الرئيسية » (22)أضرار التبغ أعظم، فهل من العدل تجريم «الزطلة» ؟

(22)أضرار التبغ أعظم، فهل من العدل تجريم «الزطلة» ؟

الزطلة

يكتبها فرحات عثمان

الزطلة ضحية للوبيات عملت جاهدة على شيطنتها حتى أصبحت هذا الوحش الكاسر الذي، إن أردنا الصدق، ليس إلا التبغ؛ ورغم ذلك لا يُمنع التبغ وتجرّم الزطلة ! 

فهل نجرؤ على منع التدخين أو تجريم التبغ؟ طبعا لا ! لذلك، من العدل والإنصاف والأخذ بالأخلاق الصحيحة ألا نجرّم ما هو أقل ضررا من التدخين، أي استهلاك الزطلة؛ فهلا أبطلنا تجريمها ؟

إننا ما زلنا في هذه الديار نمنع باسم الأخلاق والدين ما ليس فيه الضرر بتاتا، كالجنس والقبل، أو أن ضرره أقل بكثير مما نقبل به دون مراء، كالزطلة أي القنب الهندي. فقد ثبت علميا أن هذه النبتة فيها فوائد عديدة وخاصة أنها أقل ضررا من االدخان الذي نقبل به.

فبشهادة أكبر المؤسسات العالمية، ومنها الأمم المتحدة، لا ضرر في تعاطي القنب الهندي في حال عدم الإدمان؛ أما عند الإدمان، فتبقى أضراره أقل بكثير من أضرار التبغ.

هذا ما نبيّنه في هذه اليومية مع الدعوة الملحة للسلط على الكف عن مواصلة تجريم تعاطي الزطلة في مشروع قانونها المعروض على مجلس نواب الشعب. فليكن بحق أخلاقيا بإبطال تجريم الزطلة!

الزطلة قديمة في المجتمع التونسي 

الزطلة هي التعبير الشعبي للقنب الهندي بكسر أو ضم القاف وتشديد النون cannabis؛ وهي أيضا الماريوانا  marijuana أو الكيف أو التكروري أو المطوي أو السبسي. تعدد هذه الأسماء يدل على أنها معروفة في المجتمع التونسي والمغاربي منذ القدم؛ فقد كانت تباع بكل حرية في حوانيت التبغ تماما كالدخان.

إن لنا العديد من الرويات والقصص التي تروي رواجها في المجتمع دون أي مشكل على الصحة ولا على الأمن العام خاصة. فقد كان الاستهلاك عاما، لا يثير أي مشكل، إلا الشيء من الفتور عند المتعاطين؛ أليس هذا أفضل من الثوران والعنجهية؟

كان متعاطى التكروري يُعرف بالتكراري، وكان عددهم يكثر خاصة في رمضان. والسبب في ذلك الاعتقاد أن الخمرة محرمة في الإسلام، الشيء الذي يحمل عددا من السكّيرين الابتعاد عن الخمر للتقليل من الذنب وتعويضه بالتركروري و السبسي أي الزطلة.

فمما كان شائعا عند العوام هي مقولة أن الدين إن كان يحرّم الخمر، فما حرّم قط التكروري. لذلك، خلافا لما كان يميّز السكير من وخز ضمير، لم يكن ذلك عند التكراري الذي كان يعتقد جازم العتقاد أنه لا تحريم للكيف في الدين.

هذا وبما أننا بيّنا موقف الإسلام من الخمر، إذ لا يحرّم إلا السكر، لنا أن نقول هنا بخصوص الزطلة أنه لا يحرمها أيضا، كما لا يحرّم التدخين، إلا عند الإدمان، لأن ذلك من شأنه الإضرار بالصحة. فمعلوم أن التعاليم الإلاهية ليست للإضرا بالعبد، بل لحفظ صحته وسلامته؛ فلا مانع للزطلة ما دام استهلاكها بقدر لا يضر بالصحة. بل الممنوع دينيا هو منع هذا الإستهلاك بما أنه يؤدي لحصول الضرر لا محالة بالسجن وإهدار مستقبل الأبرياء كما هو الحال مع قوانينيا الحالية المخزية التي يتوجّب باسم الأخلاق والدين قبل القانون  إبطالها حالا حتى نكون عادلين كما يقتضيه ديننا ودستورنا.

