الرئيسية » الصباح في عيدها 65 : من حقنا أن نسأل أين الإصلاح ؟

الصباح في عيدها 65 : من حقنا أن نسأل أين الإصلاح ؟

الصباح

بقلم اسيا العتروس*

في عيد جريدة الصباح الخامس والستين تتحدث آسيا العتروس. بنت الدار و الصحفية  في الشأن الدولي برتبة رئيس تحرير أول فيها عن الجريدة وعن الاصلاح الذي تتمناه لمزيد نجاحها.

“خمس وستون عاما في حياة الانسان أو الأوطان أو المؤسسات محطة مهمة ما في ذلك شك واحياء الصباح اليوم عيدها الخامس والستين مفخرة و مدعاة للاعتزاز بهذا الصرح الإعلامي و هذه المدرسة التي تعاقب عليها أجيال مختلفة بدءا بجيلها المؤسس الذي جمع الحبيب شيخ روحه و رفاقه في مرحلة مصيرية من تاريخ تونس الحديث وما استوجبته  من تضحيات جسام خلال مرحلة النضال ضد الاستعمارالى مرحلة الاستقلال و بناء الدولة الى انطلاق ثورة الحرية و الكرامة حتى اليوم , حدث يستحق بالتأكيد أكثر من وقفة احتفالية بعد أكثر من ستة عقود استطاعت خلالها هذه المؤسسة البقاء والاستمرار رغم كل المحن والعواصف …

ولعلنا في هذه الذكرى نستعيد  ذكرى جيل ساهم في بناء هذا الصرح بعضهم غادرهذا العالم وبعضهم من تتلمذنا و تعلمنا عنهم ولا نزال نذكرهم في كل المناسبات وهم من تركوا بصماتهم في مراحل سابقة مرت بها هذه الدار …خمس و ستون عاما في عمرالصباح محطة تاريخية هامة وقد وجب الاعتراف أننا انتظرنا هذا الحدث وتطلعنا  الى أن  يكون فرصة لاعلان إصلاحات جذرية ومراجعة ما يستوجب المراجعة والاستعداد لكسب رهان المرحلة وتقديم اعلام هادف  يرتقي الى تطلعات الراي العام و لكن للأسف كل هذا لم يحدث وتحولت الذكرى الى مناسبة  كالعادة للاتقاط الصورواستقبال المسؤولين و إطفاء الشموع ..و من هذا المنطلق كان لا بد من التوقف عند بعض المسائل المصيرية التي بدونها لا يمكن في اعتقادنا  الاستمرار والمواصلة بالجدية المطلوبة , فالمؤسسات كما الشعوب والحضارات والبشرو مهما تحقق لها من درجات الارتقاء  تحتاج في  مراحل وجودها الى التوقف لتامل ما تحقق و ما لم يتحقق حتى تتجنب كل أسباب الجمود و التراجع الذي يؤدي حتما الى الانهيار في مرحلة لاحقة اذا لم تسعى الى تطعيم و تجديد مواردها و لم تحاول الاستثماراكثرفي امكانياتها في الحاضر و المستقبل ..

قد لا يكون من المبالغة في شيئ الإعتراف بان حلول هذه الذكرى على أهميتها لم يخلومن  المرارة لعدة أسباب لعل أهمها الإحساس بعدم الرضا عن السائد ومشاعر الغبن ونحن نشهد  تفويت الفرص  تباعا في التفرد بالتميزعلى الساحة ..

والحقيقة أنه عندما طلب مني هذه المرة المساهمة في توثيق هذه الذكرى وجدت افكاري  و كلماتي لا تطيعني و لا تنطق بقناعاتي ورغم أنه قد سبق لي أن في اكثرمناسبة ان تشرفت بصياغة و تحرير كلمة “الصباح “في عيدها لتوشح صفحتها الأولى و أني طالما حرصت في كل مرة على تقديم دورومكانة الصحيفة التي انتميت لها منذ خمس وعشرين عاما في أفضل صورة وقد كانت فعلا كذلك  قبل أن يصيبها ما أصابها من وهن وتراجع على الساحة ..بل الحقيقة  أيضا أن التراجع في المشهد الإعلامي لا يكاد يستثني منبرا أومؤسسة إعلامية حتى أنه بات سمة المرحلة الى درجة أنه لم يعد بالإمكان التمييز بين صحيفة وأخرى , بل لعلنا لا نبالغ اذا اعتبرنا أنه غياب هيئة أو مجلس أعلى للصحافة تهتم بتقييم الصحافة المكتوبة  و تعديل المشهد واصلاح ما يستوجب الإصلاح لربما كان الوضع افضل عما هوعليه…لن ندخل في تفاصيل العمل اليومي ولا في مختلف أنواع الهرسلة التي قد تبدو ممنهجة في أحيان كثيرة ومحاولات التقزيم والتهميش والاقصاء المسجلة منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية 2014, فتلك مسألة يمكن التعرض لها باطناب في غير هذا الموضع…

