الرئيسية » التحاليل للظروف الحالية و الراهنة … و الآليات الكفيلة بحلها

التحاليل للظروف الحالية و الراهنة … و الآليات الكفيلة بحلها

 

بقلم  القاضي الشاذلي خليل

 

انّه وبانتهاء الانتخابات، تمّ تنصيب المجلس التأسيسي، وقد قيل ما قيل في هذا الشأن ، واختلفت ردود الفعل ووصل الحدّ إلى التباين وحتى التصّادم، وكثرت الإضرابات والاعتصامات والتجاذبات والنّقاشات والتعليقات والمهاترات والآراء، ورغم استجابته لنداء المشاركة المكثفة في عملية الاقتراع والاصداع بصوته في شكل “تصويت عقاب”.

فقد بقي الشعب التونسي ينتظر الحلول الناجعة لاستحقاقاته الملّحة والمتأكدة والحياتية،تلك الحلول التي لم تأت ولن تأتي ،لانشغال أصحاب القرار في توزيع المناصب بينهم ،في خصوص الوزارات السيادية وغيرها، في جوّ من الريبة والشك بينهم…وعدم الثقة، حتى في إطار التحالفات التي خططوا لها قبل الانتخابات…وخضوعهم ورذوخهم لأمر تلك التحالفات وأسبابها ومسببتها، وتناسوا مبادئهم وأهدافهم وشعاراتهم في سبيل ذلك المسار، الذي يهدف إلى الاستلاء أولا : وقبل كلّ شيء على السلطة بالبلاد، ثمّ وثانيا:تكريس ممارسات المماطلة وربح الوقت وتنظيم الصفوف للإقبال على مراحل أخرى لا يعلمها إلاّ الله تعالى…
ومهما يكن من أمر فان الشعب الذي أوصل هؤلاء إلى الحكم بأي تعلّة كانت أو نوايا، سيظلّ مهمشا و لا يلعب أي دور مهما كان نوعه في تلك الحسابات ،وستظل استحقاقاته الملّحة منها وغير الملّحة مؤجلة إلى تاريخ غير مسمّى…، ونحن مرشحون للمرور وقضاء فترة انتقالية رابعة حتى أجل الانتهاء من تحرير الدستور المرتقب…،وهي فترة لا تخلو من الحساسية والرهانات الجدّ خطيرة، بحكم تلك التجاذبات والمهاترات والجدال الذي لا ينتهي ولا ينقطع…، وظلّت الساحة السياسية تشاهد غليانا لا مثيل له كالبركان الذي ينتظر الانفجار في أي لحظة…، وتلك حقيقة مريرة وقاتمة ستمرّ بردهاتها بلادنا، والحال أن كلّ المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية ما انفكت تشهد في حدّ ذاتها هبوطا وانخفاضا خطيرا ومخيفا…، من جرّاء مفعول أزمات متتالية ومتلاحقة، والسوّاد الأعظم من المجتمع التونسي لا يزال يغطّ في نوم عميق وسبات مليء بالكوابيس والأحلام المزعجة والمفزعة والقلق المستمر،فالأوضاع لم تستقر بعد على جميع المستويات وبكلّ القطاعات والميادين، ونحن نعيش يوميا قلقا اجتماعيا وقلقا سياسيا وقلقا اقتصاديا متزايدا…، وقد وصل بنا الحدّ إلى الشكّ في ضمان قوتنا اليومي…، وقدرتنا الشّرائية في خضّم تفاقم الأسعار وغلاء المعيشة، بصفة مذهلة ورهيبة، كلّ ذلك من جرّاء تدني الإنتاج والإنتاجية، على مستوى كلّ القطاعات الاقتصادية في البلاد…
و ها نحن نمرّ بمرحلة انعقاد المجلس التأسيسي ،فأين الذين كانوا ينادون بأهميّة هذه المرحلة في برنامجهم الخاص والمكرّس لما يسمّى “بمرحلة الانتقال الديمقراطي” ، ألائك الذّين كانوا بالأمس القريب، يحتكرون الجدل و الظهور بشتى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ، وحتى على صفحات الجرائد السّيارة والمجلات ومختلف وسائل مجتمع المعلومات،ناشرين نظرياتهم وتوجّهاتهم وآرائهم ورؤاهم وتصّوراتهم…ومدافعين بكلّ شدّة وحزم عن مذاهبهم وأفكارهم و اديولوجياتهم المختلفة…، ومتقمصين بكلّ حماسة وثقة في النفس، لأدوار ومهمّات ومسؤوليات الاقتناع والمقارعة بالحجّة والبرهان والدّليل …، فأين هم اليوم؟…، وبعد أن آلت الأمور إليه حاليا، وكشفت عن حقيقة مخالفة تماما عن تلك التصّورات والرّؤى والفرضيات أصلا…، حقيقة تتسم بالضبابية وعدم الوضوح ومكرّسة لمزيد المخاوف والمخاطر حول مصير تونسنا الحاضر والمستقبلي…، وهذا أمر واقع لا أحد ينكره أو ينفيه، حقيقة تصل إلى حدّ طعم المرارة والامتعاض والقلق على جميع الأصعدة، وقد طالت كل الفئات والشرائح الاجتماعية، وانتهى التفكير بالجميع إلى التأسف على الماضي والشكّ في جدوى الثورة أصلا، وما كان يؤمل منها حقيقة وواقعا و وحتى فائدة وجدوى….