هذا مع الإضافة أنه لا دخل ضرورة للدين والأخلاق في هذا الأمر إذ أننا ندخلهما في منع أو السماح بالتدخين؛ فتلك قضية شخصية ومسألة تربية لا تهم إلا المعني بالأمر ووالديه في صغر سنه.

أضرارالزطلة أقل من أضرار التبغ 

إنه من الأخلاق عامة والإسلامية خاصة، إذ ديننا أولا وآخرا دين العدل، قول الحقيقة ولو على النفس؛ وهي في موضوع الزطلة أن إبطال تجريم استهلاكها من المتحتّم.

فهذا المخدّر الناعم مضرّته بالصحة أقل بكثير من مضار السيجارة؛ فإما نمنع التدخين وبذلك يمكن مواصلة التجريم الحالي لاستهلاك الزطلة وإما نُبطل تجريم الاستهلاك تماما لأن ذلك هو العدل وهذه هي الأخلاق!

وبما أنه منطقيا لا يمكن اليوم منع استهلاك الدخان نظرا للمصالح الجمة التي تختفي وراء التبغ، فبأي عدل وبأي حق نمنع استهلاك نبتة ليس فيها عموما مضرة في حال تعاطيها كما يتعاطاها شبابنا اليوم، أي بصفة غير مسترسلة؟

لقد ثبت علميا أنه ليس في الزطلة ما في التبغ من تبعية إلا عند الإدمان الفاحش في استهلاكها؛ وقل ما يحصل هذا عند شبابنا. لذا، تجريم استهلاك الزطلة لا معنى له ولا فائدة، لأن مضاره أكبر بما أن التجريم من شأنه الحث على الاستهلاك لا منعه؛ كما هو يشجع على الاتجار بهذا المخدر وتهريبه؛ ،هذا بيت الداء كما سنرى.

مع العلم أن الطب يستعمل اليوم المادة الأساسية في الحشيش كمادة مسكّنة، خاصة في الأوجاع الشديدة، ومنها آلام المعدة. ففي البلاد المتقدمة، يستعمل الأطباء بدون تردد القنب الهندي ومستحضراته في حالات الآلام المستعصية نظرا لانعدام خطورته وأن استهلاكه لا يؤدي بتاتا إلى الإدمان عند الاستعمال العرضي أو المناسبي.

فلنقرأ ما يقوله التقرير الحديث للمعهد القومي للصحة والبحث العلمي بفرنسا إنسارم INSERM وقد أعده بطلب من الهيئة المكلفة بمقاومة المخدرات والادمان عليها، والإحالة إليه بالمرجع: « إذا لم يكن الاستهلاك بانتظام، فللقنب الهندي نتائج غير نهائية على ذهن ونفس المستهلك مدة الساعتين إلى العشر ساعات؛ وهذه المدة تتغير حسب حساسية كل شخص وحسب القدر المستهلك. هذا ويتميّز الاختمار بالزطلة بالنعاس والنشوة وبشيء من الخفة والابتهاج، وهي حال يرافقها انعدام القدرة  على القيام بمهام معقّدة وبعض الصعوبات لتذكر الأفعال الآنية. أما في حال الاستعمال المبالغ فيه، فهناك صعوبات في الكلام وفي حركات الأعضاء، وأحيانا بعض عوارض الخوف أو الجزع والقلق؛ لربما أيضا فقدان أو تبدد الشخصية؛ ولعل ذلك يصل إلى حد الذهان والهذيان. هذا، وفي حالات الاستهلاك غير المتواصل أوالمعزول، لم تُسجّل أي حالة موت.

