الرئيسية » أحمد فرحات حمودي يكتب حول القرارات الجديدة لرئيس الجمهورية: في رأيي، اليوم البلد في الطريق الصحيح

أحمد فرحات حمودي يكتب حول القرارات الجديدة لرئيس الجمهورية: في رأيي، اليوم البلد في الطريق الصحيح

رأي فيما يحدث
(أول مقال سياسي لي بعد 25 جويلية)
قال الزعيم الفقيد منجي اللوز يوما، عندما حاججه أحد الرفاق في الحزب الديمقراطي بأن طرحنا السياسي حينها (نهاية 2006 ) غير ممكن وأن السياسة هي فن الممكن قال منجي اللوز بلسان فرنسي فصيح : c’est vrai, la politique est l’art du possible, mais elle est aussi et surtout, l’art de rendre le nécessaire possible
لروح منجي اللوز الملهم والمعلم السلام
هي إذن السياسة، ليست فقط فن الممكن بل وخاصة هي فن جعل الضروري ممكنا. لا ضير عندي من التذكير بوضع تونس وأهلها قبيل 25 جويلية : نكد وطني عام. الحزن يطبق على البلاد. حالة من الضجر والقلق الوطنيين من طريقة إدارة البلاد. أخطبوط الفساد يزداد توسعا. مشهد برلماني يثير السخرية والحاجة للتقيئ، نائب ينعت رفاقه في نفس الحزب بالنعاج، عنف واعتداءات وبيع وشراء وإمضاءات في الهواء ولكن الصورة كانت مطابقة لما كان يجب أن يكون عليه الوضع بعد عشر سنوات من الاحتيال والخداع سمي بهتانا ديمقراطية. انهيار فضيع للمرفق العمومي. كان هذا البؤس المتراكم الشرارة التي أوقدت احتجاجات شبابية واسعة اندلعت منذ بداية العام 2021 قوبلت بعنف شديد واعتقال الآلاف. يوم السادس من فيفري وفي الذكرى الثامنة لاغتيال الشهيد شكري بلعيد أغلقت العاصمة تونس بطريقة لم تشهدها حتى في أعتى فترات استبداد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. اشتغلت آلة التشويه والتضليل لتبخيس ما حدث ونعتت الشباب المحتج باللصوص والمخربين والسفلة لأنهم أراقوا دهنا أبيض على سترات البوليس السوداء. حملة انخرط فيها عدد من الذين يتباكون اليوم عن الحرية، يومها إما هاجموا هذه الاحتجاجات أو اكتفوا بالصمت في أحسن الحالات. أطبقت الأحزاب الحاكمة على رئيس الحكومة الذي صار لعبة بيديها وانخرط معهم في لعبة البيع والشراء. كان الوضع حالكا وأعداد ضحايا الوباء ترتفع سريعا. فشلت الأحزاب التاريخية المقاومة للديكتاتورية في التأثير في الواقع وازدادت نقمة المواطنين على المنظومة الحزبية برمتها. كان اتحاد الشغل غارقا في اشكالاته الداخلية والصراع حول الفصل عشرين (19).
وعندما كنت تسأل الجميع ما هو الحل كان جواب الأغلبية هو ضرورة رحيل منظومة الاحتيال وعلى رأسها حركة النهضة الحاضرة دوما في الحكم منذ نوفمبر 2011 وعندما تردف السؤال الأول بسؤال ثان هو كيف؟ تتعدد الأجوبة من الحوار الوطني (من يتحاور مع من؟) إلى الدعوة لانتخابات مبكرة (بأي قانون انتخابي؟ وأي قانون أحزاب؟) كان العجز هو السمة العامة لأغلب الفاعلين السياسيين لا سيما والفجوة التي كانت تفصلهم عن الناس تزداد اتساعا يوم بعد يوم. في الجهة المقابلة كانت كتل الإئتلاف الحاكم والمؤلفة قلوبهم في البرلمان تعد آخر فصول خطتهم لإزاحة الرئيس بتغيير قانون انتخاب المحكمة الدستورية التي ستكون أول مهامها المصادقة على عزل الرئيس بتهمة الخرق الفاضح للدستور لعدم قبوله بالتحوير الحكومي وهو ما اعتبره الاستاذ عياض بن عاشور خرقا فاضحا للدستور يستوجب عزله.
