الرئيسية » بعد دبلجة “يوسف الصدّيق” هل المشكلة في الدارجة التونسية أم في المُتلقي..؟

بعد دبلجة “يوسف الصدّيق” هل المشكلة في الدارجة التونسية أم في المُتلقي..؟

من الجزائر عمار قردود 

بعد أن أثارت الجدل بعرضها المتكرر للمسلسل الإيراني الضخم و الشهير “يوسف الصدّيق” خلال شهر رمضان في السنوات الأخيرة،ها هي قناة “نسمة” التونسية تصنع الجدل مجددًا و لكن هذه المرة بإنفرادها بعرض مسلسل “يوسف الصدّيق” مرة أخرى ضمن شبكتها البرامجية شهر رمضان الجاري و ذلك باللهجة التونسية.

و قد بدأت قناة “نسمة” بثّها لحلقات من المسلسل الديني “يوسف الصدّيق” بالتزامن مع حلول شهر رمضان الفضيل مدبلجًا إلى العامية التونسية-يوميًا على الساعة 20:35 بتوقيت تونس-،و بحسب الأصداء الأولية فإن عرض مسلسل “يوسف الصدّيق” بالدارجة التونسية لم يلق تجاوب التونسيين و لم يُحظ بإستحسانهم،لأن نسخته التونسية كانت بعيدة كل البعد عن نسخته باللغة العربية الفصيحة.ربما المشكل في قيمة عمل الدبلجة.و بحسب ما جاء في الحلقة الأولى هو “عمل لا يرتقي لمستوى يحترم العمل الأصلي و لا يحترم الهوية التونسية. كلام جاف و رداءة لفظية و هذا ينسحب على أعمال أخرى خاصة أن مسلسل البارحة يحتاج لخطاب معين بغض النظر عن اللهجة”.

هل المشكلة تعود إلى الدارجة التونسية أم إلى المُتلقي الذي تعوّد الإستمتاع بمشاهدة المسلسلات و الأفلام الدينية بلغة عربية فصحى و قُحّة؟
لكن السؤال المطروح بقوة هو: هل المشكلة في دبلجة مسلسل “يوسف الصدّيق” إلى اللهجة التونسية تعود إلى الدارجة التونسية أم إلى المُتلقي الذي تعوّد الإستمتاع بمشاهدة المسلسلات و الأفلام الدينية بلغة عربية فصحى و قُحّة؟ أم إلى القائمين على الدبلجة؟

يقول بعض رواد “السوشيال ميديا” التونسيين أنهم لم يستطيعوا تقبّل مشاهدة مسلسل “يوسف الصدّيق”-و الذي سبق لهم مشاهدته عدة مرات خاصة على قناة “نسمة” التونسية الخاصة-باللهجة التونسية و أنهم أحسوّا بنوع من عدم الراحة النفسية و هم يتابعون مجريات أحداث المسلسل و أبطاله يتحدثون بالدارجة التونسية،و أن “يوسف الصدّيق” في نسحته العربية كان أفضل و أكثر شوقًا و متعة و هذا لا يعني طعنهم في اللهجة التونسية أو أنها غير مفهومة و لكن -ربما-هو تعودهم -ليس إلا- على مشاهدة المسلسلات و الأفلام الدينية باللغة العربية الفصحى و تحججوا بذلك بتخيّل مشاهدة المسلسل الكوميدي التونسي الشهير “نسيبتي لعزيزة”-الذي يُعرض جزءه الثامن خلال رمضان الجاري على قناة “نسمة”-باللغة العربية الفصحى…الأكيد أنه سيفقد الكثير من بريقه و متعته و خصوصيته و هي اللهجة التونسية.

و نشير إلى أن عدة قنوات تلفزيونية تونسية أقدمت في الآونة الأخيرة على دبلجة أفلام و مسلسلات أجنبية خاصة التركية منها باللهجة التونسية و عرضتها على مشاهديها و لقيت تجاوبًا كبيرًاو حُظيت بنسب مشاهدة عالية،لكن الأمر كان غير كذلك مع مسلسل “يوسف الصدّيق” ربما لأنه يروي أحداث دينية ذكرها القرآن الكريم الذي هو عربي وفقًا لما جاء في الذكر الحكيم “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ “.

لكن نشطاء فايسبوكيين آخرين ثمّنوا خطوة إدارة قناة “نسمة” بإقدامها على دبلجة “يوسف الصدّيق” بالدارجة التونسية و أبدوا تأييدهم المطلق للفكرة التي تهدف-حسبهم- إلى تقريب محتوى البرامج إلى المشاهد.و ساندوا فكرة دبلجة المسلسلات التاريخية والدينية إلى اللهجة العامية، مشيرين إلى أن “الكتب المقدسة” تمت ترجمتها إلى جميع اللغات.
فيما ذهب البعض الآخر أبعد من ذلك و عبّروا عن سخريتهم و تهكمهم من خطوة قناة “نسمة” التي أساءت بذلك إلى الدارجة التونسية أكثر مما ساهمت في ترقيتها و المحافظة عليها و تدويلها أو عولمتها.

