الرئيسية » المحافظة على سعر أدنى مقبول لمبيعات الفلاح يصب في مصلحة المستهلك واستقرار الأسعار على المدى البعيد

المحافظة على سعر أدنى مقبول لمبيعات الفلاح يصب في مصلحة المستهلك واستقرار الأسعار على المدى البعيد

لحماية المنظومة الإنتاجية للقطاع الفلاحي التونسي وتوفير منتوج ذي سعر مستقر على المدى البعيد للمستهلك هناك العديد من الآليات التي يجب العمل عليها لكي لا يكون الفلاّح الحلقة الضعيفة أثناء المواسم التي تشهد فائضا كبيرا في الإنتاج بل مساعدته لكي تصبح الفوائض المسجلة في الإنتاج عاملا إيجابيا يمكنه من توفير إيرادات إضافية.

بقلم فوزي العبيدي

تشهد بداية هذه الصيفية وصول إنتاج الغلال الصيفية إلى مستويات قياسية، نظرا لملاءمة العوامل المناخية لذلك، خاصة إستمرار تساقط الأمطار بصفة معتدلة منذ بداية سنة 2019، فحسب التقديرات الأولية سوف تناهز الكميات المنتجة حوالي 300 ألف طن، أي بزيادة بحوالي 20% عن السنة الفارطة.

فائض كبير في الإنتاج الفلاحي

من الناحية الأولية لجهة الإستهلاك يعتبر هذا الفائض الكبير في الإنتاج عامل إنعكاس إيجابي من حيث إنخفاض الأسعار على مستوى أسواق الجملة والتفصيل، وهذا يساعد المواطن في تحسين قدرته الشرائية المنهارة من خلال توفر منتوجات بكميات كبيرة مقابل أثمان بخسة، لكن على مستوى تفكير أعمق وبنظرة إستشرافية على المدى البعيد يجب الجزم بأن الأسعار الحالية لبعض الغلال خاصة الخوخ، المشمش، البطيخ والدلاع، قد وصلت إلى مستويات جد متدنية مقارنة بتكلفة إنتاجها، وهو ما يهدد زراعة هذه المنتوجات في السنوات القادمة من قبل الفلاحين الذين تكبدوا خسائر فادحة هذا الموسم.

أكثر المنتوجات تضررا هو إنتاج الخوخ حيث وصل هذه السنة إلى مستوى قياسي بحوالي 150 ألف طن مقابل 120 ألف طن خلال الموسم الفارط أي بزيادة قدرت بـــ 25%، هذا الفائض الكبير إنعكس سلبا على تدني الأسعار إلى مستويات قياسية وصلت إلى حد 400 مليم على مستوى الجملة وإبتداءا من من 750 مليم على مستوى أسواق التفصيل لتصل في أقصى الحالات إلى حدود 1000 مليم للكلغ الواحد، وهو ما أدى بعديد الفلاحين وعلى رأسهم منظمة إتحاد الفلاحين إلى الإحتجاج على هذه الوضعية حيث صرح العديد من الفلاحين أنهم إضطروا إلى إتلاف كميات هامة من الغلال بسبب عدم تمكنهم من تسويقها على مستوى أسواق الجملة.

إستقرار الأسعار يعني المحافظة على جميع المتدخلين

أمام هذه التشكيات من الفلاحين بخصوص صعوبة تسويق منتوجاتهم هذه الصائفة بأثمان مجزية لهم، كان رد العديد من المستهلكين والمواطنين العاديين هو التهكم على هذه التشكيات وإتهام الفلاحين بمناصرة قطاعهم بطريقة مفرطة والعمل ضد مصلحة المستهلك التونسي الذي عانى الكثير من إرتفاع أسعار الخضر والغلال المدة الفارطة، بل شددوا على ضرورة المحافظة على نفس نسق الأسعار المنخفض ورأوا أنه الحل المناسب لتحسين القدرة الشرائية للمواطن التونسي.

