الرئيسية » حديث الجمعة : لنواجه الارهاب بالعمل صادقين لأجل السلام في فلسطين! (3)

حديث الجمعة : لنواجه الارهاب بالعمل صادقين لأجل السلام في فلسطين! (3)

 

نختم طرحنا بخصوص ما يتوجب القيام به لأجل مواجهة الإرهاب بالفعل وصدق النية والعزيمة، لا فقط بالكلام الفضفاض المخادع. فنقول إن ما يفرضه العقل وتحتمه الواقعية اليوم، إضافة للأخلاق والعدل، لهو الخروج من المأزق الفلسطيني الذي انقلب إلى بؤرة فساد سواء بالأراضي المحتلة، من طرف دولة تمتهن الارهاب المقنن وأيضا ممن يقاومه بإرهاب منافس باسم الجهاد، أو خارج الأراضي المحتلة من طرف من يتاجر بالقضية لأغراضه الخصوصية من عرب وعجم.

بقلم فرحات عثمان

 

لا شك أن تونس هي أفضل الدول العربية التي من حقها وواجبها بيان المنهاج المتحتم اتباعه في هذه القضية، إذ كانت أول العرب في الإصداع بكلمة السواء في الموضوع حين كان الأمر هينا، وذلك بشجاعة رئيسها الأول وبُعد نظره. وبديهي اليوم أن ما يحدث بربوع الخضراء يؤشر على ما يمكن التجرؤ على القيام به مجددا نظرا للدور الذي قام ويقوم به زعيم العالم الغربي الأمريكي، الذي هو في نفس الوقت أفضل حلفاء إسرائيل؛ فلا يخفى على أحد أنه المهندس لما حدث ويحدث ببلادنا. لذا، من الخور وفساد النية عدم الاعتراف بالطابع الأمريكي المكين على الأحداث قبل وبعد الثورة المزعومة، أي الانقلاب الشعبي باسم حقوق التونسي ومطالبه في الحرية والكرامة.وهذا ليتواصل اليوم بلا هوادة.

إن التركيبة الجديدة للحكومة لاجتماعها على رموز لا يُستهان بها، بما يمثله وزير السياحة الجديد، إضافة للفائز بجائزة نوبل للسلام وبقاء الديبلوماسي الذي أدار مكتب العلاقات الرسمية لتونس بإسرائيل على رأس وزراة الخارجية، كل هذا يؤشر حتما على خطة لا تنتظر إلا الوقت المناسب للتفعيل. ومن رأينا أنه لا يجب الانتظار أكثر للتجرؤ على المضي قدما لما يفرضه مسار التاريخ والعدل لأجل إحقاق الحق وإنقاذ الأبرياء الفلسطينيين من التلاعب بهم وبقضيتهم، كما هي الحال اليوم من جميع الأطراف المعنية، بما فيها المسلمين، واليهود خاصة مع الحليف الأمريكي بالطبع، أقوياء اليوم والذين تقع على عاتقهم المسؤولية الأولى للإتيان بالمثل الأسنى.

الخروج من المأزق الفلسطيني:

بالنسبة لبلادنا، لا تفوتنا الإشارة للدور الذي يلعبه حزب النهضة، الحاكم الحقيقي، في الاكتفاء بالمناورة في القضية، حيث لا يخفى على أحد ما تربطه من علاقات ود حميمية مع مجموعات الضغط اليهودية رغم أنه يمتنع عن الإفصاح عما يقتضيه هذا الموقف الخفي، وهو القول علنا بضرورة تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لذا، فإن أول خطوة للخروج من المأزق الفلسطيني الحالي الذي لا يخدم إلا مصلحة القوي الحاكم، أي المحتل الإسرائيلي، هي في حمل النهضة على توضيح موقفه بتبيان أنه مع التطبيع. هذا طبعا يفرض على الحكومة طرح المسألة رسميا والعمل على عرض الحلول المناسبة للخروج من مأزق لم يعد من العدل ولا العقل البقاء فيه.

