الرئيسية » “الحقّ” : قصيدة أخرى لأبي القاسم الشابي نشرت بمجلة “الرسالة” المصرية بعد وفاته

“الحقّ” : قصيدة أخرى لأبي القاسم الشابي نشرت بمجلة “الرسالة” المصرية بعد وفاته

إنّ المتصفّح لمجلّة “الرّسالة” المصريّة في عددها 76 الصّادر بتاريخ 17 ديسمبر 1934 يقرأ قطعة شعريّة لأبي القاسم الشّابي بعنوان “الحقّ” يبدو أن ّ المجلة نشرتها بعد علمها بوفاته الذي كان بتاريخ 9 أكتوبر 1934 فقد ورد اِسم الشّابي مسبوقًا ب “المرحوم” و هذا نصّها.

بقلم سُوف عبيد

الحقّ

ألا أيّها الظُلمُ المُصعِّرُ خَدَّهُ

رُويدَك إنّ الدّهرَ يَبنِي ويَهْدِمُ

أغرَّكَ أنّ الشّعبَ مُغْضٍ على قَذًى

لكَ الويلُ منْ يوم بهِ الشرُّ قَشْعَمُ

ألا إنّ أحلامَ البلادِ دفينةٌ

تُجمْجمُ في أعماقِها ما تُجمْجمُ

ولكنْ سيأتي بعد لَأْيٍ نُشورُها

ويَنبثقُ اليومُ الذي يترنّمُ

هُو الحقُّ يبقَى ساكنًا فإذا طغَى

بأعماقهِ السُّخطُ العَصُوفُ يُدمْدِمُ

ويَنْحَطّ كالصّخْر الأصَمّ إذا هوَى

على هَام أصنام العُتُوِّ فيُحْطَمُ

إذا صُعِقَ الجبّارُ تحت قُيودهِ

سيَعلمُ أوجاعَ الحياةِ ويَفْهمُ

وبعد مراجعة ديوان الشّابي ـ أغاني الحياة ـ لم أعثر على هذه القطعة وإنّما وجدت بيتين في موضوع الحقّ وهما بعنوان “الحقّ عند النّاس”:

 الحقّ عند النّاس

الحقُّ عند بني الدّنيا إذا عَدلُوا

قَيْدٌ يُغلّ به الجبّارُ مَنْ غَلبَا

فقاتلُ الجُند يدعُوهُ الورَى بطلَا

وقاتلُ الفردِ سَفّاكٌ إذا صُلبَا

غير أنّ هذه القطعة “الحقّ” المنشورة في مجلّة “الرّسالة” المصرية وغير الموجودة في ديوان “أغاني الحياة” نقرأ البعض من أبياتها أو كلماتها في غضون قصيدة “إلى الطاغية” التي مطلعها:

يَقُولونَ صَوْتُ المُسْتَذِلِّين خَافِتٌ

وسَمعَُ طغاةِ الأرض أطرَشُ أضخمُ

حبث ورد فيها بعض أبيات من قصيدة ـ الحقّ ـ مثل قوله في وسطها

أَلاّ إنَّ أحلامَ البلادِ دفينةٌ

تُجَمْجِمُ فِي أعْماقِهَا مَا تُجَمْجِمُ

وقد أبقى الشّابي فيها على البيت الأخير يعدما أبدل في عجزه قليلا

إذا صعق الجبّارُ تحتَ قيوده

يُصِيخُ لأوجاعِ الحَياة ِ وَيَفْهَمُ

وكذلك نجد صدى قصيدة “الحقّ” في متن قصيدة “زئير العاصفة” التي مطلعها:

تُسائلُنِي: ما لي سكتُّ، ولم أُهِبْ

بقومِي، وديجُورُ المصائبِ مُظْلِمُ

حيث جعل فيها بيت واحد من قصيدة “الحقّ” وهو البيت الأوّل:

ألا أيّها الظُلمُ المُصعِّرُ خَدَّهُ

رُويدك إنّ الدّهرَ يَبنِي ويهدِمُ

وقد نلمس بعض الأثر في هذه القصيدة “زئير العاصفة” من بيت قصيدة “الحقّ” وهو:

ويَنْحَطّ كالصّخْر الأصَمّ إذا هوَى

على هَام أصنام العُتُوِّ فيُحْطَمُ

في بيت قصيدة ـ زئير العاصفة ـ حيث ورد

وهل تَعتلِي إلا نُفوسٌ أبيِّةٌ

تُصدِّعُ أغلالَ الهَوانِ وَتَحطِمُ

فيمكن حينئذ ان نلاحط أنّ مقطوعة “الحقّ” المنشورة في مجلة “الرّسالة” بعد رحيل الشّابي قد اِستغنى عنها في ديوانه “أغاني الحياة” وجعل بعض أبياتها وكلماتها في غضون قصيدتيْ “إلى الطاغية” و “زئير العاصفة”.

وقد عرضتُ هذه المسألة على صديقي الشّاعر الدكتور نور الدين صمّود الذي له معرفة ودراية بديوان الشّابي وآثاره فرأى هو أيضا أنّ النص الذي نشرته مجلة “الرسالة” إثر وفاة الشابي مستلّ من قصيدتي “زئير العاصفة” و”إلى الطاغية”.

والسؤال يبقى هل أنّ الشابي أرسل نص قصيدته المنشورة في المجلة قبل وفاته أو أنّ القائمين على المجلة هم الذين اِقتطعوا بعض الأبيات من القصيدتين المذكورتين وجعلوا منها القصيدة المنشورة؟

أنا أرجّح أنّ الشّاعر كان قد أرسل هذه القصيدة المنشورة (“الحقّ”) إلى المجلة لكنه اِستغنى عنها وضمّن بعض أبياتها بعد ذلك في قصيدتيْ “زئير العاصفة” و”إلى الطاغية” ومثل هذا الأمر معروف لدى الشعراء.

ولعل البحث يكشف لنا ملابسات أخرى حول هذه القصيدة.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.