لكن إن حلّلنا هذه الظاهرة بمنهجية أعمق نجد أوّلا أن كلا من الفلاح والمستهلك النهائي هما جزء لا يتجزأ من المتدخلين في السوق المحلية التونسية وجب الحفاظ عليهما لأن كل خلل يصيب حلقة من هذه الحلقات في دورة الإنتاج إلى غاية الإستهلاك النهائي ينجر عنه عدم توازن لا يمس فقط إنسيابية وديمومة مسالك التوزيع بل يمثل ضربا للبنيان الهيكلي للإقتصاد الوطني.

ثانيا يجب الإشارة الواضحة إلى ضرورة فهم المعنى الإقتصادي لاستقرار الأسعار الذي يمثل الهدف النهائي لعملية تنظيم ومراقبة مسالك التوزيع وترشيدها فإستقرار الأسعار يعني أن يتحصل المستهلك النهائي على منتوج بسعر مناسب، وهنا المقصود بمناسب بالمقارنة مع تكلفة ذلك المنتوج وبمقدار يناسب القدرة الشرائية للمواطن حتى يستطيع الحصول عليه بأيسر السبل خاصة إن كان المنتوج من العناصر الأساسية المكونة لقفة المستهلك اليومية. لذلك تتدخل الدولة عندما يكون هناك إستحالة الحصول على هذا المنتوج لغلاء سعره فتقوم بالتدخل على مستوى معالجة العوامل التي أدت إلى إرتفاع السعر كنقص المنتوج نتيجة الجوائح الطبيعية فتلجأ إلى التوريد من الخارج لتعديل السوق المحلية.

التضخم الإيجابي المتحكم فيه مطلوب

ثالثا وهذا الأهم عندما تكون السوق المحلية في وضعية تزويد عادية ويتناسب العرض مع الطلب مع وجود مسالك توزيع منظمة أي أن كل الأمور اللوجستية والهيكلية من طلب وعرض على ما يرام، يجب أن يعرف المستهلك كذلك أن من مصلحة جميع المتدخلين بما فيهم المستهلك أن يكون السعر المتداول الموسمي كل سنة ذا نسبة تضخم معقولة مقارنة بالأسعار العادية المتداولة السنة الفارطة، وهنا المقصود أن السعر الحالي يجب أن يكون مرتفعا بصورة معقولة لا تتجاوز بين 1% و 3% (سقف متفق عليه عالميا خاصة من قبل المنتظمة العالمية للأغذية والزراعة FAO) مقارنة بالأسعار العادية السنة الفارطة وهنا ضرورة التركيز على مصطلح الأسعار العادية للمقارنة وليست الأسعار القصوى للتداول أو الناتجة على عدم التوازن بين العرض و الطلب في السوق.

هذه النسبة المعقولة في إرتفاع الأسعار سوف تعطي الفلاح هامشا لمجابهة التحديات الكبرى التي تواجهه لأنه هو كذلك لديه إرتفاع على مستوى تكلفة الإنتاج من تكاليف الري وتكاليف الأدوية الفلاحية التي تمثل معضلة حقيقية بالنسبة للإنتاج الفلاحي التونسي بإعتبار أن أغلبها مستورد من الخارج وكذلك إرتفاع تكلفة النقل والمحروقات التي شهدت إرتفاعات متتالية في الفترات الأخيرة.

لمزيد تفسير هذه الظاهرة، لو فرضنا أن السعر المتداول لمنتوج فلاحي معين كالطماطم الآخر فصلية والفلفل قد تشهد إنخفاضا كبيرا في الأسعار كما حدث في صائفة سنة 2016 حيث إنخفضت أسعارها بصفة كبيرة، لكن هذا الإنخفاض الكبير مثّل للمستهلك حل ظرفي فبسبب الإنخفاض الكبير في الأسعار مقارنة بالتكاليف الحقيقية للخضروات جعل أغلبية الفلاحين الذين تكبدوا خسائر كبيرة نتيجة ذلك يحجمون على زراعة هذه المنتوجات الصائفة التي تلتها سنة 2017، حيث شهدت صائفة 2017 أكثر الفترات ضغطا على أسعار الخضروات نتيجة نقص تزويد السوق للإنخفاض الحاد في الإنتاج الفلاحي لهذه المنتوجات مما تسبّب في إرتفاع أسعارها بصفة مشطة وغير مناسبة للقدرة الشرائية للمستهلك العادي.

