الرئيسية » حديث الجمعة: نبض البلاد في الشارع، لا في القصبة ولا قرطاج

حديث الجمعة: نبض البلاد في الشارع، لا في القصبة ولا قرطاج

 

بقلم فرحات عثمان

إنه لمن المغالطات الكبرى الاعتقاد أن الأمور الهامة بالبلاد تتم في قصر قرطاج أو بالقصبة؛ فمنذ الرابع عشر من جانفي 2011، نبض البلاد هو الشارع. ولئن لا يقع الانتباه إلى ذلك، لا حل يدوم في صالح الشعب رغم ادّعاء السعي لمصلحته.

هذا يعني أن الذي يمثّل البلاد اليوم، ولو كان ذلك نظريا، هو مجلس نواب الشعب؛ فهو الأقرب للتعبير عن هواجس الشعب وآماله، إذ عبره – منطقيا – تمرّ طموحاته وآمله. فإن لم يكن المجلس، فمن من شأنه القيام فعلا وفعليا بدوره؟

هذا ما فهمه، على ما يبدو، رئيس الحكومة يوسف الشاهد، فعبّر عنه بلهجة قويّة في خطابه الأخير الذي تصدّى فيه لمن يناور للإطاحة به. الثابت أنه انطلق من منطق صدقٍ باعتماد الشعب كشاهد على ما يفعل ويقول، بما أنه بيّن أن الشعب وخدمة طموحاته هو أساس السياسة التي يؤكد انتهاجها. فهل ينطبق ما يقتضيه هذا المنطق على الأقل حاليا وفي الظرف الراهن؟
المنظمة الشغيلة الأقرب لتمثيل الشعب:

المبدأ يبقى أن مجلس نواب الشعب هو المؤهل، قبل رئاسة الجمهورية والحكومة، لتقمص ما يطالب به الشعب من استحقاقات لم يحصل عليها بعد وقد تجاوزنا السنة السابعة من ثورته المزعومة. إلا أننا علمنا ما شاب العملية الانتخابية من نقائص جعلتها تجارة رخيصة بالأصوات لا تمثّل إلا أقلية من الشعب ومصالح الأحزاب الأكثر قوة.

لهذا، لا مجال إلا للقول أن الأقرب لتمثيل الشعب اليوم بتونس تبقى تلك المنظمة العريقة في المجتمع المدني والعمّالي خاصة، أي المنظمة الشغيلة التي تنتمي دوما لفكر فرحات حشاد رغم ما يشوب نضالها اليوم من هنات.
إنّها من مكوّنات المجتمع المدني الأفضل تعبيرا عن المطامح الشعبية، في ميدانها على الأقل.

وهي الأفضل للتصدّي لمطامع الخصوم في هذه الكوكبة من الأحزاب التي لا برامج لها سوى توظيف الآلية الديمقراطية لأغراضها الذاتية، خاصة حزبي التآلف الحاكم اليوم، ولمصالح رأس المال العالمي بتونس.

المنظمة الشغيلة كنواة لحزب سياسي:
إن فساد نظام الأحزاب الحالي بتونس وما تكتسيه طبيعة العمل النقابي للاتحاد العام التونسي للشغل في الوضع الحالي للبلاد ليقتضيان، عاجلا أو آجلا، أن تؤسس المنظمة حزبها العمّالي المستقلّ؛ إذ هي اليوم نواة له بأتم معنى الكلمة ولو بصفة غير رسمية.

هذا يحتّم طبعا إعادة تنظيم المنظمة حول أهداف سياسية واضحة، بعيدا عن اللخبطة القيمية التي تشوب أحيانا مواقفها في القضايا الحساسة نظرا للصفة الهجينة لعملها السياسي وتداخله مع مقتضيات النشاط النقابي المحض.
وإن إعادة التنظيم هذه تقتضي أيضا إبعاد كل من هو اليوم من الدخلاء على العمل النقابي، لا همّ له إلا توظيفه لأغراض سياسية لا تنفع لا المنظمة الشغيلة في حاضرها ولا الحزب الذي بإمكانه الانبثاق عن مبادئها في الدفاع عن حقوق المواطن التونسي الثابتة بصفته كما أراده فرحات حشاد الذي أحبّه: كامل الحقوق لتمام استحقاقه لها.

النهضة والنداء أحزاب قزمة شعبيا:
ولا شك أن تشكيل حزب سياسي ينبثق عن التموقع الحالي للمنظمة الشغيلة في قلب مشاغل المواطنة من شأنه تعرية بقية الأحزاب من وهمها الزائف في تمثيل التونسيين؛ فليست هي إلا الممثّل لأصحابها لا غير. وهذا ينسحب على الحزبين الأهمّين في البلاد، أي النهضة والنداء، إذ ليسا هما إلا مثل غيرهما من الأحزاب: أقزام شعبية.