ولا شك أن مثل هذا التمشي الرصين يقتضي الكف عن رفض حتمية إرساء علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل؛ ولئن كان من بد التريث في ذلك لاختيار الوقت الأفضل، فهذا لا يمنع من الاستعداد للحدث والتهيئة له بإعطاء التوجيهات الإعلامية المتوجبة، مثل الكف عن استعمال الكلمات الخاطئة والمغالطة في الحديث عن المأساة الفلسطينية،كتعبير الكيان الصهيوني لدولة قائمة الذات حسب القانون الدولي، أو الخلط بين مقاومة الاحتلال وتمجيد الإرهاب بالكلام عن الشهادة التي تقتضي في الإسلام الحياة لا الموت.

ثم إن ما يمكن القيام به في هذا النطاق الذي تفرض فيه السياسة التريث هو الإسراع بفتح خط جوي مباشر بين بلادنا مع تل أبيب، يكون مع جربة مثلا كبداية ثم قرطاج حتما. فمثل هذا المشروع، الذي لن يتوانى وزير السياحة الجديد عن التعهد به إذا لم يأت مانع سياسي أو أيديولوجي لعرقلة ما يمكنه فعله بأقصى سرعة، لهو لخير جميع الأطراف بما فيها أصحاب الحق الفلسطينيين. وللتذكير، ليس هذا الخط بين البلاد المغاربية وإسرائيل بالجديد بما أن هناك مثيله، بل وعلاقات تجارية، بين إسرائيل والمغرب الأقصى وذلك منذ مدة.

العدل يقتضي تغليب القانون :

نحن اليوم أمام حق أضاعه أهله الذين لا يعتبرون بالتاريخ وحقائقه، فيتمادون في التباهي بالدفاع عن هذا الحق الضائع وهم لا يسعون إلا لنقضه من الأساس  بتطبيق الخطة التي تريدها منهم إسرائيل، أي إبقاء الأمور على حالها، إذ تلك مصلحتها، وهي في رفض تفعيل القانون الدولي بتعلة رفض العرب الاعتراف بدولتها القائمة الذات. هذا هو الخور بعينه، لأن الاعتراف بالدولة اليهودية تقتضيه بطاقة ميلاد إسرائيل، التي هي في نفس الوقت الشهادة في ميلاد دولة فلسطين بما أن الولادة لتوأم، فلا مناص من الاعتراف بأحدهما دون الآخر. ثم الأدهى هو أن الفلسطينيين أنفسهم اعترفوا بدولة إسرائيل!

نعم، الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعتمد اليوم على منطق القوي المتعجرف لرفض القانون الدولي برمته؛ إلا أنها لا تفعل ذلك إلا اعتمادا على سياسة الرفض العربية والمقاطعة الوهمية، بما أنها مجرد تمثيلية لا تمنع الاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين البعض من الساسة العرب والمسلمين ومن هم رسميا أعداء وفي الخفاء خلان.ألسنا نعلم أن السياسة، سياسة أي بلد، ليست أزلية، وأن التوجه الإرهابي اليوم للحكومات اليهودية من شأنه أن يتغير تحت الضغط الداخلي والخارجي إذ تم التدليل على أنه يقوم على مجرد أوهام وأن السلام هو الأفضل في المنطقة للجميع، بل وفي العام طرّا؟ لكن كيف لنا أن نقوم بهذا ونحن نخلط بين الجهاد لأجل قضية عادلة والإرهاب الذي نمجده باسم الدين؟ وكيف نمنع إسرائيل من اعتبار كل من قاوم ويقاوم من أجل حقه في أرض لا ينكره أحد حقه، إلا أنه يرى نفس الحق لليهودي نفسه؛ فهل من بقاء لحق ثابت إذا  خلطنا كما نفعل بين الحق ونقيضه وذلك برفض حق الآخر؟ هل يبقى الحق عند اللجوء إلى ما يسقطه، أي عدم اعتماد ما يفرضه من سلامة الوسائل للحصول عليه بما فيه الاعتراف المتبادل بين الخصمين؟