وهكذا يجرّنا التأمّل والتفكير إلى هل أنه كان من المؤمل من القيام بهذه الثورات بالوطن العربي، أو ما يعرف بربيع الثورات العربية، تكريس لنظام أو أنظمة ذات طابع إسلامي بالأساس؟، أو انه تكريس لمرحلة تعتلي فيها تلك التنظيمات الإسلامية سدّة الحكم، بقصد تنظيف السّاحة السّياسية، ثمّ لتتلوها مرحلة البناء والتشييد الحقيقي لتلك المجتمعات العربية، بعد القضاء بأي شكل من الأشكال على تلك التنظيمات بأي تعلّة كانت؟، لعمرنا هذا هو التحليل الصحيح والنتيجة التأملية الصّائبة في نظرنا، وهذا عين ما انتهى إليه الغرب والقوى المؤلفة له والفاعلة فيه من استراتيجيات تكرّس وتهدف كلّها إلى التحكّم في البلدان العربية وحتى الإسلامية وأسبابها لصهرها في بوتقة حساباته وبرامجه وسياساته ومصالحه ومنافعه،

حاضرا ومستقبلا أي على المدى البعيد، وبالتالي الأجيال المقبلة،وهذا مصير فضلا عن كونه لا يخلو من خطورة، فهو مخيف ومقلق، وخير دليل على ذلك التعامل الذي بصدد ممارسته الغرب مع الثورة بتونس ومصر وليبيا وحتى باليمن وسوريا…وان هذا المخطط سيطال بلدانا عربية وإسلامية أخرى، سيكشف المستقبل عن كنهها وهويتها…،وهي بالتالي مرشحة لنفس المصير مستقبلا، وتلك إرادة الغرب ولا حول لتلك الدول ولا قوّة فيها، فقد جندّ الغرب لكسب معركته هذه، طابورا من العملاء والمرتزقة والمتواطئين والخونة والجواسيس، من أبناء تلك البلدان، فهو لا يحتاج بأي حال من الأحوال، إلى تجنيد واستنفار واستعمال وحشد أبنائه، للظفر وإنجاح تلك المعركة، فقد سبق منه أن درّب وكوّن وأهّل وروّد من كان يقيم بين ظهرانيه و بأديمه من العرب والإسلاميين لخوضها والظفر بها،

لشديد وثوقه بانتماءاتهم إليه وولائهم له واعترافهم بجمائله نحوهم، بشتى الصور والأشكال والنعم والفوائد، وقد آن الأوان لهؤلاء للإعراب لأسيادهم بذلك الفضل في شكل فتح أبواب أوطانهم وبلدانهم له، وتكريس وتنفيذ أجنداته السياسية والاقتصادية والاجتماعية…،تحت شتى الأغطية ومهما كانت أشكالها وأنواعها (تقدمي،ثوري،اشتراكي، شيوعي، ناصري، بعثي، متطرف يساري أو وسطي ديمقراطي ،عدالة تنمية،مساواة، حرية، إسلامي، متطرف، سلفي…)، تلك الشعارات التي ألفنا رفعها في الآونة الأخيرة، وبعد خلط الأوراق كلّها وأخذ كلّ طرف من تلك الأطراف والأطياف والألوان حظه فيما سمي جدلا “باللعبة السياسية”، تم التلويح بعد استقرار التفكير وتلك الإستراتيجية، بضرورة مرور الشعب التونسي بفترة الإسلاميين، لتنتهي اللعبة، وعلى الأقل هذا الشوط وتلك المرحلة والحلقة من السلسلة التي أحكم الغرب شدّها كطوق على عنق هذه الشعوب العربية الإسلامية، بالقضاء النهائي والتّام على تلك الأنظمة الإسلامية، بعد انكشاف فشلها الذرّيع في مخططاتها وبرامجها، بعد تجديد انتفاضة شعوبها عليها من جديد ويستمرّ السيناريو مجددا، وهكذا دواليك…،وهل من جديد؟ أو من بديل؟.