«هذا، وفي حالات الاستهلاك المتواصل المنتظم، دون أن يصل إلى حد الإدمان، لوحظت ظاهرة تحمل صاحبها على الاحتياج للاستهلاك للحصول على النشوة المبتغاة، مما يؤدي لا محالة للإدمان. في هذه الحالات من الاستهلاك المتواصل لكميات كبيرة، لوحظت مشاكل مع الذاكرة؛ إلا أن ذلك ليس نهائيا لأنه بالإمكان العودة للحالة الطبيعية. ثم ليس القنب الهندي في حد ذاته مما يؤدي للسرطان؛ إلا أن القطران المتواجد في دخان السيجارة يتواجد بأكثر قدر من السيجارة العادية، وفيه أكثر نسبة من المواد من شأنها إحداث السرطان، خاصة سرطان الرئة والرأس والعنق (الفم، البلعوم، المريء والحنجرة).»

الظلم الفاحش في تجريم استهلاك الزطلة

لقد مثّل استعمال الزطلة في فترة الخمسينات والستينات بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تُسمّي ماريوانا، مثالا لتحدي السلط من طرف المجتمع ورفض تسلطها على الحريات. وقد كانت تلك الحال خاصة عند فناني الجاز الأمريكيين الذين دافعوا خير دفاع عن الحق في استهلاك الزطلة؛  بذلك أصبحت الماريوانا رمزا لما سمّي بالثقافة المضادة للمؤسسات الرسمية والنطام العام الجائر Contreculture.

هذا تماما ما نعيشه اليوم بتونس إذ القانون المجرّم للزطلة يظلم الناس ولا يخدم الصحة؛ وكذلك الحال بالنسبة لمشروع إصلاحه إذ لا خير فيه على صفته الحالية؛ فهو لا يستجيب لتطلعات الشباب ولا لمقتضيتا العدل والأخلاق، بما أنه يُبقي على تجريم الاستهلاك بينما من المتحتم إبطال كل تجريم وعدم الاكتفاء برفعه فقط للاستهلاك المبتدىء، كما هو في مشروع قانون التنقيح.

إنه لمن الضروري الكف عن المماطلة تارة باسم الصحة، وطورا باسم الدين والأخلاق والعزم الصادق على إبطال التجريم مطلقا للاستهلاك وذلك باسم الصحة والدين والأخلاق والدستور جميعا.

فكما قلنا، وكما يجزم بذلك كل أهل الاختصاص، لا ضرر للصحة من الزطلة إلا بمداومة الاستهلاك، هذا من ناحية؛ ثم من ناحية أخرى، وحتى في حال الارتباط والاعتماد باستدامة الاستهلاك، فذلك يبقى أقل ضررا على الصحة من مضار التبغ المباح.

إن منع استهلاك الزطلة اليوم بتونس يمثل قهرا صارخا لحريات الشباب وقد ثار على العهد البائد لأجلها. فلا شك أن ثورته ستزداد ما دامت القوانين الجائرة لمنظومة الديكتاتورية على حالها. لا حل إذن اليوم إلا في الاتجاه الصادق الصدوق نحو مطالب الشباب وذويهم في إبطال كل ما في القوانين يناهض حقوقهم، إذ هذا ما يضمنه لهم القانون وما تفرضه الأخلاق والدين، بما أنه لا قهر في الإسلام ولا ظلم؛ وإلا أين العدل في منع الزطلة والإبقاء على حرية تدخين التبغ؟

إننا بقوانيننا الجائرة نظلم شبابنا إذ نقضي على مستقبل بعضهم لمجرد تعاطيهم لما شاع كشيوع التدخي للتبغ ولا مناص من رفضه وإلا وجب منع السجائر أيضا. ولا بد من الانتباه للتداعيات الوخيمة لمثل هذا الظلم الفاحش وقد ثبت أنه يشجع العديد من الشباب على الانزلاق  إلى مهاوي الفساد والإرهاب لا لشيء إلا للتعبير عن سخطه على واقعه والهروب منه بأية وسيلة كانت، بل وللانتقام ممن يحرمه من أبسط حقوقه في الحياة.

هذا ، ومعلوم اليوم أن أفضل وسيلة للتشجيع على عدم استهلاك أي شيء هو عدم منعه؛ ذلك لأنه في المنع يكمن الإغراء والإغواء وبالتحريم تقع الفتنة، بينما بالترخيص والإجازة يُرفع مثل ذلك الانجذاب.