الحلول التعديلية للمخزونات هي الحل

لحماية المنظومة الإنتاجية للقطاع الفلاحي التونسي وتوفير منتوج ذي سعر مستقر على المدى البعيد للمستهلك التونسي هنالك العديد من الآليات التي يجب العمل عليها في هذه الحالة ولكي لا يكون الفلاّح الحلقة الضعيفة أثناء المواسم التي تشهد فائضا كبيرا في الإنتاج بل مساعدته لكي تصبح الفوائض المسجلة في الإنتاج عاملا إيجابيا يمكنه من توفير إيرادات إضافية مع مراعاة مناسبة الأسعار المتداولة للمستهلك النهائي وهذه الإيرادات الإضافية هي بحد ذاتها تمثل رأس المال الضروري.

لإعادة إستثمارها في المنظومة الفلاحية التونسية لتوفير إنتاج غذائي للمجتمع التونسي في السنوات القادمة مما يمثل حلقة متكاملة بين جميع المتدخلين تضمن حقوق كل طرف.

من بين هذه الآليات التي يجب العمل على تدعيمها هي الآليات التعديلية للسوق والتي تمثل طريقة تصرف ناجعة لضمان توازن السوق وذلك من خلال النهوض بقطاع المخازن والتبريد لكي يمكّن من إمتصاص أكثر ما يمكن من فوائض الإنتاج لإعادة ضخها لاحقا عند اللزوم وهو ما يمكن من إعطاء توازن بين العرض والطلب إضافة لتوفير المنتوجات الفلاحية كالغلال خارج مواسمها الرسمية وهذا يكون خاصة عبر الدعم المالي لقطاع التخزين والتبريد بإعتبار الإستثمار في هذا القطاع يتطلب الكثير من رأس المال لتمويل تجهيزاته التي في أغلبها يتم إستيرادها بالعملة الصعبة مما يزيد في تكلفتها علاوة على أن المردود المالي لهذا الإستثمار يتطلب سنوات عديدة لتظهر نتائجه الإيجابية للمستثمر الفلاحي.

من الآليات الأخرى الضرورية هي الرخص الوقتية للتصدير نحو الأقطار المجاورة وهي أداة تصرف ناجعة في فائض المنتوج الفلاحي فهي توفر حلا عاجلا للأزمة الخانقة للفلاح لما توفره من سيولة مالية آنية ومن جانب آخر توفر عملة صعبة لا بأس بها يحتاجها الإقتصاد الوطني لهذا تعتبر آلية مرنة يحتاجها القطاع الفلاحي في هذه الأوقات لمزيد تسويق منتوجاته التي تعجز السوق التونسية المحلية على إستيعابها.

هذه الآليات التعديلية تمثل حلولا مرحلية لا بد منها في إنتظار القيام بحلول إستراتيجية لحل المشاكل المتعلقة بالتكلفة العالية للإنتاج الفلاحي في تونس والتي ما فتئت تزداد كل سنة خاصة في مجال الأدوية الفلاحية التي شهدت موجة إرتفاعات متتالية غير مسبوقة وصلت حدود 100% في بعض الأصناف وذلك من خلال البحث عن حلول تشمل كيفية التخفيض من هذه التكلفة لأن هذا التخفيض سيكون تخفيض هيكلي في الأسعار مربح لجميع المتدخلين من فلاح ومستهلكين على المدى البعيد ويمكن من التحكم في التضخم بشكل فعّال كالتشجيع على الإنتاج المحلي لهذه الأدوية التي تستورد بالعملة الصعبة من الخارج ولما لا النظر في إمكانية دعم وقتي لبعض الأدوية الضرورية والأسمدة الفلاحية حتى موعد إنتاجها المحلي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.