الرئيسية » الى الرّئيس قيس سعيّد و أنصاره : احذروا هذه الكارثة التي قد تقودون إليها أنفسكم و البلد !

الى الرّئيس قيس سعيّد و أنصاره : احذروا هذه الكارثة التي قد تقودون إليها أنفسكم و البلد !

قيس سعيد و المنظر اليساري رضا شهاب المكي شهر “رضا لينين”.

إنّ الربط المتعنّت بين مقاومة الفساد و ‘الديمقراطية القاعدية’، ورفض الرئيس قيس سعيد للحوار حتى مع من يسانده من الأحزاب و المنظمات و الجمعيات، و تجاهل المثقفين والاعلاميين عموما، والانخراط في حملات التخوين أو التحقير أوالتشويه دون رقيب، والإصرار على النهج الفردي في العمل عند الرئيس، والإصرار على العمل الانعزالي عند تنسيقيات أنصاره، وغيرها من العوامل يمكنها أن تؤدّي إلى فشل الرئيس في إقناع الشعب بالديمقراطية القاعدية في الاستفتاء المزمع اجراؤه. وعندها سيكون الرئيس وأنصاره أنفسهم سبب فشل مقاومة الفساد نفسه وسبب فشلهم السياسي اللاحق، و، خاصّة، سبب احتمال وصول تونس إلى نفق مسدود…

بقلم مصطفي العلوي

كنت قد كتبت في صفحتي الفايسبوكية يوم 24 سبتمبر 2021 أن الأمر الرئاسي ليوم 22 سبتمبر مثل هروبا سياسيا إلى الأمام مبالغا فيه بتحويله وجهة النضال الوطني الاجتماعي الديمقراطي ضدّ الفساد إلى اتجاه غير مرغوب فيه سياسيا لأسباب عديدة ذكرتها وقتها باختصار. وكنت قد نبّهت في نصّين آخرين إلى مخاطر ما يروّجه أنصار الرّئيس قيس سعيّد عن “الديمقراطية القاعدية”، وكان الأول قد صدر يوم 29 سبتمبر تحت عنوان عنوان “قيس سعيّد و مشروع ‘ الدّيمقراطيّة القاعديّة’ في تونس : القاعدة التي قد تغرق الهرم الديمقراطي ! …” (2) و الثاني قد صدر يوم 9 أكتوبر تحت عنوان “ملاحظات سوسيو- سياسيّة نقدية انطلاقا من حوار الصّديق رضا شهاب المكّي الأخير في قناة ‘التّاسعة ‘ حول مشروع ‘ الديمقراطية القاعدية ‘…” (3).

أرغب اليوم في التحذير من أمر خطير آخر قد يحدث ارتباطا باللجنة التي أشار اليها الأمر الرئاسي يوم 9/22 في فصله ال22 والتي يفترض أن يشكلها الرئيس من الخبراء لإعداد مشاريع إصلاح النظامين السياسي والانتخابي التي ستعرض على الاستفتاء لاحقا.

ماذا لو رفض الشعب مضمون الاستفتاء ؟

بقطع النظر عن الإتفاق أو الاختلاف أصلا حول ‘الديمقراطية القاعدية’، قد يوجد في خصوص مسألة الاستفتاء مشكل كبير في تونس يمكن أن يؤدّي إلى أزمة كبيرة فيها بسبب ما يلي :

1- نحن الآن في وضعية استثنائية في حرب على الفساد بلا برلمان وبربع دستور وأمر رئاسي ينظمان السلط في الدولة مؤقّتا حميا الدولة بعد 25 جويلية من مخاطر احتمال الفراغ عبر التنصيص على خلافة رئيس الحكومة أو وزير العدل لرئيس الجمهورية في صورة الفراغ في منصب الرئيس. ولكن هنالك مشكل آخر قد يصبح أكبر من الحرب على الفساد نفسها.

2- حسب الفصل 22 من الأمر الرئاسي ليوم 22/9/2021 وحسب تصريحات إعلامية فإنّ الرّئيس سيقوم بتكليف لجنة خبراء قانون تحضّر مشروعين للنظام السياسي و القانون الانتخابي سيعرضان على استفتاء شعبي يكون على ما يبدو إعلانا لنهاية الفترة الاستثنائية.

3- و الاستفتاء كما هو معروف كلاسيكيّا، يصوت عليه بالقبول أو الرّفض إذ لا يوجد اختيار ثالث إلا مقاطعة الاستفتاء نفسه.

