الرئيسية » هل هكذا يعامل قضاة الدولة في تونس اليوم !؟

هل هكذا يعامل قضاة الدولة في تونس اليوم !؟

تساؤلات حول وضع القضاء في تونس في عهد الرئيس قيس سعيد يسوقها قاض خبر عهدين من تدخل السلطة التنفيذية في عمل القضاء إلى كل من يشارك اليوم في تنفيذ “أعنف” المحاولات في تاريخ القضاء التونسي لإخضاع القضاة وامتهان كرامتهم والاستيلاء على مؤسساتهم تحت مظلة الأحكام العرفية ومكافحة الفساد.


بقلم القاضي أحمد الرحموني

حتى لا نتهم بأننا ندعو إلى دولة القضاة إو إلى تلك الدولة داخل الدولة، فإني أعتبر نفسي -على حد تعبير رئيس الجمهورية- أحد قضاة الدولة التونسية الذين خبروا على امتداد عقود “ولاية القضاء” وفي عهدين متتالين وكابدوا الأمرين ولا زالوا سواء في ممارسة “وظيفتهم السامية” أو في الدفاع عن المصالح المعنوية والمادية لعموم القضاة أو من أجل بناء سلطة قضائية مستقلة. 

وحتى لا أنسى فإني أذكر أن أول مرة ولعلها الأخيرة التي اجتمعت فيها مع قيس سعيد دون أن يكون ذلك مناسبة لأي حديث شخصي) كانت بتاريخ 30 أفريل 2014 بمقر المجلس الوطني التأسيسي (مجلس نواب الشعب حاليا) و ذلك في إطار لجنة شهداء وجرحى الثورة وبدعوة منها بقصد المشاركة بإبداء الرأي مع خبراء آخرين في مشروع قانون أساسي يتعلق بإحداث دوائر قضائية متخصصة للنظر في قضايا شهداء الثورة. 

“المتفرد” قيس سعيد يقول في القضاء ما لم يقله مالك في الخمر

وأذكر أيضا دون الدخول في تفاصيل كثيرة أن مشروع القانون الذي تم في الأخير استبعاده كان مشروعا غير دستوري ويتناقض مع مبادئ القضاء الطبيعي والمحاكمة العادلة فضلا عن أن إقراره كان سيؤدي إلى التخلي عن الاختصاص الاستثنائي للمحكمة العسكرية ليتم تعويضه بإجراءات استثنائية من نفس الطبيعة.!

لكن الملفت للانتباه (على الأقل بالنسبة إلي) هو دفاع أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد لا فقط على إحداث دائرة خاصة بتلك القضايا بل الاتجاه إلى إقرار تركيبة مختلطة لها، غير مسبوقة ولا دستورية، تجمع قضاة وأعضاء من غير القضاة يتم اختيارهم طبق معايير النزاهة والاستقلالية.! 

لكن ربما علق بذهني هذا التفرد لأستاذ معروف، لم نكن قد سمعنا به قبل الثورة، غير أنه لم يدر بخلد أي أحد أن ذلك “المتفرد”سيصبح بعد خمس سنوات رئيسا للجمهورية وأن يقول في القضاء (على الأقل فيما يخصنا) ما لم يقله مالك في الخمر.!

وللحقيقة فإننا لم نعد نستطيع أن نلاحق قيس سعيد في خطابه اليومي عن القضاء والقضاة وقضايا الناس المنشورة سواء بالتصريح أو الإشارة حتى اننا أصبحنا نعتقد انه لايبيت ليلته مرتاحا إلا بعد الحديث عن القضاء أو الهجوم عليه أو حتى”ترذيله” في عيون الناس.

صورة للاجتماع المنعقد في 30 افريل 2014 بالمجلس الوطني التأسيسي بمشاركة الكاتب و الأستاذ قيس سعيد.

فهل يمكن أن يكون قيس سعيد من الذين التبست عليهم حقيقة القضاء وموقعه في الدولة ودوره في حماية حقوق الناس وحرياتهم و ما عرفه تاريخه في البلاد من صراع من أجل افتكاك استقلاله وحفظ كرامته وترسيخ ثقة الناس فيه فيكون موقفه منه بسبب أن “الإنسان عدو ما يجهل” أم انه على خلاف ذلك أكثر العارفين بخباياه والمقدرين لخطورته والمدركين لأمراضه ومواطن ضعفه وحتى فساده فيكون هو الأجدر بأن يتولى إصلاحه ويختص بالاشراف عليه!؟ أم ان إصلاح القضاء هو شأن عام يخضع في كل دولة مدنية إلى مبادئ ومواثيق ومؤسسات وهيئات ويقتضي وجوبا تداخل الجهات التي أوكل لها الدستور أو القانون أو الشرعية الانتخابية أو توزيع الاختصاصات بين سلطات الدولة تنظيم العدالة والقضاء أو ضمان حسن سيره واحترام استقلاله أو إبداء الرأي في المقترحات ومشاريع القوانين المتعلقة به فيكون رئيس الجمهورية بذلك معزولا عن النظر في إصلاح القضاء خارح ما تسمح به سلطاته المشروعة واختصاصاته المحددة .!؟

“أعنف” المحاولات في تاريخ القضاء التونسي لإخضاع القضاة

لا شك أن قيس سعيد بحكم تكوينه القانوني وانتسابه للتقاليد الجامعية فضلا عن زواجه من قاضية كان والدها قاضيا أيضا (إشراف شبيل وتباشر عملها بالرتبة الثالثة بمركز الدراسات القضائية والقانونية)، لا يمكن أن يجهل بصفة شخصية واقع القضاء وحدود التعامل معه ومحاذير التدخل في شؤونه والتشهير به والانتقاص من قدره زيادة على معرفته الأكيدة بعوائق استقلاله الداخلي والتأثيرات الخارجية على قضاته.

كما نشير إلى انه لم يكن يخفى حتى قبل 25 جويلية 2021 ان قيس سعيد يشرف فعليا على وزارة العدل بواسطة عدد من القضاة المخضرمين الذين اختارهم لأسباب شخصية لتولي مقاليد الوزارة السيادية (ثريا الجريبي، محمد بوستة، ليلى جفال.) ولذلك علينا أن نتساءل، هل أن  قرب قيس سعيد من القضاء قد جعله في مفارقة عجيبة يضغط عليه إلى حد الاختناق.! وأيضا ما دور زميلتنا وزيرة العدل (ليلى جفال) التي لا زالت تنتسب للقضاء منذ 35 سنة وكذلك ما دور شريكنا في تحقيق العدالة وزير الداخلية (توفيق شرف الدين) الذي انتسب للمحاماة منذ 26 سنة وهما يشهدان ويشاركان (ربما بالنصيحة!) في تنفيذ “أعنف” المحاولات في تاريخ القضاء التونسي لإخضاع القضاة وامتهان كرامتهم والاستيلاء على مؤسساتهم تحت مظلة الأحكام العرفية ومكافحة الفساد: هل هكذا يعامل قضاة الدولة!؟

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.