الرئيسية » في هدف التمويلات المشبوهة التي توجه المصير العربي

في هدف التمويلات المشبوهة التي توجه المصير العربي

 

 

بقلم أحمد الحباسي

ما يجرى على الساحة العربية يطرح أسئلة عجيبة كثيرة، والجميع يصرون أن ما حدث ويحدث على هذه الساحة ليس حالة من استفاقة شعبية عفوية أو مجرد نزوات عابرة بالإمكان أن تختفي مع الزمن، لأن هناك من يحرك خيوط اللعبة من وراء ستار وهناك من يسعى إلى تنفيذ مخطط محبوك معين.

بين هذا وذاك، تكشف التسريبات والتقارير الإعلامية حقائق مذهلة كثيرة ويكتشف المتابع أن ما يحصل من تظاهرات ومظاهرات واجتماعات وندوات مشبوهة هو بفعل فاعل وأن العرب، بعد أن كانوا مخبر جربت فيهم الأسلحة التي استعملتها الإدارة الأمريكية وحليفتها الصهيونية في العراق وفي فلسطين وفي الصومال وفي أفغانستان، قد أصبحوا مخبر تجارب لكل أنواع وأساليب وسائل الإتصال الفضائي والتواصل الإجتماعي .

هدف التمويلات الأمريكية المشبوهة للناشطين العرب

في تأكيد لهذه الحقائق المرعبة تحدث الوزير السابق نعمان الفهرى أن وزارة تكنولوجيا الإتصال في عهده قد تلقت حوالي 2700 مطلب معلومة عن الصفحات والمواقع المشبوهة على الأنترنت وأانه تم فسخ العديد منها بالتعاون مع منظومة “فيسبوك” في نطاق التعاون في الحرب على الإرهاب.

بطبيعة الحال هذا العدد مهم لكنه ضئيل بالنسبة لواقع الأمور خاصة وأن أغلب هذه المواقع تقف وراءها منظمات وأحزاب تكفيرية إرهابية نرى ضجيجها بعد كل عملية إرهابية في تونس.

تكشف وثائق ويكيليكس الشهيرة أن الولايات المتحدة الأمريكية وهيئة المعونة الأمريكية تحديدا قد مولت جملة من “الناشطين” على مستويات مختلفة للقيام بما يلزم حتى تسقط “أنظمة الربيع العربي”. نشاط هؤلاء المرتزقة من صحفيين، من المعارضة، من نشطاء المجتمع المدني، ومن المدونين، يتم تحت ستار زائف هو الدفع بالشعب إلى الساحة للمطالبة بالتغيير وبالحرية، في حين تستغل السفارات الأمريكية والغربية في الدول العربية عموما الإجتماع والتواصل مع هؤلاء المرتزقة للحصول على بعض المعلومات الحساسة مقابل الدعم المالي والسياسي. و لو نظرنا بدقة فاحصة في قائمة المتعاملين مع السفارة الأمريكية بالقاهرة أو مثيلتها بتونس مثلا لوجدنا أسماء لشخوص مهمة في كل المجالات و هو ما يدفع إلى الإعتقاد أن غاية الإدارة الأمريكية من وراء التمويل ليس حرية الشعوب العربية بل الحصول على مزيد من المعلومات لاستثمارها سياسيا وعسكريا من طرفها.

يدرك المتابعون أن بعض المواقع الإلكترونية تشن حربا شعواء بلا هوادة على المنظومة الأمنية و القضائية والعسكرية في بلدان ما يسمى بالربيع العربي بالذات، ولا يستغرب هؤلاء الإهتمام بمسألة التمويل الأجنبي لهذه المواقع خاصة بعد نشر وثائق ويكيليكس و بعض الدراسات الأكاديمية الجادة لما يثبت هذا التمويل الغربي الصهيوني والخليجي أيضا لهذه المواقع المشبوهة.

في مقال بعنوان “تغذية الإشاعات وصفحات مشبوهة” تتحدث جريدة “الشروق” بتاريخ 9/8/2018 عن تعمد مجموعة من الصفحات والشخصيات إلى نشر إشاعات ومعطيات أغلبها مغلوطة تتعلق بقيادات أمنية بارزة عبر مواقع التواصل الإجتماعي.

هذه الإشاعات، تقف وراءها صفحات مأجورة تعمل لصالح جهات بوزارة الداخلية أو أحزاب سياسية الهدف منها تشويه بعض القيادات الأمنية ووزير الداخلية حسب مصادر أمنية.

كما أكدت نفس المصادر أن هذه الإشاعات مست من قيادات أمنية بتحريض من جهات أمنية وسياسية والهدف منها التشكيك في تلك القيادات بهدف تركيعها أو ترهيبها أو ابتزازها خدمة لمصالح أحزب وقيادات سياسية تريد السيطرة على وزارة الداخلية وقياداتها.
هذه الحرب تستهدف طبعا دعائم الدولة المدنية التي تستهدفها وكالات المخابرات الأجنبية ومشروع الفوضى الخلاقة الذي تتشابك مصالحه مع مشروع الدولة الإسلامية للإسلام السياسي على الطريقة التركية.

وليس غريبا أن تنعت هذه المؤسسات بالطواغيت أو بخدمة الطاغوت، فهذا التوصيف القذر مهم حتى يستباح الدم ويرفع الحرج عن القتلة وكل من يستهدف هذه الرموز بالاعتداء والقتل والتشويه.