4- والمشكل الأكبر هنا هو الاحتمال التالي : ماذا لو رفض الشعب مضمون الاستفتاء كما يريده الرّئيس قيس سعيّد ولم يوافق على ‘الديمقراطية القاعدية’؟

5- في هذه الحالة سوف يفقد الرئيس مشروعيته – دون فقدان شرعيته لأنه منتخب سنة 2019 – و قد يجد نفسه أخلاقيّا-سياسيّا في وضعية المضطرّ إلى تقديم الاستقالة خاصة إذا كانت النتيجة هزيمة كبيرة مثلا، وهو أمر ممكن سنعود إليه بعد قليل.

6- والمشكل وقتها، إذا تمسّك قيس سعيّد بصيغة الاستفتاء على مشروع ‘الديمقراطية القاعدية’ وانهزم، أننا سنجد أنفسنا مضطرّين : أ- إمّا إلى مواصلة العمل بالإجراءات الاستثنائية من جديد (مع قيس سعيد أو دونه) في انتظار استفتاء ثان (يكون من اقتراحه هو نفسه (!) أو الرئيس الذي سيعوضه لو استقال إثر الهزيمة مثلا وسيكون رئيس حكومته السابق)- لأنه لا يحق لأحد غيره الدعوة إلى استفتاء طالما أن البرلمان مجمّد أو محلول.

ب- أو عبر الدعوة (من سيقوم بها؟) إلى إعادة تفعيل الدستور والقانون الانتخابي الحاليين (دستور 2014 و القانون الانتخابي ‘الحالي’) للخروج من الوضع الاستثنائي والعودة إلى الوضع الطبيعي.

7-و إنّ السبب في احتمال هزيمة قيس سعيّد الواردة أعلاه يعود الى الأمور التالية :

أ- صيغة الاستفتاء الكلاسيكي التي يرغب قيس سعيد في فرضها على الجميع و التي لن تقدّم إلى المواطنين سوى خيار قبول أو رفض ‘الديمقراطية القاعدية’ بنظامها السياسي وقانونها الانتخابي.

ب-رفض قيس سعيّد الحوار مع الأحزاب و الجمعيات والمنظمات والشخصيات الوطنية إلى الآن بما يعني، مثلا، أنه لن يكون مستعدّا للاستماع إلى مقترحات إتحاد الشغل – الذي جمع خبراء أيضا ويريد تقديم مقترحات في تعديل النظام السياسي و القانون الانتخابي – أو غيره ممن يفكّرون في ذلك من أفراد وتنظيمات وهو ما يؤكّد العنصر السابق (أ).

ت- احتواء ما تسرّب من مشروع ‘الديمقراطية القاعدية’ عن الرئيس نفسه و عن أنصاره على مبادئ معادية لبعض أبسط مبادئ الديمقراطية الحديثة و معادية خاصة لجميع الأحزاب السياسية المؤمنة بها – من أقصى اليمين الى أقصى اليسار – والتي يمكنها – رغم مساندة بعضها له ضد الفساد وفي قضايا أخرى – أن ترفض الاستفتاء وتنجح في إفشاله لأنّه يهدّدها جميعا. وهذا ممكن جدّا إذا عرفنا أن أنصار الرئيس السياسيين هم حوالي 600 ألف (نتيجة الدور الأول) من مليونين و700 ألف ناخب (حسب انتخابات 2019) صوتوا له مع إضافة من صوّت لمنافسه نبيل القروي (فهم لن يكونوا مع ‘الديمقراطية القاعدية’ عموما) وعددهم كان فاق المليون صوت (مليون و43 ألف تقريبا). ورغم تغير المعطيات الآن بسبب مسألة مقاومة الفساد الا أن استغلال ذلك لتمرير تغيير جذري للنظامين السياسي والانتخابي قد يؤدّي الى ردّة فعل غير منتظرة يمكنها أن تفشل هدف قيس سعيد من الاستفتاء بسهولة طالما ستكون كل الأحزاب – التي يعاديها – و الأحزاب والمنظمات والجمعيات – التي يرفض استشارتها على الأقلّ – ضدّه.