إنه بلا شك من حق العرب. بل والعالم أجمع، التنديد بالسياسة الإرهابية التي تقوم بها اليوم دولة إسرائيل، إلا أنه هذا لا يعطينا أي حق في اللجوء إلى سياسة مماثلة للتصدي لها، إذ نحن بذلك نسقط في الفخ الذي يجعلنا ننفذ خطة من يرفض السلام. ثم إننا لا نسعى حتما للسلام الذي يقتضي حسن النية في ابتغائه بالحرص على التدليل عليها دون هوادة. هذا ما لا نفعله، بما أننا لا نعطي إلا المثل السيء اقتيادا بما يفعل هذا العدو الذي لا يسعى إلا للحصول منا على ما يبتغيه هو، أي أن ندلل على رفضنا له وعلى مناصرتنا للإرهاب باسم حقنا المغتصب.وهذا ليس بالعسير على الدولة القوية اليوم، لا فقط عسكريا، بل وأيضا لأجل مؤسساتتها الديمقواطية ودور الرأي العام داخل البلاد وخارجها في تكوين وإسقاط الحكومات. لذا، فإن سعينا لأجل إرساء الديمقراطية ببلداننا العربية الإسلامية المنكوبة في هذا الميدان يساعد دون أدنى شك على مقاومة من نتعنت في اعتباره العدو اللدود، بينما السعي للسلم يقتضي أن نكف على تبليسه. هذا ما يقتضيه العدل داخل بلداننا وفي علاقاتنا الخارجية.

من أجل ديبلوماسية فاعلة

إن سياسة إنكار الغير أكل الدهر عليها وشرب، والشجاعة اليوم من أحزاب كل البلاد العربية، وبتونس خاصة،ليست في سن قوانين رفض التطبيع مع إسرائيل، بل في الإسراع بالتطبيع مع انتهاج سياسية صادقة النية وديبلوماسية نشيطة تعمل على العودة للقانون الدولي وتفعيله على أرض الواقع بإقامة دولة فلسطين في حدود سنة التقسيم وعودة كل اللاجئين إلى أراضيهم في نطاق تسوية عادلة يعترف فيها الكل بحقوق الجميع الثابتة. وهذا من المتأكد لأنه في واقعنا الحالي، وهو من اللخبطة القيمية بمكان،مع انعدام ديبلوماسية حقة فاعلة وسياسة فهيمة تقول الحق وتسعى إليه، ليس في التطبيع إلا المهانة وخدمة مصالح إسرائيل. لكن من قال بوجوب تواصل الحال المزرية التي عليها سياستنا وديبلوماسيتنا اليوم؟ إنني لا أفتأ أنادي بثورة عقلية على هذا المستوى، كما هي واجبة على جميع المستويات بتونس. فلا تطبيع إلا مع سياسة خارجية في نفس الوقت تقول الحق وتناهض لأجله بكل جدية وشراسة إن وجب الأمر. هذه هي الوسيلة الوحيدة للخروج من المأزق الذي نحن فيه والذي لا يفيدنا ما نفعله من تجريم لا طائل منه وسفسطة سياسية غير مجدية.

لذا، ليس في رفض دولة إسرائيل ومواصلة التهافت الفضيع في نعتها بالكيان، وهو أكبر دليل على خروجنا من حدود الواقع، إلا الخيال والأوهام؛ ليس في ذلك إلا التشجيع المتواصل منا للسياسة  العقيمة الحالية في ابتذال المباديء توظيف كلمة الحق لأجل الباطل الصرف الذي هو هنا المصالح الضيقة لمرتزقة السياسة وانتهازي القضية الفلسطينية العادلة. ولا فائدة هنا من الإشارة إلى أنه لمّا يصل التهور بالبعض إلى سن القوانين الرافضة لواقع دولة إسرائيل فهي تبقى حبرا على ورق كما تبقى كل الترهات التي لا علاقة لها بالواقع الذي يفرض دوما نفسه على الأهواء؛ بل إن مفعولها كله سلبيات في حل المعضلة الفلسطينيه، إذ يزيدها تعقيدا.