بعد صراع لم يكن بالهين ضد كال محاولات الترويكا للهيمنة على مؤسسة دارالصباح و بعد معركة لا نزال نعتقد بانها كانت حاسمة و مفصلية في تحريك المجتمع المدني في تونس وقفنا خلالها صفا واحدا ضد التعيينات الفوقية و كل محاولات العودة بالاعلام الى مظلة السلطة نجد اليوم أنفسنا في حالة من الجمود والتخبط في الإحباط في غياب الإصلاح الموعود ..ف

ولسنا نكشف سرا اذا قلنا اليوم اننا فشلنا حتى الان فيما تطلعنا اليه من وجود هيئىة تحرير منتخبة وتنظيم  اجتماعات التحريري اليومية و وضع  ميثاق تحريرمشترك

ونحن نكتشف اليوم ان كل ما تطلعنا اليه لم تكن أكثرمن شعارات سرعان ما اختفت و تلاشت أمام  عودة العقلية الانتهازية الرافضة لسلطة رابعة مستقلة والمرتهنة للعبة المصالح كل ذلك الى جانب تعمد المسؤولين الذين فرضتهم حكومة التكنوقراط تجاهل مطالب الإصلاح التي جعلوا منها وسيلة للتفرقة والفتنة بين الزملاء وهم الذين وقفوا في السابق صفا واحدا دفاعا عن مكسب الحرية  المقدسة والاستقلالية التي لا تقبل التنازل و الابتزاز و لا تخضع للمساومة .

نقول لسنا طلاب مواقع أومناصب ولكن  حرصنا وغيرتنا على هذه المؤسسة يدفعنا اليوم الى أن نقول في ذكرى “عيد الصباح “بأن انارة الشموع وتوزيع الحلويات لن يغطي الواقع الصعب الذي نعرف  و لا أن يلغي محاولات تهميش و تجميد  الكفاءات ورفض كل محاولات الاجتهاد لتجنب السقوط في الابتذال والرداءة التي باتت سيدة المشهد ..

فيما مضى و قبل الثورة التي حملت شعارالحرية والكرامة كان  بالإمكان تبرير صمت الأغلبية إزاء كل الممارسات البغيضة التي تفننت في مصادرة الحقوق و الحريات وجعلت الاعلام  في اغلب الأحيان مقيدا و اقرب الى سلطة راكعة منه الى سلطة  ناقدة ومراة تعكس درجة وعي ورقي الشعب, ولكن  الواقع اليوم وبعد سقوط  كل قيود الخوف فان الصمت  سيجعلنا في موقع المتواطئ بل و في موقع الشيطان الاخرس وشهود الزور الملعونين في كل الازمان والتاريخ هذه المرة لن يرحم أحدا ولن يكون بالإمكان التعلل بأننا لم نكن ندري …

ليس من الطبيعي في شيئ اليوم أن يستمر العمل في أعرق الصحف في البلاد دون وجود هيئة تحرير تشرف على الخط التحريري لصحف الدار , وليس من الطبيعي في شئ أيضا أن يستمر العمل في صحيفة بحجم الصباح دون وجود اجتماع تحرير يومي يقيم  يحدد و يستشرف الاحداث وليس من الطبيعي في شئ  أن لا يكون لمؤسسة في تاريخ دارالصباح ميثاق يجمع بينهم ويكون عهدا أخلاقيا مشتركا و حصنا للمؤسسة ولكن أيضا لابناءها لمواصلة الرسالة المقدسة التي يقومون بها والاستفادة خاصة من المناخ  الجديد في البلاد وما تحقق بعد الثورة من مكاسب لحرية الراي والتعبير وانهيار جدران الخوف واستعادة الاعلام الموقع الذي يستحق بعيدا عن مظلة السلطة وقيودها .وليس من الطبيعي أيضا أن يتفرد بالقرار مسؤول بعينه و يكون له التصرف المطلق في كل صغيرة و كبيرة و كأن البلاد لم تعرف ثورة يفترض أنها وضعت حدا لكل هذه الممارسات المقيتة .