إن شبابنا اليوم، علاوة على أنه ضحية لتجار المخدرات، هو أيضا ضحية للقانون المجرّم لما ليس فيه مضرة أكبر من مضرة التبغ. كيف نغض إذن النظر على عدم منع السجائر بينما نحن نمنع ما ضرره أقل بكثير بدليل أكبر المختصين وأ صدق المنظمات العالمية كمنظمة الأمم المتحدة التي طالبت في تقريرها الأخير المحال إليه بالمرجع إلى إبطال التجريم تماما للتفرغ لمقاومة المهربين والتجار.

لعله هنا من المفيد التذكير بأن الزطلة، أو ما كان يُسمّي التكروري، عندما كانت متداولة بكل حرية في مجتمعنا، لم يكن لها ما نعرفه اليوم من مشاكل إجتماعية وفواجع عائلية. كما لم نكن نعرف ما أصبح معلوما من تجارة وتهريب بالمخدرات. فالثابت االمعروف عن مدخني التكروري أو السبسي في ذلك العهد أنهم كانوا مسالمين؛ وليس هذا بالغريب نظرا لما في القنب الهندي من مادة مخدرة من مفعولها تراخي الأعضاء والفتور والخمود مع الشيء من الأحاسيس اللذيذة والهلوسة بالطبع. أليس هذا أفضل من سياسة قمعية تؤدي بشبابنا إلى الثورة على المجتمع إلى حد الإرهاب ؟

تاريخ القنب الهندي وحقيقة تجريمه

القنب الهندي أو الزطلة نبتة معروفة منذ القدم، وقد كانت مستعملة في الحضارات الآسياوية والفرعونية لما فيها من منافع صحية؛ هذه المنافع المعروفة اليوم والتي أصبح العلم و الطب يشيد بها.

وقد عُرفت نبتة القنب الهندي في الحضارتين الإغريقية والرومانية لا للتداوي فقط، بل أيضا لمختلف الأمور اليومية؛ فكان مثلا يُستخرج منها الحبال المتينة كتلك المستعملة في الملاحة وفي أشرعة القوارب؛ كما استعمل القنب الهندي في صناعة الثياب.

أما في البلاد العربية، فقد استعمل خاصة في صناعة الورق؛ وقد كانت زراعته منتشرة عند العرب الذين نقلوها إلى كل البلاد الواقعة على ضفاف البحر المتوسط تقريبا عند انتشار الإسلام. ولا شك أن القنب الهندي مدين للحضارة العربية الإسلامية  في مثل هذا الانتشار بأنحاء العالم مما خدم الثقافة والعلوم إذ كان القنب أساس صناعة الورق التي كانت جد مزدهرة في بلاد الإسلام خلال ازدهار حضارته.

هذا، وفي فترة معيّنة من التاريخ الإسلامي، أصبح القنب الهندي يُعرف عند الغرب بالحشيش؛ وكان ذلك بسبب ظهور طائفة حسن الصباح الشيعية المغالية في التزمت المسماة بالحشاشين؛ وقد تمركزت بقلعة ألموت في جبال الشمال الغربي الإيراني.

كما هو معروف، توصلت هذه الفرقة الإسماعيلية من استغلال الظروف المضطربة في فترة أفول الحضارة الإسلامية لبسط نفوذها ونشاطها الإرهابي. ومن جرّاء هذا، تم منع القنب الهندي في بلاد الإسلام؛ وكان ذلك أول مرة بمصر سنة 1378. منذ ذلك التاريخ، بدأ اضطهاد مستهلكيه؛ وما كانت الحال كذلك من قبل.

أما في الغرب، فقد بدأ المنع أول مرة بالولايات المتحدة الأمريكية عقب فشل سياسة منع الكحول التي عرفتها البلاد بين سنوات 1919 و1933؛ وقد كانت تلك ردة فعل من طرف المتزمتين الدينيين نظرا لأن القنب الهندي كان منتشرا في الطبقات الشعبية التي كانت تستعمله عوضا عن الكحول الممنوعة.