السياسة اليوم، خاصة الخارجية،كياسة وصدق نية؛ وقد حان الوقت لأن نخرج من حفرة السياسوية الضيقة والمتاجرة بدماء الأبرياء في فلسطين باسم العروبة والوطنية ! إن خدمة القضية الفلسطينية تقتضي عاجلا  انبراء ساسة نزهاء وديبلوماسيين محنكين لا يترددون في قول كلمة السواء والذود عنها بكل قوة في نطاق سياسة صادقة النية خالصة الكياسة. وهي في :

–      أن إسرائل دولة قائمة الذات ولا كيانا خياليا إلا في أدمغة المدجلين في السياسة وبالسياسة؛

– أن دولة إسرائيل لا حقيقة لها إلا مع دولة فلسطين في حدود التقسيم الدولي الذي هو بطاقة ولادة لتوأمين أو في دولة كونفيديرالية؛

– أن الديمقراطية بإسرائيل وغير إسرائيل، خاصة بدولنا العربية، تقتضي الاعتراف بكل حقوق المواطنين دون التفرقة باسم الدين؛

– أن الديبلوماسية اليوم، في زمن الليبيرالية الغربية الغالبة، تقتضي رفع كل الحدود المكبلة لحرية التنقل للبشر، لأن البضاعات ليست أكثر قدرا من الإنسان، ولأن هذا الأخير هو مبعث كل ما تأتي بها البضاعة من ثراء وثروة .

بمثل هذه الطريقة فقط يمكن للعرب المشاركة بجدية في الصراع الحامي الوطيس بفلسطين كما يدّعون دون النجاح في تخيّر الوسيلة الفضلى، إذ هم يلوكون كلاما عهدناه ليس فيه إلا اجترار شعارت لا تجدي نفعا، إلى حد أنه أصبح مجرد هراء ولغو عند ذوي أحلام العصافير.

سلاح الديمقراطية والحرية  المتوسطية:

إنه بالإمكان للسلط بتونس، لتفادي العقبات التي تبدو للبعض مستحيلة التجاوز، إنزال الاعتراف بإسرائيل في نطاق مبادرة ديبلوماسية تنادي بخلق مساحة متوسطية للديمقراطية Espace méditerranéen de démocratie تكون فيها العلاقات مباشرة بين الدول والتنقل البشري فيها حر. فمثل هذه المبادرة من شأنها أن تلقى القبول الحسن من الشبيبة المتحمسة اليوم ضد الدولة اليهودية والتي حماستها في معظمها من باب التفاعل مع ما يُروّج من رفض اليهود والغرب للمسلمين ولحقوق بلاد الجنوب، وأهمها طبعا حق شعوبها في حرية التنقل.

ولقد بيّنت عديد المرات أن حرية التنقل ممكنة دون أي إثارة لمشاكل أمنية إذ من شأنها أن تتم بواسطة تأشيرة تنقل visa biométrique de circulation  تعوّض التأشيرة الحالية ،فلا تلغيها إلا في طبيعتها، فتصبح التأشيرة من حق من يطلبها من مواطني المساحة المتوسطية للديمقراطية التي نطالب بها، تسلم لهم بمجرد الطلب ولسنة على الأقل مع التجديد الآلي.ومن البديهي أن لتونس إمكانية المطالبة بهذا الإجراء في نطاق المفاوضات الحالية حول الاتفاقية المجحفة أليكا التي من شأنها أن تكون أقل إجحافا  بإدماج حرية التنقل البشري Alecca.

هذا، ومع العلم أن للديبلوماسية التونسية، التي تستعد لاحتضان قمة الخمسينية لمنظمة الفرنكوفونية، الفرصة لأن تعمل في نفس هذا الاتجاه بالمطالبة، على الأقل، علي تأشيرة مرور فرنكوفونية بين الدول الديمقراطية الفونكوفونية.فذلك من شأنه أن يمثل خطوة هامة نحو إرساء مجال حضاري شرقي غربي Aire de civilisation Occident-Orient ويثبت في نفس الوقت أحقية الإبداع التونسي وثبوت أن بلادنا استثناء بحق وبدون منازع.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.