‘الديمقراطية القاعدية’ تحتوي على أفكار معادية لأبسط مبادىء الديمقراطية

8- طبعا سيقول البعض إن الأمور تغيرت بعد 2019 وأن الإحصائيات أعلاه تجاوزها الزمن في 2021 بدليل استبيانات الرأي الأخيرة، وهذا صحيح ولكن جزئيا فحسب. إنّ الاستبيانات نفسها يجب أن تقرأ في سياقها الحالي لأن الثقة في قيس سعيد هي في شخصه و بسبب حربه المعلنة على الفساد و لكنّها ليست بسبب تبنيه ‘الديمقراطية القاعدية’ كبديل سياسي بدليل أن ‘الحزب الدستوري الحرّ’ يحتل المرتبة الأولى في التوقعات التشريعية متقدّما على ‘حزب الرئيس’ المفترض مثلا.

9-أكثر من هذا، و’الحملة على الفساد’ نفسها قد تعتريها صعوبات ونواقص بالمناسبة وهي تتعرض منذ الآن إلى انتقادات حتى من مناصريها، فانّه بسبب موقف قيس سعيّد (و خاصة أنصاره) من المثقفين و من وسائل الاعلام، فإن الدعاية أثناء الاستفتاء ستكون غير متوازنة تماما ولصالح رافضي ‘الديمقراطية القاعدية’ ولن تكون للرئيس سوى صفحة فايسبوك الرئاسة ولأنصاره سوى صفحاتهم وحملاتهم التفسيرية. وهذا سيختلف عن انتخابات 2019 (عكس ما قد يخمّن البعض) لأن مشروع الرئيس الاستفتائي لن ينافس 25 مشروعا مشتتا آخر في دور أوّل ليمرّ بعد ذلك الى دور ثان وليجد نفسه أمام مشروع فاسد، بل قد ينافس أنصار كل الأحزاب و المنظمات و الجمعيات ووسائل الإعلام وكبار الفقهاء الدستوريين، وغيرهم، مجتمعين.

10-ولن يكون هذا الاصطفاف -الذي قد يؤدّي الى الهزيمة – بسبب انقسام فسطاطي الخير و الشر و الصلاح و الفساد كما قد يتوهم الرئيس نفسه أو أنصاره، بل بسبب مشكل استثمار الحرب على الفساد لتمرير مشروع ‘الديمقراطية القاعدية’ و كذلك بسبب مشكل هذه ‘الديمقراطية القاعدية’ نفسها لأنّها تحتوي على أفكار معادية لأبسط مبادىء الديمقراطية الحديثة – كما بينا ذلك مثلا في المقالين 2و 3 المشار إليهما أسفله – والتي من بينها مثلا :

أ- ‘وجوبية الانتخاب ‘التي هي ضدّ اعتبار الانتخاب حقّا. وهي فكرة تسلطية تفرض على المواطن الاقتراع وتعاقبه إن لم يفعل وتعاقب الحق في مقاطعة الانتخاب وخاصة المقاطعة النشيطة.

ب- وجود طريقتان للترشح : في داخل تونس حسب مبدأ الترشح الفردي وفي الخارج حسب مبدأ القائمات المفتوحة وهو ما يعني ازدواج النظام الانتخابي وإعطاء المهاجرين حرية أكبر في الاختيار.

ت- رفض الترشح باسم الأحزاب ورفض الدعاية الحزبية أثناء الانتخابات وهو مبدأ تسلّطي يحرم الحزب من حقه في الترشيح و الدعاية ويؤدي إلى حرمانه من حقه في الوصول إلى السلطة بوصفه حزبا سياسيا .

ث – اعتماد العمادة فحسب كدائرة انتخابية -ترابية داخل المعتمدية وهو يعادي أبسط مبادىء الديمقراطية لأن العمادة دائرة ترابية وليست انتخابية و توجد معتمديات في تونس بها أكثر من 150.000 مواطن بينما أخرى بها أقلّ حتى من 5.000 مواطن مما يعني (في حال تمثيل كل معتمدية بنائب) عدم اعتماد التمثيل المواطني (الديمغرافي) واعتماد التمثيل الترابي الذي لا معنى له ديمقراطيا زيادة على كونه يضرب في العمق مبدأ الأغلبية والأقلية .