منذ هذه الفترة بدأت المؤامرة على القنب الهندي. وكانت من أبرز مظاهرها العلاقة الوهمية التي سيقع خلقها بين استهلاك القنب الهندي والإجرام. بذلك بدأت أسطورة مساويء الماريوانا على الصحة، إذ وقع الربط بين الاستهلاك بصفة عامة وتدهور الصحة، بينما لا يكون ذلك إلا عند الإدمان كما سبق أن بيّنا، خاصة وأن ذلك أقل بكثير في ما يخص الماريوانا أو الزطلة بالنسبة للكحول أو التبغ، إذ الإدمان يقتضي مدة زمنية أكبر في الاستهلاك.

منذ ذلك الزمن بدأ الخلط بين استهلاك القنب الهندي والأضرار الصحية دون الانتباه إلى انعدامها عند الاستهلاك دون مغالاة ، علاوة على الفوائد الصحية الثابتة.

في الحقيقة، كان وراء مثل تلك الحملة الشعواء لا فقط أهل التزمت بل أيضا ميادين صناعية منها صناعة القطن والكيمياء والبترول والنيلون واللوح إضافة للصحافة الذين كانوا يخوّفون من استعمالات القنب الهندي المتعددة على مرابيحهم.

ولعل أشهر هؤلاء المتحاملين على القنب الهندي كان زعيم الصحافيين هارست  Hearst صاحب الإمبراطورية الصحافية المعروفة التي حرصت بإعلام كذوب لا أخلاق فيه على تشويش الأفكار وغسل الأدمغة للحصول في النهاية على منع هذه النبتة البريئة من كل ما قيل فيها.

مع العلم أن الأكاذيب وصلت بتلك الصحافة المأجورة إلى حد العنصرية إذ سمحت لنفسها القول أن استهلاك القنب الهندي كان من باب الدعارة والانحطاط الأخلاقي للسود الأمريكيين. لقد كان القنب الهندي يمثل خطرا كبيرا على هذه الصناعات نظرا لأنه نبتة طبيعية، غير مكلفة. من شأنها الإضرار بمصالح أهل الصناعة المذكورين، خاصة منهم صناعة النسيج، بما أنه بالإمكان الحصول من نبتة القنب الهندي على أنسجة طبيعية كالجوتة  jute  أو اصطناعية كالنيلون.

هكذا مثّل القنب الهندي للصناعات الجديدة خطرا كبيرا ، ومنها خاصة صناعة الورق التي تعتمد على استغلال فاحش للغابات دون احترام البيئة بقطع الأشجار بدون هوادة. هذا ما يشرح أسباب شيطنة أصحاب تلك الثروات للقنب الهندي لا لأجل صحة الناس أو لعلة في هذه النبتة، بل لمصالحهم الشخصية.

ضرورة إبطال تجريم استهلاك الزطلة

إن مشروع قانون إيطال القانون الجائر عدد 92 لسنة 1992 المؤرق في 18 ماس 1992 المتعلق باستهلاك الزطلة لا يشرّف لا النخبة الحاكمة ولا من يتبجح بأخلاق الإسلام. فلا القانون الحالي ولا مشروع تنقيحه يعطيان الناس حقوقهم في حرياتهم الخاصة ولا يمنعان من انتشار ظاهرة تعاطي الزطلة، إذ هي متأتية من التجارة بها من طرف المهربين لا من استهلاها من طرف شباب يجد فيها التنفيس على الكرب الذي يعيشه.

إن مشروع التنقيح، نظرا لإبقائه على تجريم الاستهلاك،  ليزيد في إحباط الشباب عندنا وتنامي اليأس في صفوفه مما يشجعه، في أفضل الحالات، على الهجرة غير الشرعية، وفي الأسوأ على الارتماء في أحضان الإرهاب. لهذا، لا مناص من القول هنا أن القانون الجائر عدد 52 ومشروع تنقيحه يضران بالبلاد ويشجعان على الإرهاب. فليتدارك الأمر أهل التقى والنهى والنوايا الصادقة بإبطال تجريم استهلاك الزطلة بتونس دون تردد، وإلا فليمنعوا استهلاك التبغ إحقاقا للحق وتطبيقا للعدل في هذه البلاد!

