الرئيسية » حديث الجمعة: مشروع قانون للتصدّي لخوارج الإسلام الجدد

حديث الجمعة: مشروع قانون للتصدّي لخوارج الإسلام الجدد

 

بقلم فرحات عثمان

 

الإسلام في خطر بتونس! إنه لفي خطر محدق لعلّه يقضي عليه في ربوع المغرب العربي الأمازيغي وقد كثر به العزوف عن الإسلام للإلحاد أو لاعتناق النصرانية أو اليهودية. الحنيفية المسلمة في خطر بمغربنا الكبير لأن هناك من يكفّر من فيها من مسلمين غيورين على دينهم، ساعين لتحيين فهمه في شتى مواضيع المعاملات، ومنها المساواة في الإرث وحقوق المؤمن الشخصية في شرب الخمرة مثلا أو في الجنس الحر بين البالغين بما فيهم المثليين.
فهؤلاء يمثّلون الإسلام أفضل تمثيل إذ الدين القيّم ثقافة علمية عالمية؛ فإنما هو حقوق وحريات قبل أن يكون شعائر! ذلك لأن االشعائر لله، وهو غنيّ عن عباده، بينما الحقوق والحريات لعباده فيما يخص أمور حياتهم، لا دخل للدين فيها وإلا أصبح تسلّطا مقيتا كما كانت الحال للكهنوت المسيحي وكهانة المعبد اليهودي. وقد علمنا أنه لا كنيسة ولا بيعة في الإسلام، فما بال الفقهاء يأخذون مكانهم؟

خوارج الإسلام الدواعش المتستّرين:
الإسلام في خطر بتونس لأن بها خوارج جدد، هؤلاء المتعصبّين لحرف النص الديني، يقولون أن لا حكم إلا لله بينما هم لا يعنون بذلك إلا حكم البشر وفهمهم الخاطىء لحكمة الله التي لا ينفذ إليها أي إنسان مهما علا كعبه في الدين؛ فهل يكون هؤلاء أفضل من الأنبياء؟ لقد بيّن الله في محكم كتابه جهل موسى أمام حكمة الخضر، كما بيّن أن للرسول، صاحب الرسالة الإسلامية، أن يخطأ في أمور الدنيا، وله الله ليعصمه ويسدّد خطاه. فإن كانت هذه حال المعصومين من خلق الله، فما هي حال البشر العادييّن؟ والفقهاء منهم، مهما ادعّوا من معرفة دينه، فلم يعلموا منه إلا شيئا وغابت عنهم منه أشياء.

ثم إنه لا رجال دين في الإسلام، فليس أحباره إلا العلماء المجتهدين بحسن نىّة ومعرفة بالفرقان وبلغته العربية. هؤلاء هم أهل الذكر حقيقة، أي أهل التذكير بالصحيح من الدين، إذ الذكر هو ضد النسيان؛ ثم هو الشرف أيضا، أي شرف استحضار ما صحّ من الإيمان بخلاف ما يمتاز به أهل الحفظ من المقلّدين للسلف ممن ليس لهم إلا الإحراز على ما صلح زمنا ولم يعد صالحا اليوم، إذ أكل عليه الدهر وشرب؛ فهو من الاجترار عوض الاجتهاد؛ وفيه كل الضرر للدين وللعالمين. وليس أكبر دليل على هذا إلا داعش المعتمدة على هذا الفقه الذي بار لخلق جاهلية جديدة، إلا أنها تدّعي الإسلام. فهل نريد داعش ببلادنا؟

هذا ما يبتغيه كل من يدّعي أن شرع الله يمنع الحريات والحقوق، مثل المساواة في الإرث، إذ غاب عنه أن مقصد شرع الله هو في تحقيق العدل كمبدأ لا محيد عنه، وهو في المساواة في الإرث وغيرها من الحقوق المدنية، كالتي نذكر في مشروع القانون الذي نعرض فيما يلي للتصدّي لخوارج اليوم، دواعش الإسلام، ولإحياء الإيمان الأصيل في الإسلام.