ولذلك كان من الضروري تواجد صحوة جديّة وجادة لشعوب تلك البلدان، للأخذ بنفسها بزمام مبادرتها ومصيرها وبأسباب حياتها واستمراريتها وديمومتها،في شكل تشكيل جبهة تضمّ مثقفيها من ذوي النوايا الصّادقة والوطنية الحقة، ومن ذوي الكفاءات الفكرية والمعرفية والعلمية، تؤسس إلى وضع استراتيجيات حقيقة لإنقاذ تلك الشعوب من الهجمة التي تعرضت لها من الداخل والخارج، منذ انطلاق ثوراتها المباركة، ثورات رفعت بالأمس القريب، شعارات “الكرامة” و”الحرية” و”الديمقراطية” و”التوازن الجهوي” و”العدالة الاجتماعية” …، وغيرها من الشعارات التي تنطوي على الاستحقاقات الشعبية الحقيقة، بعيدا عن تلك السيناريوهات المفبركة التي ألفناها منذ قيام الثورة إلى يومنا هذا…، والجوفاء في مضمونها ،والتي أريد من وراء التلويح بها تكريسا لتلك الأجندا الملونة بألوان براقة وزاهية ومغرية، والحال أنّها تنطوي على مرارة الحنظل وسموم الأفاعي القاتلة، وعلى ألغام ومتفجرات مختلفة ألوانها ومخاطرها ومضارها وأضرارها وعواقبها، والمخجل من كلّ ذلك أن تكون مستجلبة من أبناء البلد، الذين كانوا بالأمس يعيشون ويتمعشون في تلابيب أسيادهم وذوي نعتهم، وتصدّروا السّاحة السّياسية وقد تلّبسوا بأغطية ظاهرها براءة ووداعة ووطنية وتضحية،وباطنها سمّ زعاف ومصائب ومتاعب واستعمار واستغلال واستعباد واضطهاد وقهر وعبودية وتخلف وتكريس لعصور من الظلام الدّامس، وهدم للحضارة والمدنية والحداثة والمعاصرة والحرية والديمقراطية والخلق والابتكار والإبداع بشتى أشكاله وألوانه…
هذا وقد سبق أن أشرنا وبمناسبة مداخلاتنا السابقة، إلى البعض من هذه التحاليل ،التي لاقت رواجا وأصداءا طيبة لدى بعض المتعاطفين معها، كما لوحنا ببعض الحلول للمعضلات التي تردّت فيها بلادنا وخاصة في الآونة الراهنة، ولا بأس أن نسوق البعض من الحلول لتلك المعضلات السّابق الإشارة إليها، وفي اعتقادنا أنّها الحلول المجدية والفاعلة والصحيحة، لتصحيح المسار الحالي والانطلاق إلى التغير الكليّ لما تشهده بلادنا من قلق وعدم وضوح الرؤيا في شتى المجالات وعلى مستوي كلّ الشرائح الاجتماعية دون استثناء.