فالنهضة لم تعد تمثل في شيء الإسلام الصحيح نظرا لفهمها السيء له، بما أنها تتاجر به لا غير؛ فإن ادّعت المرجعية الإسلامية، فذلك كذبا وبهتانا؛ ويسهّل لها ذلك الادعاء فراغ الساحة السياسية ممن يتكلّم عن الإسلام بلهجة منطقية هادئة ومتّزنه، لا تزمّت فيها ولا مغالاة، أيا كان نوعهما، مع الحفاظ على الطبيعة الثورية للإسلام.

وحدّث طبعا ولا حرج عن شبه الحزب المسمّى بالنداء، وقد بيّن حقيقة حاله رئيس الحكومة في آخر تصريحاته؛ فهو آلية للحكم لا غير، همّه خدمة مصالح أصحابه؛ وهو في هذا لا يبعد عن حزب النهضة مع نقص فاضح للخبرة في المناورة والحنكة في توظيف دعم رأس المال السياسي الغربي لخدمته باسم استتاب الأمر للرأسمالية المتوحشة بتونس بعد تحالفها مع إسلام النهضة المتزمّت الهجين.

مقتضيات الحال بالنسبة لرئاسة الحكومة:
انطلاقا من هذا التوصيف للوضع الحالي، كيف يمكن لرئاسة الحكومة الأخذ بنبض الشارع حتى تتقمّص حقا مشاغله، فتكون فعليّا مستقلة عن الأحزاب، طليقة من ربقتها، إذ هي مسؤولة عن أدائها لصالح الشعب لا لمصالح زعماء تلك الأحزاب. مع العلم أنه لئن يساند بعضها اليوم رئيس الحكومة، فذلك لمجرّد حساباتها بالنسبة لانتخابات السنة القادمة، التي هي همّ الجميع، لا شيء غيرها يهمّها.

في عجالة، إذ تحدثنا كثيرا عن مثل هذه المواضيع في مناسبات عدّة، المهم هنا هو اعتماد قرارات ذات بعد استراتيجي عميق، له الوقع العاجل على المتخىّل الشعبي لرمزيته، والآجل في نفس الوقت لحتميته. رأينا أن هذا يتمحور بالأساس حول العلاقات التونسية الأوربية وطبيعة التشريع العام بالبلاد.

بخصوص النقطة الأولى، لا يخفى على أحد أن الاتحاد الأوربي من الداعمين لبقاء يوسف الشاهد بمنصبه لتعهده بختم المفاوضات الحالية حول الاتفاق للتبادل الحر الشامل والمعمّق Aleca. فلئن كان من المتحتّم توقيع هذا الاتفاق، لا بد من أن تنضاب إليه حرية تنقّل البشر ليصبح حقيقة كاملا ومعمّقا؛ ويكون ذلك تقنيا بمجرّد المرور من Aleca إلى Alecca بإدخال تنقل العباد مع تنقل البضائع والمصالح. هذا ما تفرضه الأخلاق علاوة على القانون.

ويكون ذلك كخطوة أولى في نطاق مطلب تونسي للانضمام للاتحاد الأوربي يتم تحقيقة على مراحل؛ فلا خروج من الأزمة التونسية الحالية، وبالأخص الاقتصادية، إلا بالانضمام للاتحاد الأوروبي. فهذا الذي من شأنه تأهيل البلاد التونسية لا للمنافسة على كل المستويات للسوق الأوروبية فقط، بل وأيضا للمنظومة الغربية للحقوق والحريات.
ولا شك أن ذاك يسهّل العملية الأخلاقية الأخرى المتحتّم تحقيقها في أقرب الآجال بتونس، وهي المتمثّلة في الإصلاح التشريعي، وذلك قبل انتخابات 2019، خاصة إبطال القوانين المخزية للعهد البائد وعهد الاحتلال حالا. فليس من المعقول أن تواصل تونس تطبيق قوانين لا علاقة لها لا بالديمقراطية ولا بالفهم الصحيح للإسلام، إضافة إلى أنها تخرق الدستوز خرقا فاضحا. فعن أي دولة قانون نتكلّم والقانون الذي يطبّق غير قانوني؟

بهذا يكون رئيس الحكومة بحق الممثل للشعب التونسي، لا لمن يدّعي جزافا تمثيله؛ وبهذا يجس حقيقة نبض الشارع فيسعى لإعادة الصحة لشعبه المريض من قوانين البلاد الجائرة ومن نخبه التي لا تعمل على إصلاحها.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.