مقوّمات الإيمان الأصيل:
إن قضية المساواة في الإرث المثارة اليوم بتونس ليس فيها أي مسّ بشرع الله؛ بل هي الإبطال المتحتّم لفهم البشر لحكم الله الصحيح الذي لا يختزله بتاتا حرف القرآن، بل هو في روح نصه ومقاصده؛ فإن كان بديهيا أن لا حكم إلا لله، فليس هذا كما فهمه الخوارج، دواعش اليوم، بل هو بتفعيل مقاصد الشريعة وتجاوز حرف النص اللدني إلى روحه ومقصد العدالة التامة في كل شيء من أمور الدنيا. فهلا انتهينا عن مغالطة الناس وأنفسنا وصحّحنا فهمنا الخاطئ للإسلام الذي أفسدناه وهو الدين الإناسي بامتياز!
إن السعي اليوم إلى تحرير الإسلام،

دين الحقوق والحريات، من تزمّت خوارجه الجدد لهو من الجهاد في سبيل الله، إذ فيه العمل على إعادة إحياء علوم الدين القيّم ببيان وتبيين مقوّمات الإيمان الأصيل. فقد بُلي أهل الإسلام من الفقهاء والعامة بأشياء كلّها عليهم لا لهم، أوّلها فقد النية الصافية في فهم الدين، وهي العمود للإيمان الأصيل؛ وثانيها التواضع في العلم الصحيح، أي خصلة الفقير لله في المعرفة، المؤمن المسلم الذي ليس بعالم إلا ما دام يطلب العلم، فلا يقول علمتُ إلا للإقرار بجهله؛ والجهل اليوم أن ندّعي أن شرع الله في عدم العدل بين المؤمنين والمؤمنات في كل حرياتهم الشخصية حقوقهم، ومنها الميراث. والثالثة هي الشغف بالتقليد وهو الاختيار الردىء للكلام والركون للفاسد منه،

بل لإجرام التكفير عوض فرض التفكير وإعمال العقل؛ فإذ بهؤلاء يفقدون ما ميّزهم به الله عن الحيوان. أمّا الرابعة، فهي تتّبع اللفظ وترك روحه ومقصده، وهو الضلال المبين. وأمّا الخامسة، فالذهاب مع مثل ذلك اللفظ بلا روح دون المعنى وضد المقصد السني. كل هذا يبيّن ضعف الإيمان عند من يدّعيه لضعف الأصالة فيه وفيهم. فلنجاهد في سبيل الله لنحي الإيمان الصحيح، إسلام الحقوق والحريات!

إحياء الإيمان الإسلامي كحقوق وحريات :
هذا مشروع قانون مستوحى ممّا أعلنه رئيس الجمهورية ومما ورد في الرسالة التي وجهها إليه رئيس الحزب الإسلامي والتي أتى فيها بقبول النهضة لإبطال تجريم المثلية والنصوص المناهضة لحرية شرب الخمر والتجارة به في تونس بدون عراقيل. فليتم عرضه من طرف من حسنت نيته في خدمة الإسلام في هذه البلاد كدين الحقوق والحريات! وهذا ما يقتضيه دستور الدولة المدنية التونسية الذي يحيل إلى احترام مبادىء دين الشعب؛ فلا رفض في الإسلام في قراءتنا الصحيحة لحقوق الشعب وحرياته الفردية كما نبيّنه في مشروع القانون هذا. بذلك نعمل على تخليص الذهنية التونسية من الكوابل التي تمنع تحرّرها في أهم المسائل الحساسة التي لا بد من الكلام فيها، بل والبداية بها لقيمتها في المتخيّل الاجتماعي واللاوعي الجماعي.