هذا وان الحلول كثيرة ولنا أن نسوق البعض منها لأنّه يعسرفي الوقت الحاضر الإتيان عليها كلّها لعدّة اعتبارات، منها أن الوقت الحالي غير مناسب، وأن تلك الحلول وعلى الأقلّ بعضها يتطلب أرضية تتسم بتوفر جوّ من الحرية والديمقراطية، الأمر غير متوفر حاليا، بالنظر إلى ما آلت إليه الأوضاع والأحداث في الوقت الرّاهن، ولكون البعض منها سابق لأوانه،وغير حرّي بالا صداع به لأسباب يطول شرحها…
ومهما يكن من أمر فإننا سنقترح عليكم البعض من تلك الحلول التي تصبّ في مجملها إلى التأسيس للخروج من الأزمة الحالية أو من حالة الشكّ والريبة التي تسود كلّ الأوساط في البلاد حاليا بمفعول ما آلت إليه الأحداث الراهنة،و التي كنّا بصدد تقديم تحليل جدّي وواقعي لها.
الحـــلّ الأول
أن يتم استقطاب المثقفين على اختلاف اختصاصاتهم ومشاربهم ورجالات الفكر على اختلاف شرائحهم في شكل هيكل أو منتدى، بعد إحكام هذا الاستقطاب ودون إقصاء، يعني بوضع الاستراتيجيات والبرامج والسياسات علي المدايين القصير والبعيد في كل المجالات الحياتية والحيوية للبلاد، مع إعطائها الأولوية للجانب التنفيذي والتطبيقي بعيدا على الاقتصار على طرقها نظريا فحسب، كالنظر في توفير كل العوامل التي ستحقق نجاحها والانتفاع بثمارها في القريب العاجل خاصّة، وسيتولى هذا الهيكل أو المنتدى وضع نصب أهم اهتماماته الملّحة القضاء على الفقر والبطالة من خلال مشاريع تكرّس لتلك الغاية وذلك الهدف، ذلك أن شبابنا وكثير من الشرائح العمرية من المجتمع التونسي يعانون البطالة منذ سنوات عديدة ومنهم خاصّة ما عرفوا و يعرفون بالمعطلين عن العمل أصحاب الشهادات العليا والذّين يعدّون بالآلاف، حسب عديد الإحصائيات، كما يعاني السّواد الأعظم من مجتمعنا من تفشي ظاهرة الفقر، التي استفلحت بدورها بصفة سريعة وغريبة، وكان حريّ بساستنا أن يولوا تلك الظاهرة أولوية اهتماماتهم، حتى لا تصل نسبها على ما هي عليه حاليا، هاتين الظاهرتين أسستا إلى قيام هذه الثورة المباركة، ثورة الكرامة والطوق إلى الحياة الأفضل وبالتالي فرحة الحياة.
هذا وينبغي أن يكون هذا الهيكل الاستراتيجي بعيدا عن المهاترات السّياسية وما تشهده ساحتها من مدّ وجزر على جميع النطاقات، وحتى يتسّم عمله بكامل الجدّية والواقعية والمصداقية الواجب توفرها في طرق طرقه ووضعه للمشاريع ومعالجتها بالحلول المناسبة، والتي ستجنب البلاد من الدّخول تحت وطئة الأطماع الخارجية والأجنبية، مهما كان مصدرها أو مأتاها، ولاعتقادنا الراسخ بأن السلط السّياسية سوف لن تعالج هاتين الظاهرتين بالقدر الكافي والنّاجع والمجدي، والحال أن شعبنا في أمسّ الحاجة للتخلصّ منهما في أقرب وقت ممكن، ولكونه ما فتئ يعاني منهما لسنوات وسنوات، وحتى منذ استقلاله من ربقة الاستعمار، وقد شكلا بالأساس من بين طموحاته الأكيدة والمتأكدة منذ تلك الفترة، غير أن حكّام البلاد والعباد قد أسسّوا لمسار يتعارض وتلك الطّموحات الشّعبية أصلا،وانصرف تفكيرهم وجهدهم إلى ما أملاه عليهم أسيادهم وأولياء نعمتهم.