هنا “نتفهم” كيف مانعت النائبة سامية عبو ونظيرتها محرزية العبيدى وأغلب المنتمين إلى حزب الرئيس المؤقت السابق محمد المرزوقي توصيف ما حدث من تفجيرات و اغتيال قذر لأبناء المؤسسة العسكرية والأمنية بالإرهاب وتم نفى وجوده أصلا، و “نتفهم” لماذا تم إطلاق “أعيرة نارية” لفظية ضد كل من نادى بفتح تحقيق في ملف تسفير الإرهابيين إلى سوريا أو من طالب بكشف حقيقة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمى وكيف تكفلت منظومة الفيسبوك التابعة لحركة النهضة بتشويه النائبة ليلى الشتاوى لإبعادها عن رئاسة هذه اللجنة خاصة بعد زيارتها لسوريا رفقة وفد برلماني وما تحصلت عليه من معلومات مهمة حول شبكات التسفير.

اختراق جدار الصد الأول الرافض للتطبيع

“يشتغل” في هذه المواقع الإلكترونية مجموعة من الشخوص العامة التي تزعم أنها جزء من الثورات العربية، فالسيد حسن نافعة، الأكاديمي المصري المعروف، السيدة هالة مصطفى الصحفية بجريدة “الأهرام” التي عليها كثير من الشبهات، السيد مايكل منير رئيس الرابطة الأمريكية للأقباط، السيدة باربارة زوجة الناشط المعروف سعد الدين إبراهيم، السيدة سهام بن سدرين صاحبة راديو “كلمة” الذي باعته مؤخرا لرجل أعمال، السيد راشد الخيارى رئيس موقع “الصدى” و غيرهم كثير كما جاء في وثائق ويكيليكس لا يتلقون الدعم لإصدار مجلات للأطفال كما نظن بل أن هذا التمويل له أهداف واضحة هو بث موجات مغناطيسية من التشويش الذهني للعقول العربية “المتوسطة” حتى يسهل اختراق جدار الصد الأول الرافض للتطبيع وللعلاقات مع الصهيونية العالمية برموزها الثقافية، الاقتصادية، السياسية، وعندما يكون حجم التمويل الأمريكي شاملا لكل هذه الفسيفساء من العقول النافذة في كل ميادين الحياة العربية فمن المؤكد أن لهذه المؤامرة الأخطبوطية الماكرة خيوط خفية أخرى وأهداف تحققت وأخرى ما زالت بصدد التنفيذ .

نحن ندرك أن التمويل الغربي الصهيوني الخليجي ليس وليد أحداث الربيع العربي لغاية إحداث الفوضى والارتباك كما يظن البعض، التمويل الخليجي أسبق بكثير ويعود إلى زمن رئيس المخابرات الأمريكية السابق ادقار هوفر حين طالب السعودية بتمويل الإرهابيين لمواجهة ما سمي بالتمدد الشيوعي في أفغانستان لكنه تزايد منذ انهيار العراق وقبول السلطة الفلسطينية بالدخول في مفاوضات عبثية مع الكيان الصهيوني تحت عنوان قذر مشبوه اسمه “الأرض مقابل السلام”.

إفراغ الساحة العربية من القوات “الحية” القادرة على صنع المستقبل

وكما يصرف المال الخليجي في تركيز منظومة الإرهاب بكل ما تستلزم من عمليات مسح للذاكرة و تدريب و إيواء وتسليح وتسريب الجماعات إلى ساحات تنفيذ المشاريع الأمريكية الصهيونية كرافد لدور المخابرات الأجنبية التي أصبحت تؤدى أدوارها على المكشوف في أغلب البلدان العربية كما تؤكد النائبة ليلى الشتاوى بأن لجنة التحقيق في ملف تسفير الإرهابيين قد كشفت بعض التفاصيل المثيرة “عن أموال مشبوهة تلقتها جمعيات تونسية من قطر بلغت قيمة البعض منها 3 ملايين دينار، هذه المعاملات المالية تمت بعد شهر من بعث الجمعيات”.، فان التمويل الغربي الصهيوني يقوم بدور جذب ما يمكن جذبه وإغراؤه من العقول العربية في كل المجالات لإفراغ الساحة العربية من القوات “الحية” القادرة على صنع المستقبل العربي .

حتى لا يفهم البعض خطأ، فنحن لا نستهدف المواقع الالكترونية الجادة أو التي أصبحت منبرا شريفا لمن لا صوت له، فالفضاء الإفتراضي ملك مشاع بشرط أن يكون المطروح فيه من وجبات متنوعة ملتصق بالواقع العربي وليس جزءا من طبخة مسمومة غربية أو خليجية بات الجميع على علم بكونها خلطة صهيونية.

المستهدف من هذه المقال هي المواقع ذات العلاقة بالاستخبارات الأجنبية و بمشاريع نشر ثقافة الجهاد على الهوية والفوضى الأمريكية الخلاقة التي شاهدنا عينة معبرة منها في سجن أبو غريب العراقي.

المستهدف هو التمويل الأجنبي الذي يغرى العقول لتصبح معاول هدم تهدم المعبد العربي على الكل .

بطبيعة الحال مواجهة هذه “الحرب” الأمريكية الصهيونية الخليجية غير الكلاسيكية تتطلب إرادة رسمية عربية إضافة إلى حالة كبيرة من الوعي الثقافي لدى المثقفين ومؤسسات المجتمع المدني التي يمكن اعتبارها حائط الصد الأولى ضد كل محاولات صهينة الفكر العربي وجره إلى مربع الاستسلام والخيانة وبيع الأوطان.

من عيوب العرب إنهم لا يقرؤون كما تندر بذلك وزير الدفاع الصهيوني السابق موشى ديان وإن قرؤوا لا يدركون.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.