مشروع قانون فيالمساواة في الإرث، وإبطال تجريم المثلية وتحرير الخمر

تأسيسا على مقتضيات الدستور التونسي المؤرخ في 27 جانفي 2014 وما يحيل إليه من مبادىء إسلامية عادلة ودولية كمرجعية لحقوق الإنسان، خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في العاشر من ديسمبر 1948 وسائر المعاهدات الدولية الضامنة لحقوق الإنسان المصادق عليها من طرف الجمهورية التونسية،
صادق مجلس نواب الشعب على القانون الآتي في المساواة في الإرث وإبطال تجريم المثلية وحرية استهلاك الخمر.

أوّلا، العدل بالمساواة بين الجنسين في الإرث:
اعتمادا على التأكيد الدستوري للمساواة التامة بين المواطنين،
واعتبارا للدور السني للمرأة في المجتمع التونسي وحقها في المساواة مع الرجل،
ونظرا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي شرّفت المرأة فأعلت من شأنها في نطاق توجه مرحلي تقدمي جاء متناغما مع وجهة التاريخ والمنظومة العالمية للقيم الإنسانية؛

ثانيا، العدل في الحرية الجنسية بإبطال تجريم المثلية:
حيث أن كراهة المثلية مخالفة لحقوق الإنسان في حياة مجتمعية آمنة، وهي أساس الديمقراطية؛
وحيث أن التوجه الجنسي للبشر من حياتهم الخصوصية التي تضمن حريتها دولة القانون والإسلام؛
وحيث أن الفصل 230 من القانون الجنائي يخرق الإسلام وينتهك تسامحه، إذ لا كراهة فيه للمثلية لاحترامه لحرمة الحياة الخاصة للمؤمن وضمانه التام لها؛
ثالثا، العدل في حرية استهلاك وتجارة الخمر:
حيث أن الإسلام لا يحرّم شرب الخمر، بل السكر والقيام للصلاة سكرانا؛
وحيث أن المغالاة في كل شيء من المنبوذ، وأن أفضل وسيلة للتحلّي بالرصانة في كل شيء هي التدرّب عليها في محيط بلا موانع؛
وحيث أن منع بيع الخمر يوم الجمعة وخلال شهر رمضان يخالف حرية التجارة التي يضمنها الإسلام، إضافة إلى حرمان المؤمن من إمكانية التدليل، بوجود الخمر في متناوله، على امتناعه عن شربها بكل حرية وعن رغبة وقناعة كما يقتضيه دينه؛
فإن مجلس نواب الشعب قرّر :
الفصل الأوّل
يُرفع تطبيق القاعدة التي تمنح للوارث الذكر مثل حظ الأنثيين الواردة بالباب التاسع من مجلة الأحوال الشخصية. لذا، فالمساواة في الإرث هي القاعدة في التشريع التونسي ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ.
إلا أنه، كمرحلة انتقالية، ولمدّة سنوات عشر، يمكن المطالبة بالانتفاع بتطبيق القانون القديم.
عند انتهاء هذه العشرية، لا مجال للانتفاع بهذا الاستثناء إلا في حالة تقديم طلب معلّل في الغرض لمجلس نواب الشعب يقع التصويت عليه لتجديد هذه المدة الانتقالية لعشرية أخرى نهائية. ويقع بيان إجرءات القرار البرلماني بمقتضى القانون.
الفصل الثاني
نظرا لأن الحياة الخصوصية محترمة ومضمونة دستوريا بالجمهورية التونسية، أُبطل الفصل 230 من القانون الجنائى.
الفصل الثالث
حرّية استهلاك الخمر والمتاجرة بها مضمونة بدون تحديد على كامل أرض الوطن. لذا، تُبطل جميع النصوص المخالفة لهذه الحرية.
الفصل الرابع
يدخل هذا القانون حيّز التنفيذ حال نشره باالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ويُبطل كل ما يخالف نصه وروحه من التشريع المعمول به.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.