 

الحلّ الثاني:
لقد كثر الحديث حول بطء “العدالة الانتقالية” وبعض الممارسات الغريبة التي تعاطى بها بعض قضاتنا مع بعض ملفات الفساد… كالمواقف الاجتهادية المستهجنة، في خصوص قرارات الإيقاف والسّراح لبعض رموز الفساد…التي ظهرت بين الفينة والأخرى…كلّ ذلك ما كان ليحصل أن نحن أسسنا بصفة جدّية وعاملة وحقيقية لرسم مسار تلك العدالة الانتقالية دون تدخل في مهام واختصاصات ومشمولات السلطة القضائية تلك السلطة الثالثة ولا”ثالثة” التي نريدها فعلا أن تكون مستقلة تمام الاستقلالية وحسب ما نريده لها، فقضاتنا ذو كفاءة عالية من المعرفة القانونية والخبرة المتناهية في ممارسة العمل القضائي بشتى اختصاصاته وفروعه، وقد عان هذا الجهاز من تدخل النظام السابق فيه…، لا يتيحنا هذا المجال لمزيد الطرح في خصوص هذه السلطة وما كنّا أعدناه لها في برنامجنا السّياسي المقبل…ولذلك نكتفي بالحديث فيما يخصّ ما تتطلبه حقيقة “العدالة الانتقالية” تلك العدالة التي تتطلب أولاّ التمسّك بإجراء المؤاخذة والمحاسبة قبل ما يلوّح به “بالمصالحة وطيّ صفحة الماضي بما فيها” من طرف دعاة مأجورين لعبو أدوارهم مع النظام السابق ولا يزالون،والحق يقال، يحلمون برجوعه مجددا على السّاحة، ويساهمون بصفة جديّة في هذا المسار وتكريسه بصفة متواصلة ودائمة، فالعدالة الانتقالية تتطلب إعداد جهاز يخصّها ولتحقيقها، وقد اقترحت في بعض مداخلاتي السابقة، اختيار بعض من السّادة القضاة حسب ما تتطلبه قضايا الفساد من نوعية الجرائم الخاصة بها…وتوفير كلّ الإمكانيات اللّوجستية لهم من معدات ضرورية وكتبة… كتوفير مبنى لهم مع الحراسة المشدّدة، كتوفير سجن خاص بإحدى الثكنات العسكرية،في حين تهيئ ثكنة ثانية تقام بها قاعات المحاكمة ويمكن الجمهور من متابعة تلك المحاكمات، كما تتولى وسائل الإعلام المختلفة من نقل تلك المحاكمات بصفة علنية مع تناول تلك المحاكمات من طرف الصحافة بالشرح والتعليق المستفيض…على أن لا يستثني أي كان ينتمي للنظام السابق من تلك الأبحاث والمحاكمات…مهما كانت درجة انتمائه له، كتفعيل كل الإجراءات الخاصّة بالبطاقات القضائية الدّولية، ويؤسس بوزارات العدل والخارجية والدّاخلية أجهزة تعمل بالتنسيق بينما توكل لها تلك مهمة المتابعة.
وبذلك يأخذ هذا الملف منطلقه الحقيقي ويكون بمعزل عن التدخّل ذي الطابع السّياسي أو غيره… وقد ركزنا من جهتنا عن هذا المعطى لا لشيء إلا لكونه يندرج بالأساس ضمن الاستحقاقات الشعبية الراهنة، تلك الاستحقاقات التي غيّبت أو أريد تغيبها من طرف الكثيرين… لأسباب يعلمها إلا الله تعالى، وبهذه الطريقة نكون قد جنبنا قضاءنا عديد التساؤلات والمساءلات مهما كان نوعها ومصدرها ومحتواها، فمن خلال العدالة الانتقالية سيتمكن الشعب من محاسبة غاصبية وقاهرية وظالمية وسرّاقه ومعذبيّة و سالبي حرّياته و مغيّبي حرّياته و مجوّعيه و مفلسيه و مستغليه و قاتلي أبنائه، من القصاص منهم كما سيتمكّن شعبنا من استرجاع أمواله و ممتلكاته المسلوبة و المنهوبة و المستولى عليها و المبدّدة جزافا و في ما لا يعني و الملاذ و الشهوات ….. بأسرع وقت ممكن و بكلّ ثقة و ضمان على أن تتوفّر فيما ستوكل له هذه المهمّة الشّاقّة و الصعبة في آن واحد ؛ شروطا محدّدة وواضحة كالكفاءة و المصداقية و الوطنيّة و الشفافية و نظافة اليد و عدم لعب أيّ دور مع النّظام السابق و انّه و دون هذا الحلّ الذي نرى أنّه المناسب و الأنجع، سوف لن يرى هذا الملف النجاح المرتقب فيه، لتدخل عديد الأطراف منه بقصد تمييعه و تغييبه و تلاشيه وتناسيه و تجاهله لأنّه لو كان التعامل معه بصفة جادّة، مع مراعاة ما يخدم حقيقة هذا الوطن و هذا الشعب، لسيأتي على الأخضر واليابس من النظام السابق و بذلك يتمّ اجتثاثه نهائيّا، و لن تشهد بلادنا مستقبلا أيّ توتّرات أو قلاقل التي بصدد إعدادها و التخطيط لها و تنفيذها، من حين لآخر من طرف أبنائه و أزلامه و معاونيه، الراتعين بكلّ حرّيّة على السّاحة حاليّا بتعاون ممّن يزالون في السّلطة الحاليّة و تلك طامة أخرى و جب الاعتناء بتنظيفها لاحقا.
