية في تونس.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.