الرئيسية » الإنتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة…معطيات قد تقلب المعادلات…

الإنتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة…معطيات قد تقلب المعادلات…

بقلم: سامي بن سلامة

وفقا لآخر سبر آراء أجرته مؤسسة BVA ونشر مساء يوم الجمعة لم تتغير الفوارق كثيرا بين المرشحين الأقوياء الأربعة .

فقد حظي كل من ماكرون مرشح المنظومة ولوبان مرشحة أقصى اليمين بنسبة % 23 من نوايا التصويت لكل واحد منهما ولم يحظ كل من فيون مرشح اليمين وميلونشون مرشح أقصى اليسار بغير نسبة 19 % من نوايا التصويت.

وهي أرقام لا تعني الكثير فيما يتعلق بهوية من سيصعد للدور الثاني خاصة إذا ما علمنا أن هامش الخطأ بالنسبة لكل مترشح تصل إلى 2 % وحتى إلى 2.5 % من الأرقام المذكورة. لم يحظ مرشح الحزب الاشتراكي المغدور بونوا هامون بغير 8 % من نوايا التصويت وانحدر مرة أخرى بنصف نقطة ويعتقد المراقبون بأن المعركة ستكون حامية ومثيرة وأن الفوارق قد تتقلص أكثر في الساعات الأخيرة خاصة وأن هذه الانتخابات سيحكمها ويقرر نتائجها المترددون.

بالنظر إلى إمكانية انخفاض نسبة المقاطعة وارتفاع نسبة المشاركة إلى حدود نسبة 80 % من الناخبين المسجلين كما سجل في الانتخابات السابقة والأهم من ذلك بالنظر إلى طبيعة القاعدة الانتخابية للمرشحين. حيث أنه من ناحية ما يعرف بالناخبين “المضمونين” تحظى لوبان بنسبة 86 % من الناخبين الذين عبروا عن نيتهم التصويت لفائدتها وهم متأكدون تماما من عدم تغيير رأيهم في اللحظة الأخيرة يتبعها فيون بنسبة 85 % في حين تنخفض النسبة لدى ماكرون إلى 73 % وإلى 70 % لدى ميلونشون لا غير.

طبعا لا يمكن إغفال معطيات مهمة ستلعب دورا مهما في هذه الانتخابات ومن بينها التأثيرات المتوقعة للعملية الإرهابية الأخيرة في الشأن ايليزي أو تصويت الشباب وخاصة تصويت المتقاعدين. إذ أنه من ضمن 47 مليون مسجل بالسجل الانتخابي يمثل المتقاعدون قرابة ثلث الجسم الانتخابي ويقدرون بقرابة 15 مليون ناخب قد يكون لهم دور حاسم في تصعيد أحد المرشحين للدور الثاني بالرغم من التوقعات.

بقي أنه لا بد من الإشارة كذلك لنقطة بالغة الأهمية في الانتخابات الفرنسية المقررة ليوم غد الأحد وأظنها قد تؤثر تأثيرا بالغا على نتيجتها وقد تتسبب في حدث مزلزل وفي نتيجة غير متوقعة تماما. وهي تتعلق بحظوظ كبيرة لليسار غير الخاضع للمنظومة (ويمثله ميلونشون) في الصعود إلى رئاسة الدولة الفرنسية لأول مرة في ظل الجمهورية الخامسة المتهالكة إن تجاوز الدور الأول.

فوجود هامون المرشح الرسمي للحزب الاشتراكي وهو أقرب مرشح للأربعة “الكبار” في السباق والذي أعلن خاسرا مسبقا رغم أنه يحظى بنسبة كبيرة من نوايا التصويت ( 8 %) يمثل في الحقيقة “خزانا انتخابيا احتياطيا” هائلا قد يصب بصفة طبيعية في مصلحة ذلك المرشح غير الاعتيادي ميلونشون. ربما قد يستفيد المرشح الآخر ماكرون بنسبة ضئيلة منه رغم أن برنامجه أخذ من كل شيء بطرف ورغم أنه يمثل نوع جديدا من المرشحين الهجناء المصنوعين بقوة المال والاعلام حيث لم سبق له أن ترشح في أي نوع من الانتخابات من قبل.