إن المتحتم اليوم إنقاذ شبابنا من مخالب التجار والمهربين لا الزيادة في ظلمهم، لأنه ضحية شبكات التهريب؛ فليس مجرما مستهلك الزطلة، أيا كانت طبيعة استهلاكه، وإلا وجب اعتبار المدخن مجرما أيضا، بما أن الدخان أشد مضرة على الصجة من الزطلة بشهادة كل العارفين المختصين.

لقد حان الوقت للكف عن تعاطي سياسة النعامة وتجاهل الواقع التونسي، لا فقط في الشارع، بل وأيضا وراء قضبان السجون. فقد امتلأت بالأبرياء ممن جرمه ليس أكبر ممن يدخّن، إلا أنه يرى حياته ومستقبله يُهدمان باسم قانون غير أخلاقي بالمرة.

فالتقارير المتعددة تقر بأن الوضع بسجوننا لا يقبل أن يدوم على حاله إذ هي ملأى بشباب بريء، لا يزيده السجن إلا ثورة على مجتمع يظلمه. فهل نعمل على إصلاح الشباب أم على صناعة الإرهاب الذهني؟ إن أحدث التقارير على الوضع المزري بسجوننا تبيّن أن السن المتوسّط للمساجين التونسيين يتراوح بين 18 و 49 سنة، وأن بينهم 60 بالمائة من العائدين للسجن من الانتكاسيين العائدين للجريمة. مع العلم أن سجوننا تجمع المنحرف الخطير ومجرم مستهلك الزطلة، مما يشجع البريء على الانحراف. هكذا إذن، فنحن بسياستنا الحالية نجعل من السجن والقوانين التي تؤدي إليه صناعة للانحراف؛ فهل هذا من الأخلاق والسياسة الكيّسة؟

و تبيّن التقارير أيضا أن العديد من مرتكبي المخالفات البسيطة والجنح، التي تزج بهم رغم ذلك في مثل هذه السجون الصانعة للإجرام، هم من الطلبة والشباب البريء الذي ليس جرمه إلا تعاطي الزطلة عموما أو الحياة حسب حقه في العيش الحر في حياته الخاصة. هذا،  ولا أقل من 53 بالمائة من الأحكام بالسجن تعلقت بقضايا تعاطي المخدرات والزطلة خاصة؛ وقد وقع تعداد 8 آلاف سجين على مجموع 25 ألف سجين في قضايا استهلاك الزطلة في نهاية سبتمبر من سنة 2013.

الأمم المتحدة تطالب بإبطال تجريم الزطلة

التقرير الأخير للهيئة العامة لسياسة المخدرات التابعة للمنتظم الأممي، المشار له بالمرجع،  يندد بصفة واضحة لا لبس فيها بسياسة تجريم استهلاك الزطلة في بلاد العالم، معتبرا إياها ظالمة ظلما فاحشا للأبرياء لأنها تعاقب ضحايا المجرمين الحقيقيين وهم تجار المخدارات لا مستهلكيها.

لهذا، ينادي صراحة بالقطع مع سياسة القمع الإجرامية للسلط العمومية لتعنتها في معاقبة المستهلكين عوض المتاجرين بالمخدرات. والتقرير يتضمن العديد من المقترحات العلمية والتطبيقية التي من شأنها تعويض التدابير الحالية التي لا نفع فيها، بل الضرر كله بما أنها تجعل من الأبرياء مجرمين.

وهي تذكّر بمقولة علم الاجتماع التي بينت بما فيه الكفاية أن القمع الأعمى، الذي لا يقطع معه مشروع القانون التونسي الحالي، ليس من شأنه اقتلاع جذور أي ظاهرة اجتماعية إذا تجاهلت أسبابها الحقيقة. و يبيّن التقرير أن هذه الأسباب، بالنسبة لاستهلاك الزطلة، تتمثّل في تواجد شبكات التجار والمهربين وليست هي في المستهليكن الذين ليسوا إلا ضحاياء هؤلاء.