خمس وستون عاما مرحلة مهمة في تاريخ أي مؤسسة تتطلع الى مواكبة الحاضر ولكن أيضا وهذا الأهم الى الاستعداد للمستقبل بكل ما يعنيه ذلك من مراجعة لما فات واصلاح ما ينبغي إصلاحه في عالم لا يتوقف عن التغيرالسريع …من حقنا اليوم وأكثرمن أي وقت مضى أن نتسائل لا عن مصيرالمؤسسة باعتبارها من الأملاك المصادرة ولكن وهذا الأهم عن مصيرالإصلاحات التي حلمنا بها وطالبنا بها بعد الثورة لتكريس وضمان ثقافة حرية الاعلام وتهيئة الأرضية للمهنية والاستقلالية بعيدا عن كل اشكال الرداءة والابتذال و الاثارة و بل ان قناعتنا أنه كلما بكرنا في ترسيخ ذلك كلما فرضنا على المالك الجديد للدار مهما كان انتماؤه السياسي و الايديلوجي احترام تلك المكاسب وتعزيزها بما يخدم المشهد الاعلامي و مصلحة الاعلامين

نعم , نرفض أن نكون شهود زور وأن نقبل بدور المتفرج على احتفالات  يتوافد فيها المسؤولين على الدار للاتقاط الصور وتوزيع الابتسامات وتقديم التصريحات المتفائلة في غياب ثقافة المحاسبة والمسائلة  التي نسعى اليها لا بهدف التشفي أو الانتقام لا سمح الله ولكن بهدف المراجعة واصلاح ما يستوجب الإصلاح قبل فوات الأوان …

من حقنا في هذا اليوم وكل يوم أن نسأل أصحاب القرارأن يكشفوا لابناء المؤسسة وهم الذين كانوا ومازالوا حصنها المنيع  أمام كل محاولات الهيمنة الحقائق المغيبة..

طبعا لن نطلب كشف الأرقام و المبيعات فتلك مسألة لا نود إيقاع المسؤولين في الاحراج بشأنها و لكننا سنسأل هل من وقفة صادقة لتحديد الأسباب التي جعلتنا نتراجع الى هذا الحد والحال أن المؤسسة تمتلك من الكفاءات والقدرات و خاصة من استعدادات أبنائها لتقديم المبادرات والمساهمة من اجل الأفضل و اكتساح السوق المحلية ولم لا الوصول الى الأسواق الخارجية في دول الجوار …

لن نسقط في استعراض سلسلة المهازل التي مرت بنا والانتهاكات التي نعيش على وقعها ونترفع عن ذكر كل محاولات الصنصرة والاقصاء الممنهج التي طالتنا  أو لسقوط في لعبة نشرالغسيل الداخلي الذي يمكن ان يكون موضوع مدونة تنشر لتستفيد منها الأجيال  القادمة على الأقل في إرساء قواعد جديدة في التعامل واحترام الاخروتقدير الكفاءات في مؤسساتنا الاعلامية ..

أخيرا وليس اخرا تبقى هذه المقالة التي أعرف أنها لن تجد موقعا على أعمدة صحيفتي التي اعتز بالانتماء اليها كعديد المقالات السابقة رأيا لا يلزم غيري بعد ما رأيته و خبرته من انصراف الجميع عن الاهتمام أوالانشغال بما نعيش على وقعه يوميا وبما يمكن أن يؤول اليه في حال استمر الوضع على حاله من استمرار الهروب الى الامام …

ما لا يعرفه الكثيرون أن سردار الصباح ليس بيد أي مسؤول مهما كان موقعه, سر بقاء الصباح واستمرارها يسري في دماء أبناءها من مختلف الأجيال  المتعاقبة وهم الذين امنوا بها وحملوا عشق المؤسسة التي ينتمون لها في قلوبهم تماما كما حملوا في عروقهم ثقافة العمل التي غابت في مجتمعنا اليوم وهم الذين يواصلون أيضا المسيرة كل من موقعه ويجتهدون كل يوم في تقديم ما يجده القارئ بين يديه ..

لمن يريدون لنا أن نبقى في دور الشيطان الاخرس ,لا نملك الا أن نقول أن من عانق الاعلام الحر وتذوق حرية الرأي والتعبير لن يقبل على نفسه بالعودة الى زمن الاذلال و المهانة وأننا  سنظل نحتكم الى ضميرنا وستبقى كلماتنا واقلامنا شامخة طالما بقي فينا نفس…

  • صحفية في الشأن الدولي برتبة رئيس تحرير أول بجريدة الصباح

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.