وإذا ما علمنا بأن اليمين الفرنسي لا يملك مثل ذلك الخزان الاحتياطي المنظم والمهيكل ولا حتى بحجم أقل (أقرب مرشح اليميني دوبون-اينيون لا يحظى سوى بنسبة 4 %من نوايا التصويت) فإنه يمكن اعتبار أن لا أحد من المترشحين الأقوياء اليمينيين لوبان وفيون بامكانه أن يطمع في تجاوز النسب القصوى المسندة له حسب مختلف عمليات سبر الآراء على خلاف المذكورين.

وهذا المعطى قد يقلب نتائج الانتخابات رأسا على عقب خاصة إذا ما اقتنع الناخبون الاشتراكيون بضرورة اعتماد التصويت المفيد واختيار ميلونشون باعتبار بأن التصويت لمرشحهم الرسمي “هامون” سيمثل في النهاية مجرد عملية شكلية ستضيع من جرائها أصواتهم هباء منثورا وستمكن وهو الأهم من افتكاك اليمين وخاصة اليمين العنصري للسلطة.

دخلت فرنسا في مرحلة صمت انتخابي ليوم واحد تنتهي بعد إغلاق آخر مكتب اقتراع في فرنسا المركز ولن يتمكن الفرنسيون من رؤية المرشحين ولا نتائج عمليات سبر الآراء في وسائل إعلامهم. وسيصوتون غدا لاختيار مرشحهم المفضل للدور الثاني للانتخابات الرئاسية بالانتخاب الحر والمباشر للمرة العاشرة في تاريخه الجمهورية الخامسة. ستجري تلك الانتخابات إذا ما كانت مجرياتها كما هو متوقع بصفة عادية على دورتين إذ يستبعد أن يسحق أحد المرشحين منافسيه وأن يحصل على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين وأن يصعد إلى الرئاسة مباشرة من الدور الأول ليصبح الرئيس الحادي عشر للجمهورية الخامسة لمدة خمسة سنوات.

ستلي تلك الانتخابات انتخابات تشريعية على دورتين يومي 11 و18 جوان 2017 وهو ما يمنحها أهمية خاصة إذ من الممكن أن ينقلب المشهد السياسي في فرنسا في حال صعود أحد المرشحين الخارجين عن منظومة الحكم الفرنسية المستقرة منذ زمن لتتشكل أغلبية رئاسية جديدة قد تقضي على نظام الجمهورية الخامسة تماما وفق ما يقترحه ميلونشون وقد تدخل فرنسا في دوامة من عدم الاستقرار والعنف إذا ما صعدت لوبان وقد تزيد من تعميق الأزمة الأخلاقية للنظام السياسي الفرنسي إذا ما اختير فيون وقد تبقي على نفوذ المنظومة وعلى الوضع المتردي عامة إذا ما انتخب الفرنسيون المرشح ماكرون.

يتابع التونسيون الانتخابات الفرنسية باهتمام ومردّ ذلك وجود جالية تونسية مهمة في ذلك البلد الكبير قد تتأثر سلبا بصعود مرشحين شوفينيين وكذلك علاقتهم الملتبسة بالمستعمر السابق التي تمزج بين كره الماضي وعشق النموذج. من ناحية الدولة التونسية ومصالحها العليا باعتبارها دولة من العالم الثالث فليس هنالك خيارات كثيرة ذلك أنها ستتعامل مع كل من يختاره الشعب الفرنسي مهما كانت توجهاته. شعبيا يبدو الخيار واضحا وليس هنالك أفضل من المرشح ميلونشون الذي يحظى عديد التونسيين من سياسيين وغيرهم بصداقته كما يحظى برنامجه وتوجهاته بعملية نسخ فورية وبتقليد يبعث على الابتسام.

الدرس الأهم الذي يمكن أن نستخلصه جميعا من الانتخابات الرئاسية الفرنسية أن اختيار الفرنسيين لن يتأثر بالغيبيات ولا بالكلام المعسول الذي ينسى حال الوصول إلى السلطة. فلديهم مرشحين يحترمون عقول مواطنيهم فيقدمون لهم برامج مفصلة مدعمة بالأرقام والاحصائيات ولا يتجرأ أي منهم على تقديم الوعود الكاذبة بمنحهم بطاقات دخول مجانية للجنة ولا بانزال الجنة ذاتها على أراضيهم.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.