الرئيسية » قيس سعيّد يمضي في نهجه الإصلاحي بثبات في تونس، فهل يدخل التاريخ؟

قيس سعيّد يمضي في نهجه الإصلاحي بثبات في تونس، فهل يدخل التاريخ؟

يمضي السيد قيس سعيّد رئيس الجمهورية بثبات نحو التغيير المنشود من خلال تعيين رئيسة للحكومة المقبلة، وآثر أن يكون رئيسها هذه المرة امرأة مخالفا بذلك طقوس كل الرؤساء السابقين الذين يختارون الرجال ولا يرشّحون النساء لهذه المهمة الصعبة، ورغم أن الظرف حسّاس جدا إلا أن الرئيس اختار السيدة نجلاء بودن رمضان لقيادة المرحلة المقبلة وهي مرحلة دقيقة على المستويات كلها، وتقتضي من رئيسة الحكومة الجديدة أن تكون على قدر كبير من الذكاء والدهاء والقدرة على تجاوز الامتحان بكل جدارة واستحقاق.

بقلم فوزي بن يونس بن حديد

ويبدو أن رئيس الجمهورية أراد من خلال هذا التعيين أن يبين أن المرأة التونسية يمكن أن تحقق ما لم يستطع الرجل أن يحققه ربما لأن بعض النساء يتميزن بقدرتهن على القيادة واستيعاب الصدمة بكل زواياه وبنظرات مختلفة وربما تستطيع هذه المرأة في هذه الفترة أن تلملم الجراح التي ثخنت نتيجة تراكمات لصراعات كبيرة وثقيلة وبدأت تتوسع يوما بعد يوم.

ورغم أن المرأة لم تباشر عملها كرئيسة للحكومة أو هي باشرت للتو، إلا أن الذباب الأزرق بدأ يعمل منذ الوهلة الأولى وشككوا في خطوة الرئيس وأرادوا به وبها كيدا، حيث بدأوا كعادتهم بالاستهزاء والسخرية والنبش في ماضي المرأة واعتبارها فاشلة حتى قبل أن تبدأ مهامها، كما أن البعض أراد تشويه سمعتها وبيان أنها تحتاج هي نفسها إلى من يقاضيها على الفساد، وكلها تأويلات وتشهير بهذه الشخصية للتشويش على إصلاحات رئيس الجمهورية، ولكن إذا استطاعت المرأة التونسية أن تثبت جدارتها هذه المرة فستكون نقطة انطلاق نحو الجمهورية الثالثة التي يؤسّسها السيد قيس سعيد، لا سيما وأن الرئيس ركّز في حديثه مع المكلفة برئاسة الحكومة على نقطتين مهمتين وهما مكافحة الفساد والعمل على تأمين الحياة الطيبة والكريمة لجميع التونسيين.

من أجل نظام سياسي جديد

وبالطبع هذه الحكومة لا يمكن تفسيرها بأنها حكومة عادية بل حكومة أزمة لأنها جاءت والبلاد تشهد أزمات متتالية منها السياسي والاقتصادي والصحي والاجتماعي، وبالتالي يمكن أن تكون حكومة مصغرة تقتصر على الكفاءات لإخراج البلاد من محنتها وربما نشهد دمجا لبعض الوزارات تخفيفا للإنفاق الذي فاق كل التوقعات خلال العشرية السابقة أنهكت الدولة على جميع المستويات وتعمل من أجل إنقاذ تونس والبحث عن الوسائل والسبل الكفيلة بتحويل البلاد من بلاد تعيش أزمة إلى بلاد تحقق نموا وذلك لن يكون إلا بمساندة هذه المرأة التي تُعِد فريقها للعمل بعد أن أوصاها رئيس الجمهورية بأن تعمل على تشكيله في أقرب وقت ممكن، ولا ريب أن هذا التشكيل لن يكون سهلا البتة بل يحتاج إلى دراية كبيرة وبحث طويل عن الأشخاص الذين سيحملون هذه الأمانة في الفترة المقبلة إلى حين إجراء الإصلاحات السياسية الضرورية والتعديلات الجوهرية على دستور 2014 ومنه ينبثق النظام السياسي الجديد الذي يعتمد في الأساس على النظام الرئاسي.

حان الوقت لمحاسبة المفسدين

وفي ظل أحزاب ضعيفة، وعلى مشروع التفكك الذي بدت عليه حركة النهضة التي هي من أكثر الأحزاب قوة وشعبية، يمضي رئيس الجمهورية في مشروعها الإصلاحي بكل قوة وثبات يسانده في ذلك الجيش التونسي وقوى الأمن وكثير من أبناء الشعب الذين يتوقون إلى غد أفضل بعيدا عن أي مناكفات سياسية وصراعات أيديولوجية ومصالح شخصية، فكثير من الشباب العاطل عن العمل يبحث عن الاستقرار في تونس بعد أن ضاقت به السُّبل، وكثير من الأسر التي تعاني الخصاصة تنتظر من يأويها ويعولها، وكثير من البنى التحتية المهترئة تنتظر من يصلحها، فلا مجال اليوم للتكاسل ولا مجال للتحايل ولا مجال للتردّد، فالوقت حان للعمل الجدي من أجل المحاسبة الدقيقة وتوفير الأمن الغذائي والصحة للجميع والتعليم وإتاحة المجال للكفاءات أن تبدع في كل المجالات.

نحن على أبواب تونس جديدة تريد أن تكون مختلفة عما شهده التونسيون خلال السنوات العشر الماضية، وتمضي عجلة الاقتصاد لترفع اسم تونس عاليا وتلحق بالركب في أقرب الآجال، كلها أمان وتمنيات ولكنها قد تتحقق يومًا رغم كل هذه العراقيل والصعوبات ويدخل السيد قيس التاريخ بأنه غيّر موجة البلاد من مستوى تحت الصفر إلى متوسط في البداية ثم إلى فوق المتوسط ثم إلى حسن وهكذا تدرّجا من الوضع الذي نحن فيه، ونأمل من السيد نجلاء أن تجد الطريق المناسب الذي يساعدها على فهم مكونات الشعب التونسي وإرساء إصلاحات أساسية وجوهرية بالبلاد للخروج من عنق الزجاجة بسلام.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.