الرئيسية » عماد بن حليمة : هل يجوز لقاضي التحقيق منع بث برنامج إعلامي؟

عماد بن حليمة : هل يجوز لقاضي التحقيق منع بث برنامج إعلامي؟


في تدوينةٍ نشرها المحامي عماد بن حليمة اليوم الجمعة 15 مارس 2019 على صفحته الرسمية على الفايسبوك، ناقش المحامي من الناحية القانونية الحكم القضائي بمنع بث كل من تقرير برنامج “الحقائق الأربعة” و تقرير آخر على قناة قرطاج + حول حادثة وفاة الولدان بمستشفى الرابطة.

وكتب عماد بن حليمة في هذا الصدد :

هل يجوز لقاضي التحقيق منع بث برنامج إعلامي؟
أصدر قاضي التحقيق المكلف بالبحث في قضايا الرضع المتوفين بمستشفى الرابطة قرارين بتاريخ 14/03/2019 يقضيان بمنع بث جزء من برنامجين إعلاميين يتعلّقان بالظروف التي أحاطت بالوقائع أحدهما تمّ بثّه على قناة قرطاج + بتاريخ 13/03/2019 يعدّه معز بن غربية و الثاني كان من المقرّر بثه على قناة الحوار التونسي ليلة 14/03/2019 ويعدّه حمزه البلومي مكتشف محتشد الرقاب .
تضمّن كل واحد من القرارين المذكورين كلمات مفاتيح سيقع تناولها بالدرس و التحليل وهي ” توفر معلومات أكيدة ” و ” دون ترخيص مسبق ” و ” تدخلا في سير العدالة ” و “خرقا لأحكام الفصل 109 من الدستور “.
الملاحظ أن قاضي التحقيق لم يؤسس قراره على نصوص قانونية مثل المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 02/11/2011 المنظم لحرّية الصحافة و الطباعة و المرسوم 116 الصادر بنفس التاريخ المتعلّق بحرّية الإتصال السمعي و البصري و لا مجلّة الإجراءات الجزائية التي تضبط بدقّة السلطات المخوّلة حصرا لقاضي التحقيق و الأمر مفهوم لأنّه لم يجد فيها ما يخول له قانونا التدخل قصد تعطيل بث برنامج إعلامي جزئيا أو كلّيا .
أوّل ما يسترعى الإنتباه هو استعمال قاضي التحقيق لتعبير غير مألوف في الأدب القضائي وهو ” توفر معلومات أكيدة ” فهذه العبارة تستعملها الجهات الأمنيّة التي تبني نشاطها و عملها على الإفادات و الإعلامات أمّا قاضي التحقيق و القضاء عموما فهو يتعامل مع وثائق الملف و لا يتخذ قرارات أو يصدر أحكاما بناءًا على العلم الشخصي .
ثمّ ما المقصود من عبارات ” التناول الإعلامي لقضية لازالت في طور التحقيق دون ترخيص مسبق “؟
من هي الجهة التي تختصّ بإسناد ترخيصا ؟
الأكيد أن قاضي التحقيق لا يملك سلطة الترخيص ولا توجد جهة أخرى مخوّل لها ذلك فالأمر ينظمه القانون إذا جاء بالفصل 61 من المرسوم 115 المشار إليه أعلاه أنه يحجّر نشر وثائق التحقيق قبل تلاوتها في جلسة علنية و بالتالي فإنّه من باب الهراء القانوني أن تتحدّث عن وجود إمكانية لمنح ترخيصا لخرق القانون .
الأصل في الأمور الصحّة و المطابقة للقانون و إن ظهر بعد بث البرنامج أن هناك خرق للقانون فيمكن تتبع المخالف طبق أحكام الفصل 61 المذكور الذي يقرّر خطية تتراوح بين ألف و ألفي دينارا إضافة إلى تعهيد الهيئة العليا المستقلّة للإتّصال السمعي البصري التي تمارس صلاحياتها في المجال طبق احكام الفصل 29 و ما بعده من المرسوم 116 المذكور.
من الواضح أن قاضي التحقيق إتّخذ قرارا لمنع إرتكاب جريمة محتملة وهو أمر غير مقبول من الناحية القانونية و تعسّف في استعمال السلطة المخوّلة له بمقتضى القوانين المنظمة لمؤسسة قاضي التحقيق وقد أسمح لنفسي بالتنظير بين هذا القرار و قرار يقضي بمنع مغادرة شخص لمحلّ سكناه بدعوى أنّه يخشى من إرتكابه لجريمة و هذا أمر غير جائز فالأصل أن يتمتّع الإنسان بالحرية و إن إرتكب جرما فمصيره العقاب ولا يجوز قانونا الإلتجاء إلى ما أسميه بإجراءات الإجهاض الجنائي .
الملفت للانتباه كذلك في قرار المنع هو إستنجاد قاضي التحقيق بالفصل 109 من الدستور و الحديث عن التدخل في سير العدالة .
من الناحية الشكلية تأسيس قرار المنع على الفصل 109 المذكور مرفوض قانونا لأن الدستور يتضمّن مبادئ عامّة يقع تجسيدها في نصوص قانونية تهتمّ بتنظيم قطاعات مختلفة ولا يجوز تأسيس الأحكام و القرارات القضائية على أحكام الدستور .
تمّ إن الرّأي الذي ذهب إليه قاضي التحقيق مبنى على تحريف خطير لمعنى الفصل 109 الذي منع التدخّل في سير القضاء و ليس في سير القضايا يعني أنّه تكريس لاستقلالية العمل القضائي و منع التأثيرات الخارجيّة على القرار العادل .
دون أن أطيل عليكم فإن القرارين الصادرين عن قاضي التحقيق مخالفين لجميع النصوص القانونية المعمول بها و ينطويان على إعتداء على إختصاصات الهيئة العليا المستقلّة للإتصال السمعي البصري و لجأ إلى إجراءات إجهاض التغطية الإعلاميّة لقضية وطنية هامّة وهي الوفايات في صفوف الرضع وهذا القرار غير حريّ بالتطبيق لأنه صادر عمّن ليست له سلطة النظر و يشكل في نفس الوقت خطأ مرفقيا واضحا يفتح باب الحق المطالبة بالتعويض لما تضرّر منه .
فضلا عن ذلك فإني أرى أن الغلو القانوني الذي بنى عليه قرار المنع قد يدفع للقول بقيام شبهة عدم الإطمئنان للعمل القضائي المحايد طبق أحكام الفصل 294 من مجلة الإجراءات الجزائية و يستوجب مباشرة إجراءات سحب الملف منه و إسناده إلى قاضي تحقيق أخر. “

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.