الرئيسية » تونس : المساواة في الميراث بين فيتو الإسلاميين وإستغلال الحداثيين

تونس : المساواة في الميراث بين فيتو الإسلاميين وإستغلال الحداثيين

 

ضمن منظومة الإستقطاب الثنائي ستظل النهضة تركز حملاتها الإنتخابية حول إشكال الهوية الثقافية والتاريخية في بعدها الإسلامي الضيق وسيظل التقدميون يستغلون قضية حرية المرأة إستغلالا مرحليا وإستذكارا مناسباتيا. وفي كلا الحالتين يظل الطرفان يتاجران بهموم النساء.

بقلم سناء عدوني

“سأفرض حرية المرأة وحقوقها بقوة القانون، لن أنتظر ديمقراطية شعب من المنخدعين بالثقافة الذكورية باسم الدين”. بهذه الكلمات فرض الحبيب بورقيبة حرية المرأة وأصدر مجلة الأحوال الشخصية لتنظيم مؤسسة الأسرة والزواج ولإلغاء تعدد الزوجات بعد مرور أقل من خمسة أشهر على إستقلال تونس.

فرغم الطبيعة السائدة آنذاك من صرامة النظام الأبوي إستطاع بورقيبة فرض حرية المرأة بقوة القانون و إرادة قوية في دحر المنخدعين بالثقافة الذكورية بإسم الدين، ومنذ ذلك اليوم مثل إصدار مجلة الأحوال الشخصية  نقطة تحول كبيرة في تاريخ التشريع التونسي واجه على إثرها الرئيس الراحل معارضة من المؤسسات الدينية وشيوخ الدين إنتهت بإنتصار مدنية الدولة وبمكسب تاريخي للمرأة التونسية وحين إعتقد معشر النساء لوهلة أن ذاك الزمن قد ولى يكرر التاريخ نفسه وتجد المرأة نفسها أمام إستفتاء جديد حول حريتها ومساواتها بالرجل إنه “التاريخ حين يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة وما نراه الآن هو المهزلة”.

في تونس التي كانت سباقة بنسائها المتعلمات والمتحررات تقف نساؤها اليوم على عتبة معبد التشريع تستجدي حقوقها المهضومة وسط  سجال شعبي وسياسي بإسم الدين والعادات الذكورية.

انتحار حركة النهضة بفيتو المساواة

حينما قيل أن دستور تونس من أكثر الدساتير حرية حتى أنه يساوي دساتير أعتى الديمقراطيات الغربية في مستوى الحقوق والحريات لسائل أن يسأل لماذا تعثرت قاطرة المساواة عند أول إختبار بالتقاليد الرجعية؟

مثل تقرير لجنة المساواة والحريات الفردية الجرعة الزائدة الأخيرة التي إنتحرت بها حركة النهضة بعدما بان بالكاشف طابعها الرجعي الرافض للحرية والمساواة وكل ما روجته من دعايات كاذبة حول مدنيتها ومواكبتها لتغيرات العصر باطلة ورغم ما فعلته النهضة “لمكيجة” وجهها الإخواني العابس ظلت وفية لهذا الإرث رافضة تطوير نفسها مما مطط أكثر في الهوة بينها وبين النمط التونسي.

إزدواجية الخطاب النهضاوي ولعبة الهروب للوراء

ولم يكن الموقف الرسمي للحركة إلا دليلا على مواصلتها لأسلوب المناورة وإزدواجية الخطاب ويتجلى ذلك في تصريحها على دعم مجلسها لكل مساعي تطوير مجلة الأحوال الشخصية بما يسهم في ضمان حقوق المرأة، وبما لا يتعارض مع النصوص القطعية للدين ناهيك عن إرتدادها لطابعها الدعوي إذ أعلنت صراحة عن تمسكها بالنصوص القطعية للقرأن والسنة.

وقد وجهت بذلك الحركة رسالة طمأنة لقواعدها مفادها: “نحن على العهد باقون” وقد كسبت بذلك ودا إنتخابيا من طرف الجماهير الرافضة للمساواة من نساء محافظات رافضات لحقوقهن لأسباب دينية وثقافية، ولرجال أعمتهم الثقافة الذكورية.

فحتى بعد أن لبسوا “الكرافات” وتخلّوا عن العمامة أبدا لن يتغير فكر “الحمامة”.

إن هذا التحليل في خطاب النهضة والقراءة في مواقفها ليس إقرارا فقط بمدى رفض الحركة للتمدن وإنما أيضا لتأكيد إنخرام الهوية لهذا الحزب الذي لا يحمل هوية محددة ويتلون بتلون الفصول السياسية.

وموقف رئيس الحركة راشد الغنوشي من المثلية الجنسية بقوله ليس لنا دخل في حياة الأفراد والمثلية شيء  طبيعي دليل على إستمرار منهج التلون السياسي لها.

إن النهضة تواصل منهج إستمالة العواطف الدينية لحشد الأصوات الإنتخابية فيما يواصل نداء تونس ورئاسة الجمهورية المتاجرة بهموم النساء الذي كان رأس ماله الإنتخابي في إنتخابات 2014 عندما وعد بمزيد الحريات للمرأة التونسية وضاعت الوعود في التحالف الرجعي مع النهضة.

 كان ذلك فقط من أجل كسب رأس مال إنتخابي وهو ما يجعل من الحزبين فرد كفة في توظيف قضايا النساء في المزايدات السياسية.

 وفي خضم هذا  الإسراف السياسي، إن ما يوحد نداء تونس وحركة النهضة فيما يتعلق بقضية المساواة في الميراث هو نظرتهما الثنائية للمرأة كأداة للتوظيف السياسي وورقة رابحة في معركة الإنتخابات لحشد الجماهير باسم حقوق المرأة أو باسم الدين والمحافظة على المجتمع المحافظ.

الإشكال الهوياتي رأس مال سياسي من جديد

إن هذه الثنائية (“البيبارتيزم”) الحزبية ترمي لإحياء الإستقطاب الثنائي تحت إشكال الهوية من جديد، ومن المنتظر أن تركز النهضة في المرحلة القادمة حملتها حول هذا الإشكال الهوياتي التاريخي المتجدد ليستغل التقدميون من جهة أخرى قضية حرية المرأة إستغلالا مرحليا وإستذكارا مناسباتيا مما يضع من الطرفين في كفة واحدة في التجارة بهموم النساء.

وبين الإشكال الهوياتي والإستذكار المناسباتي تقف قاطرة المساواة بين الجنسين تنتظر ثورة ثقافية على كل العادات الرجعية من أجل وطن يساوي بين الجميع دون تمييز.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.