الرئيسية » نهاية الإسلام السياسي : تونس على عتبة مرحلة جديدة

نهاية الإسلام السياسي : تونس على عتبة مرحلة جديدة

الرئيس سعيد يجتمع الاثنين 26 جويلية 2021 بممثلي منظمات وطنية.

حركة النهضة انتهت والمنظومة القائمة التي يهيمن عليها الاسلام السياسي صفحة طُويت لكن لا يجب إعطاء قيس سعيد صكا على بياض. على القوى الحية ( أحزاب و منظمات ) المؤمنة بضرورة القيام بإصلاحات تستجيب للحد الأدنى من تطلعات أغلب التونسيين إلى الحرية و الكرامة أن تحصل من قيس سعيد على تعهدات باحترام الحريات الفردية و العامة و عدم التضييق عليها و أن تضبط معه خارطة طريق لمرحلة انتقالية محدودة في الزمن.

بقلم عمار العربي الزمزمي *

كيف يمكن تشخيص ما حصل في تونس؟ كان ردّ فعل جزء مهم من التونسيين على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد هو الاستبشار الذي عبّر عنه النزول إلى الشارع بأعداد غفيرة.

و بالمقابل لم تجد دعوة قيادات النهضة و الموالين لها لإفشال ما يعتبرونه انقلابا الصدى الكبير (و لو أنه غير مستبعد أن تكون قيادة النهضة غير راغبة في في الدخول في مواجهة شاملة مع سعيّد المدعوم من الجيش و قوات الأمن.)

لا مقارنة بين مصر و تونس و لا بين السيسي و سعيد

ما حصل ليس قطعا انقلابا عسكريا و لا يجوز مقارنته بما حصل في مصر مثلا حيث أطاح الجيش برئيس جمهورية منتخب (و لو أنه فقد مشروعيته بنزول الملايين إلى الشارع للمطالبة برحيله) و تعليق الدستور الذي تمّ انتخابه على أساسه و إيقاف الآلاف من جماعة الإخوان المسلمين بعد فض اعتصام رابعة بالقوة.

ففي تونس اتخذ قيس سعيّد الذي هو رئيس جمهورية منتخب انتخابا مباشرا الإجراءات الاستثنائية التالية :

– تجميد أنشطة مجلس النواب لمدة شهر

– رفع الحصانة عن أعضائه حتى يتيسر تقديم المطلوبين منهم للعدالة إلى المحكمة .

– توليه مهام تشكيل الحكومة و إصدار المراسيم و القرارات وتولي خطة النائب العام .

و لحد الآن لم تقع إيقافات في صفوف الرافضين للإجراءات بل تم تركهم يتحركون بكل حرية : ينفذون وقفات احتجاجية و يدلون بتصريحات لوسائل الإعلام الوطنية و الدولية ويعقدون الاجتماعات الحزبية . لا عجب و الحال هذه أن يتحدث البعض عن انقلاب دستوري و البعض الآخر عن انقلاب عن الثورة والشرعية .

آخر من يحق له الحديث عن الثورة هم جماعة النهضة و حلفاؤهم فهم لم يشاركوا فيها أصلا و إنما ركبوها وصادروها . أذكر على سبيل المثال أن عناصر منهم التحقوا بنا يوم 17جانفي أي بعد رحيل بن علي . و نفس الشيء حصل في بقية الجهات. ثم أليسوا هم من أسقطوا قانون تحصين الثورة و تحالفوا مع ممثلي النظام القديم؟ و ما حقيقة الشرعية التي يتحدثون عنها ؟ هل بقي مجال لهذا الحديث بعد صدور تقرير دائرة المحاسبات التي رصدت عديد التجاوزات التي يرتقي بعضها إلى مرتبة الجرائم الانتخابية التي من المفروض أن يترتب عليها إسقاط كثير من القائمات الفائزة؟ و ما قيمة الشرعية بعد أن فقدت المنظومة المنبثقة عنها كل مشروعية ؟ هل نسي هؤلاء الاحتجاجات التي عمت البلاد منذ السنة الفارطة و تم قمعها بقسوة؟

