الرئيسية » حديث الجمعة : الخمر حلال في الجنة، حرام في الدنيا؟

حديث الجمعة : الخمر حلال في الجنة، حرام في الدنيا؟

بقلم فرحات عثمان

 

بيّن الله تعالى أن الخمر حلال في الجنة لأنها لا تخامر العقل؛ فهل هي حرام في الحياة الدنيا إذا كان شربها لا يؤدي إلى السكر، أي باعتدال وبدون مبالغة؟.

الشريعة لا غاية لها إلا مصلحة العبد؛ فمناط الأحكام الإسلامية حفظ المصلحة ودرء المفسدة. هذا يتجلى في القرآن والسنة الصحيحة في موضوع الخمر، إذ المنع لا يتعلق ببنت العنب، بل بالسكر.
إن التحريم الذي نعمل به من استنباط الفقهاء، وقد صلح لزمانهم ولا يصلح ضرورة اليوم، فلا أزلية إلا للأحكام الإلهية. كيف نحرّم إذن ما هو في الجنة حلال إذا حرصنا على التزام نفس صفات خمرة الجنة في الحياة الدنيا، فلم تخامر العقل؟
الخمر الحلال في الجنة
الخمر في الجنة هي تلك الأنهار التي يقول فيها الله أنها «لذة للشاربين» (محمد 15)؛ وهي مما يتّخذ منها المنعّمون «سكرا» (النحل 67). ذلك لإن العنب من الخيرات التي خلق الله للعباد. لذا، المبدأ هو الحلية، إلا إذا حصل ما من شأنه المنع لمصلحة البشر، وهي هنا فقدان العقل؛ تلك هي المخامرة، أي ذهاب العقل لأجل السكر الذي ليس هو طبعا سكر الجنة.
إن السكر في الأرض الدنيا هو الغلو في شرب بنت العنب، لا الخمر في حد ذاته. لذا، فمن المنطقي القول أنه إذا حرص المؤمن على الشرب دون تجاوز الحد الذي يفقده عقله، أي أنه ينتشي قليلا مع المحافظة على تمام وعيه فتبقى تصرفاته تحت مراقبة عقله، يمكن القول أن ذلك من سكر الجنة، أي الحلال. فالخمر حلال في الجنة لأنه لا يسكر. هذا من منطق القول، والإسلام دين عقلاني.
الخروج من تحريم الخمر
أليس مثل هذا الاجتهاد أفضل من التقليد الذي لا زلنا نطبقه وقد أصبح فساده أكثر من الفساد المعزو للخمرة وأهلها ؟ لقد أعطتنا الأحداث الأخيرة بمدينة الجم أفضل المثال على ذلك، إذ رأينا من يدّعى الأخلاق الحميدة يتعمّد، لأجل منع بيع الخمرة، الإضرار بالأمن العام والإفساد في الأرض. هل هذه أخلاق؟
حان الوقت للخروج من تحريم الخمر للمراهنة على نضج المؤمن، وذلك بتحرير بيعها واستهلاكها مع دعوة المؤمنين للحرص على تنمية الحافز النفسي فيهم. فتزكية النفس تكون بالامتناع عن شرب الخمر إن أمكن ذلك؛ وإن لم يمكن، فبالسهر على عدم المغالاة في الشرب مع الابتعاد عن أوقات الصلاة عند شربها.
السكر هو الحرام
إن الإسلام دين الحريات المسؤولة. ومن المسؤولية رفع القيود الموضوعة شططا على الخمرة. فالإيمان هو النية الصادقة، وهي بمجاهدة النفس في نوازعها. ولا شك أن الحرية التامة في موضوع الخمر تساعد على تلك التزكية في التحكم في جماح النفس الأمارة بالسوء بينما المنع يؤدي إلى تأجيج الرغبة والمغالاة فيها.
فلا بد من التذكير أنه لا تحريم للخمر في الإسلام، بل فقط السكر، خاصة عند القيام للصلاة. إن تأويل الآيات القرآنية في اتجاه المنع كان من طرف فقهاء اجتهدوا، ولم يكن رأيهم الذي فرضوه على الناس الوحيد ولا الأصوب؛ فهناك العديد غيرهم من الأئمة الأجلاء قالوا بما قلنا، ومنهم من تقلّد مسؤولية الإفتاء بتونس.
ولنذكّر أيضا أن السنة الصحيحة لا تخالف ما نقول، إذ مدارها السكر. مع العلم أن الحديث في تحريم مسك الخمر من المنحول، إذ روح القدس جبريل مسك بنفسه الخمرة عندما قدّم للرسول ليلة الإسراء قدحا منها مع قدح اللبن الذي اختاره.
إن حرية المسلم من أعلى القيم في ديننا، إذ مكنته من تحمّل المسؤولية؛ وهذه الفرصة سانحة لبيان أنه أهل لها؛ مع التدليل، في نفس الوقت، على عدل الإسلام وذلك برفع القيود المتعلقة بالخمر. فحرية البيع والاستهلاك من شأنها تمكين المؤمن من تحكيم ضميره وامتحان نفسه والعمل على تزكيتها، سواء امتنع عن شربها أو شرب دون بلوغ حد السكر، حفاظا على سلامة عقله مناط التكليف.

 *المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.