الدارجة التونسية مليئة بالمفردات المعجمية
يقول أستاذ اللسانيّات بجامعة السانية بوهران لـــ”أنباء تونس”:” اللهجة المحلية التونسية على الرغم من قربها من العربية فإنها تتضمن كلمات غريبة تختلف عن مفردات اللهجة في المشرق العربي وحتى في المغرب العربي”.
و قال موضحًا:”تبدو اللهجة التونسية مختلفة عن اللهجة في المغرب والجزائر، وتزداد اختلافًا بمقارنتها مع لغة المشرق، ذلك أنها مليئة بمفردات إما معجمية تحيل للماضي البعيد أو مفردات لها جذور حضارية”.

و إستطرد قائلاً:”وتتميز الدارجة التونسية بمفردات غريبة لارتباطها بمصادر لسانية وعائلات لغوية عديدة غير مألوفة لا من حيث اللهجة فقط وإنما أيضا على مستوى المعجم”.

و أعزا سبب هذا الاختلاف إلى تباين المصادر اللسانية والجذور اللغوية معجميًا كحضور الأصل البربري الأمازيغي والأندلسي الإسباني واللاتيني الجرماني والبونيقي في بلاد المغرب وغيابها في المشرق شديد الصلة بالعربية الفصحى، والمتأثر أيضا بالأصول التركية والإغريقية والأرمينية”.

وتشرف في تونس مصلحة الخدمات القانونية التابعة للحكومة على التعريب السليم للمصطلحات المستعملة من أجل تبسيطها، وتولي الدولة التونسية اهتمامًا كبيرًا بتعريب المصطلحات وفق خصوصيات البلاد التي نص دستورها على الاستلهام من حضارتها العربية والإسلامية.

تاريخ اللهجة التونسية
الدارجة التونسية أو العربية التونسية أو التونسية، هي إحدى لهجات الدارجة المغاربيّة المحكيّة في تونس. يُطلق عليها متحدثوها الـ11 مليونا تسمية دَارْجَة لتمييزها عن العربية الفصحى، اللغة الرسمية للبلاد. كما يطلقون عليها أيضا تسمية تُونْسِي.
تستعمل اللهجة التونسية في كامل أرجاء القطر التونسي مع اختلافات من جهة إلى أخرى. تتشابه اللهجة التونسية مع لهجة شرق الجزائر وغرب ليبيا وجزيرة مالطا. وكذلك لهجة جنوب تونس تتشابه مع لهجة شمال وسط الجزائر وغربها وشمال المغرب. يستطيع التونسي من خلال لهجته التواصل مع الليبي ومع الجزائري أو المغربي من دون إضطراره بالتكلم باللهجة الجزائرية أو المغربية وذلك لقرب هذه اللهجات من بعضها البعض وكون الاختلافات بسيطة نوعا ما. و من مميزات اللهجة التونسية عن أكثر بقية اللهجات العربية هو نطقها الصحيح والسليم لأغلب الحروف العربية الثمانية والعشرون (بإستثناء بعض اللهجات الجهوية).
و الدارجة أو اللهجة العامية التونسية هي لهجة مبنية (substrata) على اللكنة المحلية اللغة الأمازيغية (الأمازيغية) جلّها مفردات عربية كما تأثّرت بالفرنسية والإيطالية ولغات أخرى قديمة وحديثة (تركية، أندلسية، وغيرها).

تختلف درجة الإعتماد على الكلمات الغير الأمازيغية من منطقة إلى أخرى، ففي المناطق الداخلية أو الريفية تغلب على لهجتهم العبارات ذات الأصول الأمازيغية بالإضافة إلى أن سكان الريف لا ينطقون حرف الهمزة أبدا. على عكس سكان السواحل والعاصمة الذين تراجعت الكلمات الأمازيغية المستخدمة لكن بقيت قواعدها النحوية والصرفية واضحة، بالإضافة إلى استعمالهم لكلمات كثيرة فرنسية وتركية وإيطالية وإسبانية وحديثا إنجليزية لتعويض الكلمات والتعابير المنقوصة. وبسبب هذا الإستيراد الضخم للكلمات الأجنبية ابتعدت اللهجة التونسية كثيرا عن العربية الفصحى، حتى أصبح يعتبرها اللغويون لغة بحد ذاتها، مثلها مثل باقي لغات شمال إفريقيا والمالطية.

ومعجم التونسيين أي مجموع ألفاظهم ثري ومتنوع، وتعبر الدارجة التونسية عن كل شؤون الحياة اليومية، وتستخدم في البرامج الإعلامية، إلا أنها لا تستخدم في التدريس إطلاقا، بل إن مثقفيهم ومعلميهم يعتبرون استخدامها في التدريس جناية كبيرة على اللغة والثقافة والتربية.

