الرئيسية » وا إعلاماه أو السقوط المدوّي للإعلام التونسي !

وا إعلاماه أو السقوط المدوّي للإعلام التونسي !

ألم ينتهي عصر الصحف الصفراء ؟

لا يزال الإعلام في تونس في حالة من التخبّط الغريب، رغم الرجة القوية التي دقت حصونه منذ عشر سنوات. قلنا يومها أنه يلزمه وقت حتى ينظم صفوفه و يراجع دروسه، و يستفيد من خلط الأوضاع و من حالة الثورة، و لكن القائمين عليه أوغلوا في التجديف عكس التيار، فكانت المؤسسات المرئية و المكتوبة توغل في إبراز التفاهة و التافهين و تقصي من أهل العلم و الدراية، عمدا و بطريقة ممنهجة، فالنخبة لا تهز الشارع و لا تصنع “البوز” كهز الحزام، و هز الأرداف، أو حتى هز الصدر…

بقلم توفيق زعفوري *

تطالعنا اليوم جربدة “الأنوار” بتحقيق مستوحى من أفلام توم كروز، تحقيق تفوح منه روائح الأجر المدفوع هو حصيلة الإيغال في الفرجة على النتفليكس Netflix، تحقيق حول محاولات اغتيال الرئيس قيس سعيد، و الأطراف الضالعة فيه، هو تحقيق يضحك على عقول العالمين و ليس فيه من الجدية و المهنية أي ذرة و هو غير قابل للإستيعاب حتى فذلكة، هو من قبيل الكوميديا السوداء، الزرقاء، الدهماء، سمها ما شئت… 

ما يسمى بالصحفي، ذكرا كان أم أنثى، أوهمنا أن صاروخا من نوع كروز دخل من ليبيا و وصل إلى  جربة و منها إلى العاصمة تونس، كان سييتعمل في اغتيال الرئيس قيس سعيد. و “المعلومات” إن صح تسميتها كذلك وصلت بعد تفريغ حاسوب راشد الغنوشي و تحليل بياناته و اتصالاته مع رئيس تركيا رجب طيب أردوغان…

نعم هكذا بالضبط، سيناريو سيء الإخراج لا وجاهة فيه، فيه عنصر خرافي ساطع و اتهام مجاني لرئيس حركة النهضة بمحاولة اغتيال رئيس الدولة، و عزل والي بن عروس الأخير له علاقة بتسهيل حركة العتاد نقلا و تخزينا ( دعم لوجستي)!

أخبار مماثلة عشنا على وقعها أسبوعا كاملا و مفادها محاولة دخول 100 عنصر إرهابي من قاعدة الوطية في ليبيا، التي تسيطر عليها تركيا، و هؤلاء الإرهابيين جاهزون لتنفيذ أجندات خارجية، إضافة إلى ذئب منفرد، ثم تبيّن بعد اجتماعات وزراء خارجية ليبيا و وزير داخليتها مع مسؤولين تونسيين أمس انتهى بإقرار وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي أن لا تهديد و لا وجود لعناصر إرهابية في ليبيا تستعد للتسلل إلى تونس و أن إغلاق الحدود له غايات صحية و مرتبط برأي اللجنة العلمية، نعم كل ذاك القصف ينضاف إليه خبر اليوم و تكتمل صورة المؤامرة و ضحالة الصحافة و رخص المسؤولين على ترويج إدعاءات تدخل تحت طائلة القانون، و لكنها أدخلتنا في واقع من التشويش و التشويه نحن في غنى عنه و لا يخدم إلا أعداء تونس و أعداء الإستقرار.

لست في وارد الدفاع عن أي شخص كان، بل أنا أحاول قدر استطاعتي أن أدافع عن عقلي و عن إيماني العميق بالمنطق..

مازلنا ننتظر مسرحيات سيئة الإخراج و فصول أخرى من هذا النوع الدرامي الإجرامي في قادم الأيام فالأوضاع في تونس و خارجها تمثل تربة خصبة لترويج هكذا أساطير و خرافات، بقي أن المقال تصح فيه الآية الكريمة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” (الآية 6 من سورة الحجرات).

إعلام فقد العقل و العِقال، و ربي يهدي من يشاء…

* محلل سياسي. 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.