ينطلق التقرير من بيان ارتفاع عدد مستهلكي الزطلة في العالم، إذ مر من 203 مليون سنة 2008 إلى 243 مليون سنة، 2012 ليؤكد على ضرورة التفريق بين استهلاك المخدّرات وتعاطي بيعها والتجارة بها. وهو يبيّن بصفة قطعية أنه لا بد من عدم تجريم التصرف الأول لبراءته والاقتصار على تجريم الثاني لإجرامه، خاصة عند تواجد شبكات منظمة وتنطيمات إجرامية.

إن التقرير لعلى حق في الدعوة لأنسنة السياسة المتبعة عالميا في مكافحة المخدرات البسيطة أو الناعمة مثل الزطلة أو التكروري، إذ هي، حسب التقرير، «بلا منازع الوسيلة الوحيدة للتنقيص في نفس الوقت من منسوب الوفيات، والأمراض المهلكة والمعاناة المرتبطة بالمخدرات والعنف؛ وأيضا الإجرام والفساد وكل المكاسب غير المشروعة التي تشجع عليها السياسات العقيمة لمنع الاستهلاك».

التقرير واضح كل الوضوح في تبيانه لما يجب فعله في نطاق الحرب على المخدرات، أي تبيين أن السوق هي التي تتطلب المراقبة والتقنين لا الاستهلاك ومعاقبة الشباب المستهلك، لأن واجب السلط المتأكد يقتضي «السعي لافتكاك النفوذ الذي هو اليوم عند أهل الجريمة المنظمة» بالتعاون مع الجمعيات المهنية « للتقليل من الأضرار الاجتماعية والصحية » لآفة المخدرات.

كل هذا يشير صراحة أن إبطال التجريم للاستهلاك عامة هو الخيار المجدي، علاوة على اتفاقه مع الأخلاق ومقتضيات دولة القانون. هذا، وحتى من الجانب الديني في بلادنا، فلا مانع من إبطال تجريم الاستهلاك للزطلة، بل من المتحتم ذلك لأن الإسلام يبيح المحظورات إذا أدى المنع إلى عكس الغاية المنشودة؛ ولا شك أن ضرر منع الاستهلاك اليوم أصبح أكثر ضررا من المنع والتحريم.

إن كل ملاحظ مسؤول يعتبر القانون 52 قانونا إرهابيا يقتضي الإبطال السريع لتجريم استهلاك الزطلة لا فقط التخفيف من وطأة القانون على الحريات الخاصة كما يفعله مشروع تنقيحه المعروض على النواب باسم الحكومة.

لقد حان الأوان للاعتراف بأن نبتة الزطلة المعروفة منذ القدم لها منافعها الصحية والطبية، وليست لها المساويء الي ألصقت جزافا بها لغاية في نفس يعقوب، إلا في حال الإسراف ككل شيء. ولكن لعل البعض يقول أن الزطلة ممنوعه بالعديد من الدول الغربية، ومنها فرنسا كتعلة للإبقاء على التجريم. لا جرم؛ هذا من سوء النية لا محالة؛ فمتى أصبحنا نأخذ بما يفعله الغرب في أمور دنيانا التي نبتغيها موافقة لدين البلاد ؟ وهل نترك الإسلام وعدله لنأخذ بما يفعله الغرب؟ متى نُحي عندها الدين وعلومه في هذه الربوع؟

بما أنه ثبت أن تجريم الزطلة مظلمة، وأنها السبب في عدة مآسي يعاني منها مجتمعنا وشبابنا، بينما الإسلام دين العدل ولا يقر مثل هذا الظلم، فليكن الانتصار للإسلام بإبطال تجريم اسنهلاكها !

أما إن ادعينا جادّين، بعد ما قلناه في هذا الطرح، منع الزطلة باسم الأخلاق والصحة العمومية، فلنبدأ عندها بمنع التبغ لمضاره، وهي أعتى وأشنع من مضار الزطلة.

فكفانا مداهنة وتلاعبا بحقوق الناس باسم مصالح من يتاجر وينافق فلا من يعمل حسب الضمير حقا وحسب الأخلاق !

……………………………………………………………

للمزيد :

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.