تلقى جل الفاعلون السياسيون الدعوات للتظاهر يوم 25 جويلية باستخفاف وبسخرية في بعض الأحيان. خرج آلاف التونسيين في كبرى المدن التونسية مطالبين بحل البرلمان وإقالة الحكومة وتخللت المسيرات عمليات حرق لمقرات حزب النهضة. كان التوتر على أشده عشية 25 جويلية وكان التهديد بالاعتداء على أشخاص وممتلكات خاصة للحزب الحاكم (حركة النهضة). سياسيا لم يكن في الممكن القيام بشيء يذكر لوقف النزيف ولتلافي ما قد يحصل ليلتها ولأن السياسة هي أيضا فن جعل الضروري ممكنا، استغل رئيس الجمهورية الفصل الثمانون من الدستور ليعلن التدابير الاستثنائية وأهمها تعليق عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وإقالة الحكومة. خرج ملايين التونسيين للشوارع وتحول الاحتقان إلى حالة فرح وطني قل نظيرها على مدى تاريخ تونس الحديث دون تسجيل أي عنف أو اعتداء. وفي حين بارك أغلب المواطنين هذه القرارات، انقسمت النخبة السياسية حولها بين من اعتبرها انقلابا عن الشرعية وبين من اعتبرها تصحيحا لمسار الثورة التونسية.
بعد شهرين من الزلزال السياسي الذي هز تونس يعلن رئيس الجمهورية عن قرارات جديدة ويعطي لنفسه صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة ما رآه عدد متزايد من النخب السياسية حتى من بعض من ساند قرارات 25 جويلية نزعة واضحة للتفرد بالحكم وفتح باب الديكتاتورية رغم إعلان الرئيس أن لا مساس بتوطئة الدستور وأبواب الحقوق والحريات فيه. وتزايد عدد المنادين بعودة المؤسسات الدستورية لاشتغالها الطبيعي. أزمة النخبة السياسية اليوم وخاصة المعارضة لحركة النهضة هي هذا التواجد في هذه المساحة الضيقة بين ائتلاف الحكم السابق الداعي لعودة الأمور لما كانت عليه أي استعادة لحظة 24 جويلية وبين الرئيس قيس سعيد الذي يمضي وحيدا ولا يتشاور معها. حتى بعض الماركسيين في بلدي لم يعودوا يؤمنون بالتناقض الرئيسي والتناقض الثانوي وضعوا النقيضين في سلة واحدة وصمموا مواجهتهما في نفس الوقت ولكن بأية أدوات؟ أما ما يسمى بالعائلة الوسطية الهلامية فحالها يسوء يوم بعد اليوم ولا غرابة فهي لا تنمو إلا في الاستقرار في غضون ذلك تتشكل مجموعات شبابية يسارية وتطرح على نفسها مهمة التغيير وهي لذلك تحاول التخلص مما علق باليسار التونسي من تشوهات.
وبما أن السياسة هي أيضا ومرة أخرى جعل الضروري ممكنا والضروري الآن وهنا هو التخلص من منظومة الخراب دون التضحية بالحرية وبالاستعداد لمواجهة كل نزعات الاستبداد بكل شجاعة وجسارة والظن عندي أن الشباب التونسي اليوم والذي تربى في مناخات الحرية غير مستعد للتفريط فيها والظن عندي أيضا أن رئيس الجمهورية وهو في هذا العمر لا يسعى ليكون ديكتاتورا كما قال ديغول ذات يوم لا يمكن أن أكون ديكتاتورا في عمر الخامسة والستين.
قصارى القول، الجمهورية تسير على خيط رفيع والمطبات تحيط بها من كل صوب فالحذر كل الحذر والقناعة عندي أن تفكيك منظومة الفساد والإفساد التي أطبقت على تونس على مدى عشر سنوات يتطلب وقتا وصبرا وقوة ولا يحتاج إطلاقا إلى لطميات كاذبة وعويل مبالغ فيه على خسران نعمة كنا فيها ولا يحتاج إلى سماع نحيب الخائفين من عودة الدكتاتورية خاصة ممن رضعوا حليبها.
الرأي عندي اليوم أن البلد يسير في الطريق الصحيح لأنني لا أرى طريقا آخر ربما أكون مخطئا فالسياسة عندي تقديرات وليست حقيقة مطلقة.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.