البلاد تعيش حالة انسداد للأفق لا سبيل الى تجاوزها من داخل المنظومة القائمة

يقول البعض: من وصل إلى السلطة بواسطة الصندوق لا يجوز إزاحته إلا بواسطة الصندوق . و يقول آخرون: ديمقراطية عرجاء خير من الخروج عن الشرعية. من يقول هذا ينسى أنّ البلاد تعيش حالة انسداد للأفق لا سبيل الى تجاوزها من داخل المنظومة القائمة .

و من أوصل البلاد الى هذا الوضع ؟ أليس النهضة و حلفاؤها بالأساس؟ ألم يطوّعوا القضاء لتحويل الإفلات من المحاسبة إلى قاعدة ؟ ألم يقع التلاعب بملفات حساسة مثل ملف الاغتيالات ؟ ألم يقع التستر على الإرهابيين و الفاسدين؟ ألم يفشلوا في إدارة أزمة الكورونا تاركين التونسيين فريسة للعدوى و الموت ؟ ألم يدخلوا البلاد في أزمة اقتصادية و اجتماعية خانقة يصعب تجاوزها؟

لست خبيرا في القانون الدستوري و لكن انطلاقا مما قاله الخبراء استطيع القول بأن بلوغ الاحتقان ذروته و نزول الجموع إلى الشارع في حالة انفلات وفر لقيس سعيد مبررا لتفعيل الفصل 80 من الدستور . وفي غياب المحكمة الدستورية الذي تتحمل النهضة و حلفاؤها مسؤولية عدم تشكيلها يصبح رئيس الجمهورية هو المخول لقراءة الدستور الذي هو ضامن لتطبيقه .

مجلس النواب جزء من المشكل و لا يمكن أن يكون جزءا من الحل

لعل الشرط الذي لم يتوفر هو بقاء مجلس النواب في حالة انعقاد. لكن قيس سعيد ارتأى ربما بأن هذا المجلس المشلول الذي فقد كل مشروعية و كل مصداقية لا يرجى منه خير . فهو جزء من المشكل و بالتالي لا يمكن أن يكون جزءا من الحل ما دام تسيطر عليه أغلبية مسؤولة عن فساد المنظومة .

ما العمل إذن؟ هل نعود حيث كنا؟ لا أعتقد إنّ في ذلك جدوى . و الشارع نفسه غير مستعد لقبول هذا السيناريو . هل الحل في مواصلة رفض جزء من التونسيين للإجراءات؟ ألا يزيد ذلك الوضع المتأزم تأزما؟ هل نساند قيس سعيد ونكتفي بالتصفيق لمن جمّع بين يديه كل السلطات؟ بالطبع لا هذا و لا ذاك هو المطروح .

المنظومة القائمة التي يهيمن عليها الاسلام السياسي صفحة طُويت لكن لا يجب إعطاء قيس سعيد صكا على بياض. على القوى الحية ( أحزاب و منظمات ) المؤمنة بضرورة القيام بإصلاحات تستجيب للحد الأدنى من تطلعات أغلب التونسيين إلى الحرية و الكرامة أن تحصل من قيس سعيد على تعهدات باحترام الحريات الفردية و العامة و عدم التضييق عليها و أن تضبط معه خارطة طريق لمرحلة انتقالية محدودة في الزمن من أبرز ما تتضمن:

– فتح الملفات التي طالما تحدث عنها ( خصوصا الاغتيالات و الفساد) و تطبيق القانون على الجميع.

– تغيير النظام السياسي .

– تغيير النظام الانتخابي.

– تنقيح قانوني الأحزاب و الجمعيات .

– ثم الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها .

* سجين سياسي سابق و كاتب.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.