تتميز اللهجة التونسية بتنوعها واختلافها من منطقة إلى أخرى ويمكن التمييز بين لهجة المدن ولهجة الريف. من لهجاتها المحلية.
-لهجة الشمال الشرقي التي تضم تونس الكبرى وولايات بنزرت ونابل.
-لهجة الساحل التي تضم ولايات سوسة والمنستير والمهدية التي تتميز بنطق “آنِي” للدلاله على ضمير المتكلم المفرد أَنَا
-لهجة الجنوب الغربي المتميزة بطغيان العربية الفصحى في الكلام فكانت بذلك منبع أهم شعراء تونس مثل أبو القاسم الشابي
-لهجة الشمال الغربي التونسي وهي قريبة من لهجة شرق و وسط و شمال الجزائر, تنطق هذه اللهجة في ولايات باجة و الكاف و جندوبة و سليانة و القصرين و أجزاء من ولايات بنزرت و زغوان و القيروان, يعوض ضمير المتكلّم “أنا” في هذه اللهجة إما من خلال “ناي” أو “نا” أو “نايا”, كما يستخدم حرف الفاء المثلثة “ڤ” عوض حرف القاف “ق” في بعض الكلمات, و زيادة على هذا فإنه يتم تأنيث المؤنث على عكس بعض اللهجات التونسية الأخرى -لهجة الشمال الشرقي إلا في مدينة باجة حيث يتم تذكير المؤنث.
– لهجة جنوب شرق تونس وهي قريبة نوعا ما من لهجة غرب ليبيا.
-لهجة صفاقس التي تضم صفاقس وما حولها(في صفاقس توجد أكثر من لهجة. فسكّان المدينة ومحيطها القريب يتكلّمون لهجة تختلف عن لهجة سكّان الأرياف. ويتمثّل الاختلاف في استبدال حروف بحروف أخرى. مثل القاف. في الريق تنطق “ڨ” وكذلك في الشّكل. في المدينة يقولون: بَيْت وزَيْت.. في الريف يقولون: بِيت وزِيت… وهناك فروق أخرى مثل كسر أوائل الكلمات في المدينة: سِكّر وضمّها في الريف: سُكّ). التي تتميز بمرونتها وسلاستها وسرعة النطق فيها مع استعمال كبير للفرنسية مثل بقية مناطق الساحل (لهجة جزر قرقنة اللتابعة لولاية صفاقس تتميز بكونها قريبة لدرجة كبيرة للغة المالطية).و ورغم ذلك فداخل كل لهجة محلية هناك فوارق طفيفة بين كل مدينة وكل منطقة وخصوصًا بين الريف والمدينة.

في الدارجة التونسية ألفاظ كثيرة من اللغة التحتية أي لغة المنشأ وهي الأمازيغية التي كانت لغة البلاد عند فتح القبائل العربية لشمال إفريقيا.لكن الدارجة التونسية تتضمن أيضا ألفاظًا يونانية وفارسية دخلت عن طريق العربية الفصحى فيما يبدو، وألفاظا لاتينية عديدة لأن الرومان حكموا تونس قرابة سبعة قرون إثر العهد الفينيقي الذي ترك هو أيضا بعض آثاره اللغوية في دارجة التونسيين.

وفي الدارجة التونسية ألفاظ تركية دالة على مآكل وملابس وأدوات ورتب إدارية مثالها: “الكاهية” بمعنى النائب مثل قولهم: كاهية المدير أي نائبه، وألفاظ إيطالية دالة على الاثاث والمآكل والملابس والمراكب وما شابهها مثل “كُوفِيرْتَا” أي الغطاء و”كَرِّيطَا” أي العربة المجرورة بالحصان و”كُومِيدِينُو” أي خزانة صغيرة وّتْرِيلْيَا” وهو سمك سلطان إبراهيم و”سُوبْيَا” أي سمك الحبار، وأخرى فرنسية وهي كثيرة جدا في مجالات كثيرة،

ومنها ما ترجم من أصله الفرنسي إلى العربية، كقولهم “شاهية طيبة” التي تعد ترجمة للعبارة الفرنسية “bon appétit”. وبالإضافة إلى ذلك، نجد في الدارجة التونسية ألفاظاً إسبانية، مثل “صَبّاط” أي حذاء و”دُورُو” أي 5 مليمات، وهي من آثار الاتصال المستمر بين إسبانيا وتونس، ولا نستطيع أن نفهم سبب وجود هذه الألفاظ الأجنبية الأصل إلا إذا رجعنا إلى التاريخ وعرفنا مختلف الحضارات والمراحل التاريخية في تونس.

أن الدّارجة التونسية مرآة لتاريخ تونس المتنوع، وصورة لمختلف المؤثرات والحضارات التي عرفتها البلاد من فينيقية ورومانية وبيزنطية وعثمانية وفرنسية. إلا أن قواعدها النحوية تبقى أمازيغية بالأساس مع تأثير كبير للعربية، وبذلك فإن الدارجة التونسية دارجة تلتقي فيها حضارات إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط لتكوّن لغة مميزة. ولكن، ما فيها ما تنوع لا ينفي علاقتها بالأمازيغية (لغة المنشأ) والعربية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.