ج- اعتماد مبدأ ‘القرعة’ للتصعيد من ‘المجلس المحلي’ إلى ‘المجلس الوطني’ و ‘المجلس الجهوي’ و هو مبدأ يضرب – مثل سابقه – فكرة الأقلية والأغلبية إذ يمكن لتيار سياسي أو مواطني أن يفوز بأغلبية مقاعد المعتمدية ولكن نائبين أقليين يمكنهما الفوز بالقرعة للصعود إلى العاصمة ومركز الولاية وهو ما يؤدي إلى مشاكل كبرى بين مجلس المعتمدية وممثليه وطنيا وجهويا ويفتح الباب أمام تواتر سحب الثقة وتكراره جهويا ،الخ.

ح- الاساءة الى مبدأ سحب الثقة -الجيّد مبدئيّا – من خلال وضعه ضمن إطار الصراعات في العمادات داخل المعتمدية وربطه بتقنية ‘القرعة’ التي تضرب التصعيد إلى الأعلى حسب الأغلبية مما سيؤدي إلى ابتذال المبدأ وتحويله إلى معول سهل الاستعمال لهدم مبدأ التمثيلية الديمقراطية.

وهكذا، مثلا، يمكن بسهولة للأحزاب – من أقصى اليمين الى أقصى اليسار – أن تتحد في رفض ‘الديمقراطية القاعدية’ رغم اختلاف تلك الأحزاب الحادّ في مسألة مقاومة الفساد الآن أو في أي وقت وفي أي مسألة أخرى. بل إن المواطنين أنفسهم، دون دعاية حزبية وإعلامية كبيرة، سوف يرفضون بتلقائية هذه الديمقراطية التي تفرض عليهم الاقتراع غصبا عنهم وتمنعهم من المقاطعة الحرّة لها لأنّه أمر غير مقبول في القرن 21 و هو حقيق بنظام تسلّطي قديم. هذا وان ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية التي قد تزداد سوءا قد تعمق ذلك وتدفعهم إلى ما هو أكثر في علاقة بالسياسة عموما….

خطورة الربط المتعنّت بين مقاومة الفساد و ‘الديمقراطية القاعدية

خاتمة: إنّ الربط المتعنّت بين مقاومة الفساد و ‘الديمقراطية القاعدية، ورفض الحوار حتى مع من يساند من الأحزاب و المنظمات و الجمعيات، و تجاهل المثقفين والاعلاميين عموما، والانخراط في حملات التخوين أو التحقير أوالتشويه دون رقيب، والإصرار على النهج الفردي في العمل عند الرئيس، والإصرار على العمل الانعزالي عند تنسيقيات أنصاره، وغيرها من العوامل يمكنها أن تؤدّي إلى فشل الرئيس في إقناع الشعب بالديمقراطية القاعدية في الاستفتاء المزمع اجراؤه. وعندها سيكون الرئيس وأنصاره أنفسهم سبب فشل مقاومة الفساد نفسه وسبب فشلهم السياسي اللاحق، و، خاصّة، سبب احتمال وصول تونس إلى وضعية تجد الدولة فيها نفسها برئيس ضعيف المشروعية – لأنه خاسر للاستفتاء الذي عرضه على الشعب – وبحكومة متضررة من ذلك – لأنها حكومة الرئيس – ودون برلمان ودون دستور جديد ودون قانون انتخابي جديد مما قد يضطرها إما الى تنظيم استفتاء آخر أو العودة الى دستور 2014 أو دخول تجربة ‘تنظيم مؤقّت’ جديد للسلط أو حتى، لا سمح الله و التاريخ، دخول مرحلة أزمة شرعية ومشروعية خانقة بسبب القطيعة بين الحكم و المعارضة قد تحتم عملا عسكريا ما، ولو انتقاليا، لحماية الدولة و المجتمع مما قد يحدث، في حين كان من الممكن تفادي كل هذا بإجراء تعديلات دستورية وانتخابية تشاركية مع كل من يقبل بذلك من الأحزاب و المنظمات و الجمعيات و الشخصيات على قواعد وطنية واجتماعية وديمقراطية واضحة (منها مقاومة الفساد السياسي و المالي) ولكن دون ‘عقائدية قاعدية’ و’طهرية قاعدية’ تبقيان مع ذلك حقا لمتبنيها بشرط أن يقترحوها في مرحلة لاحقة للوضع الاستثنائي الإنقاذي الحالي الذي يتطلّب، على العكس، تسويات تاريخية (وليس مساومات) وتكتلات تاريخية كبرى إنقاذية لتنجح في كبح جماح قوى الجذب إلى الوراء خارجيا و داخليّا….

مدون كاتب و باحث مستقل.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.