الحل الثالث
العمل على الإسراع بتنقية الأجواء على السّاحة السياسية، وذلك بالحيلولة دون استفحال نطاق الخلافات والتجاذبات، والعمل على التأسيس لأرضية وفاق وتقريب وجهات النظر بين كلّ الأطراف المتخالفة وحتى المتنافرة في نطاق وحدة وطنية متكاملة ومتراصّة الصفوف والمعالم والملامح والرؤى والتوجهات والاختيارات مع تغليب مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبار وما ينفع تونس فوق كل الحساسيات والأهواء والشهوات والاعتبارات الضيّقة والفردية والشخصيّة والجهوية والعشائرية، ولا يتسنى كلّ ذلك إلا بتغلّب العقل على العاطفة، والأهم على المهمّ، والرّوح الوطنية على التبعية، والمصلحة العامة على المصلحة الفردية والخاصة والاستحقاقات الشعبية على الاستحقاقات الجزبية، والتوجهات المصيرية الوطنية على تكريس المطامع الأجنبية والخارجية في كنف الحرية والديمقراطية والعمل على استقرار السّياسي واحترام الدستور والقوانين المنظمة للحياة السياسية عامة والتطلعات الشعبية والإخلاص لهذا الوطن المفدى والذود على حياض هذا الوطن الغالي والنفيس والأنفس والأرواح.
الحلّ الرابع
العمل على تحفيز القوى العاملة والتشغيل على مزيد البذل والعطاء والإنتاج والإنتاجية بشتى القطاعات الاقتصادية و العمالية التي تشغلها، مع الحرص على المحافظة على قدرتها الشرائية ومستلزماتها المعيشية والحياتية، مع الضغط على تسارع نسق تطور الأسعار وتصاعدها وغلاء المعيشة، كالمحافظة على تزويد السوق بالمستلزمات الضرورية للحياة عامة، وتنظيم مسالك الإنتاج والتوزيع والتسويق، وزجر الاحتكار وسائر الجرائم والمخالفات ذات الطابع التجاري والاقتصادي، وتقوية أجهزة المراقبة والتعهد بالجودة ومكافحة الغش والزيادة في الأسعار، مع تحسين ظروف الأجراء والعملة و ضمان التغطية الكاملة و الصحية لهم ولذويهم مع تحسين الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية وحتى التنقل، بما يضمن الراحة والأمان السّلامة.
الحل الخامس
العمل على توفير المسكن الملائم و اللائق والمطابق للمواصفات السكنية الضرورية، لكلّ مواطن يفتقد بصفة فعلية لسكن، مع الضغط على المضاربين والمستغلين للقطاع السكني والعقاري، والقضاء على ظاهرتي احتكار تجارة مواد البناء بشتى أنواعها أو تخزينها بصفة غير مشروعة ثم بيعها خفية أو المضاربة والتوسط بإشكال في خصوصها…سواء كان ذلك في القطاع العام أو حتى القطاع الخاص، مع تمكين كلّ مواطن من حق الملكية وضمان هذا الحق بكلّ ما يتطلبه من الضمانات القانونية والتشريعية وحتى الدستورية، فتونس وبكل ما تزخر به من ثروات هي ملك للشعب التونسي ولكل مواطن الحق يحمل الجنسية التونسية وليست ملك للحكومات المتعاقبة أو حتى الدولة بالمفهوم الإداري أو للسلطوي بل الدولة بالمفهوم القانوني العام، فكل شبر من أديم هذه الأرض المعطاء هو حقيقة على ملك الشعب التونسي بأسره، ذلك الشعب الذي حرّر تونس من ربقة الاستعمار وكان المساهم الأساسي في بناء هذا الوطن بدمه وعرق جبينه ولا ملك لأي فئة أو طبقة اجتماعية كانت…ومن هذا المنطلق فان المستثمرين الأجانب في بلادنا يبقى لهم الحق في الاستغلال ولا الملكية وليس لهم أي حق في تطبيق القوانين الشغيلية التابعة لبلدانهم بتونس، وبذلك يبقى القانون التونسي المد التشريعي الوحيد الذي له الحق الوحيد لبسط نفوذه على الأرض التونسية.
الحلّ السادس
العمل على الرفع من شأن القطاع الفلاحي وقطاع الصيد البحري، وذلك بتحسين وضعية المتعاطين مع هذين القطاعين الحيويين بالبلاد، وذلك بإسناد الدّعم اللازم والضروري والكافي لتوفير التطور الحقيقي والفعلي لهذين القطاعين على كل الأصعدة والجوانب، ومراجعة جدولة القروض والديون الفلاحية ضمانا لطمأنينة المطالبين بأدائها أو المتمتعين بها، والعمل على تطوير استغلال القطاعين بالمعدات العصرية والمتطورة وإخضاع الاستغلال للمشروط والطرق العلمية الحديثة وفتح الأسواق أمام منتجاتنا في تلكم القطاعين، كتشجيع التعليم والبحث العلمي الفلاحي بما يتطلبه تطوير القطاعين، وتكثيف المنتديات والمعارض والدراسات بما يؤسس الى بنوك معطيات تساهم في إثراء هذين القطاعين، وضمان التغطية الاجتماعية والظروف الاجتماعية بشتى أشكالها لمتساكني الأرياف والمتعاملين مع القطاعين دون استثناء أو إقصاء، كالعمل على تطوير الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية بكل الأرياف، بما يضمن جودة الحياة بها وطيب العيش والمقام، مع توسيع وتطوير الشبكات الكهربائية والمائية وإدخال الطاقات البديلة و المتطورة في أريافنا، وتحسين المسالك الريفية وتكثيف البحيرات الطبيعية والاصطناعية لجمع مياه الأمطار وتطوير السدود وتوسيع المناطق السقوية وتجهيزها بكل المستلزمات المتطورة والعصرية للاستغلال والإنتاج والتسويق، مع تطوير أسطول النقل الريفي وما يتطلبه النهوض بالأرياف والحيّز الريفي ومتساكنيه.
الحل السابع:
العمل على مراجعة نظام التقاعد بما يكفل المتقاعد أسباب الحياة الكريمة، بعد قضاء سنوات من عمره في سبيل نمو الحركة الاقتصادية للبلاد، وذلك بأن لا تقل منحة التقاعد عن قاعدة دنيا تقدّر بثلاثمائة دينار في الشهر الواحد، بالنسبة للمتقاعدين الذين يتقاضون منحا تقل عن هذا المستوى مع توفير التغطية الاجتماعية الكاملة لهم من صحة ومجانية التنقل أو استعمال وسائل النقل العمومية البرية والحديثة، وعلى أن ينسحب هذا الإصلاح على منح الأرامل والأيتام والمنتفعين بمنح تقاعد توفى أصحابها بعد تقاعدهم، كانسحاب هذا النظام الإصلاحي الخاص بالترفيع في قيمة الجرايات والمنح الخاصة والمسدات للمعاقين وذويهم مع انسحاب نظام التغطية الاجتماعية عليهم وضمان مجانية التنقل كالعادة.
الحلّ الثامن:
العمل على إقرار منحة وقتية للعاطلين والمعطلين عن العمل ولمن ثبتت بعد البحث الدقيق معاناتهم من أجل الفقر والاحتياج تقدّر بثلاثمائة دينار في الشهر مع استمراريتها إلى حدّ ثبوت انتهاء تلكما الحالتين، كتمتيع هذه الشريحة الاجتماعية بالتغطية الاجتماعية ومجانية التنقل البري والحديدي، إضافة إلى تحسين منح الطلبة المثقفين بالمنح الدراسية بشتى المدارس والمعاهد العليا والكليات والجامعات بالتراب التونسي وخارجه، بما يضمن لهم توفير الظروف الملائمة لعيش كريم.
الحلّ التاسع:
العمل على إيجاد آلية في شكل صندوق يعنى بإسناد قروض يتم تسديدها بشروط ميسرة بقصد تحفيز وتشجيع وإعانة المبدعين والمفكرين في شتى الفنون على إنتاج إبداعاتهم وابتكاراتهم الأدبية والعلمية على اختلاف أنواعها وأشكالها (المسرح، الأدب، الفنون الجميلة والتشكيلية، السينما، الصحافة، نشر الكتب وشتى المؤلفات دون استثناء، بحوث علمية، اختراعات واكتشافات، بعث جمعيات، القيام بمؤتمرات، تنظيم رحلات دراسية…).

الحلّ العاشر:
العمل على إيجاد آلية لدراسة الحالة الراهنة لقطاعات الصناعة والسياحة والتجارة، ووضع الحلول الكفيلة لإخراجها من الأوضاع التي تردت بها في شكل وسائل وبرامج وسياسات واستراتيجيات ذات البعدين القريب والبعيد، كتعهد المتعاطين في تلك القطاعات بالتحسينات والإصلاحات الضرورية بما يكفل لهم توفير العيش الكريم.
الحلّ الحادي عشر:
العمل على مراجعة الظروف العملية والاجتماعية للإطار التربوي على اختلاف مستوياته التدريسية وتوفير المنح الدراسية لأبناء تلك الإطارات بما يكفل لهم مواصلة تكوينهم في أحسن الظروف.
الحلّ الثاني عشر:
العمل على الضغط على الأسعار والتحكّم في المراقبة الاقتصادية وتقوية حماية المستهلك ومنع المضاربة والوساطة في مسالك التوزيع لمختلف المواد الغذائية وحتى الأدوية، بما يحفظ ويضمن القدرة الشرائية لكلّ المواطنين، مهما كانت شرائحهم الاجتماعية.
الحلّ الثالث عشر:
العمل على إصلاح نظام الجباية والضرائب مع اعتماد مقاييس جديدة وتحقيق لمبدأ “بقدر الغنم بقدر الغرم” و بقدر الانتفاعوالربح بقدر المساهمة في المجهود الوطني”، مع تحسين وسائل المراقبة الجبائية بما يكفل لها النجاعة والجدوى والفاعلية، إضافة إلى وضع خطة متكاملة ومتناسقة بقصد حسن التصرف في الأموال العمومية والملك العمومي في مختلف القطاعات الاقتصادية للبلاد، والتقشّف والاقتصاد في النفقات العمومية وحسن استغلالها لتنفيذ وانجاز المتطلبات الأولية والضرورية للبلاد والحدّ من التجاوزات مهما كان نوعها في الأموال والنفوذ والسلطات، كإيجاد وبعث منظومة مراقبة للتحكم في أسطول النقل الخاص بالوظيفة العمومية والإدارة عامة بما يوفر حسن أدائها خدمة للمصلحة العامة ولا الخاصة، مع مراعاة مقاييس إسناد وصولات الوقود وما يتناسب لما أعدت له أصلا، كمراجعة طريقة إسناد المساكن الوظيفية لأعوان الدولة عامة، وما يتناسب واحتياجاتهم الملحة و الفعلية لهم.
هذه لمحة عاجلة وبسيطة لبعض الحلول التي رأينا من الضروري سياقاتها حاليا، بالنظر لما تشهده الساحة السياسية من تجاذبات، بالإضافة إلى انصراف أصحاب القرار حاليا، في غير تحقيق الاستحقاقات الشعبية الملحة والضاغطة، والمجال سيبقى مفتوحا لفرصة للاصداع بدفعة أخرى من الحلول التي نراها ضرورية ومناسبة، للاستجابة للاستحقاقات الشعبية، ويمكن في نظرنا المتواضع أن تشكل منطق للاستجابة الفعلية والحقيقية لتلك الاستحقاقات، التي والحق يقال، لم يلتفت لها أصلا من طرف صناع القرار على اختلاف تداولهم على سدّة السلطة، منذ انبلاج ثورة الكرامة على هذه الربوع وحتى إلى يومنا هذا، وسوف نتيح لأنفسنا الفرصة للاصداع بغيرها وغيرها في مناسبات أخرى، بحول الله تعالى ورعايته.

*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.