الرئيسية » الذكاء الجماعي و الرقمنة في خدمة النمو الاقتصادي

الذكاء الجماعي و الرقمنة في خدمة النمو الاقتصادي

قال الفيلسوف سقراط : “المعرفة ليست لها قيمة إلا حين يتم تقاسمها” و تقاسم المعرفة هو ما يمكن منه استغلال الذكاء الجماعي الرقمي في كل مجالات الحياة العامة والخاصة… لكن الذكاء الجماعي الرقمي ما يزال في حالة مخاض في تونس و يحتاج إلى العديد من التشريعات التي و في حالة تطبيقها و استغلالها على أحسن وجه فانه بإمكان المواطن المشاركة الأسبقية في المشاريع القانونية و من ثم في رسم السياسات المستقبلية و الذي هو نوع جديد من الديمقراطية.

بقلم توفيق حليلة *

الذكاء الجماعي مصطلح تم استنباطه من عالم العمل و الاجتماع و هو يعتمد على مدى قوة مجموعة من الأشخاص أو التنظيمات من خلق حلول جماعية بناءا على تقاسم الأفكار بين مختلف المتدخلين من شأنه فض مشاكل المجتمع بطريقة تشاركية بدلا من فضها بطرق أحادية للوصول إلى الأهداف المنشودة .

و الذكاء الجماعي تطور استعماله من مبدأ التصرف في المؤسسات الاقتصادية التى و بفضل تركيبة مسيريها (من ذوي الإختصاصات المختلفة) يمكن لهم الخوض في العديد من المسائل الخاصة بهم للبحث عن أجدى الطرق االتي من شأنها تطوير مردودية المؤسسة و ذلك بالاعتماد على اجتماعات المسيرين و الذين يبسط فيها كل منهم أفكاره و مقترحاته و من ثم و بعد النقاش و التداول المنسق من طرف المسؤول الأول عن المؤسسة يتم اتخاذ القرارات والتى تكون ثمرة لكل الافكار التى تم تقديمها و نقاشها وتداولها.

من الذكاء الجماعي إلى الذكاء الجماعي الرقمي

إن الثورة الرقمية و بانتشارها في انحاء العالم غيرت من الطريقة الكلاسكية للتعامل مع الذكاء الجماعي للمرور به الى الذكاء الجماعي الرقمي و الذي له دور كبير في التنسيق بين مجموعات الأشخاص و الباحثين و ذلك باستعمال الأنظمة السحابية و المعطيات الكبرى مما يسهل الإبداع و الاكتشافات العلمية حيث يكون كل الأطراف في ترابط و تواصل دائم رغم تواجدها الجغرافي المختلف ومكنت الثورة الرقمية أيضا من تطوير مقومات الديمقراطية و ذلك بتسهيل تقاسم الأفكار و تبادلها في المجتمع عبر معالجة البيانات المفتوحة و الذي من شأنه تطوير المعارف و التجارب المقاربة لأخذ القرارات السياسية و الاجتماعية البنائة بالاعتماد على الذكاء الشخصي و الجماعي وعلى كل الأفكار المطروحة تباعا لذلك.

و يشمل الذكاء الجماعي مجالات عديدة سنخص منهم 3 مجالات و هم الذكاء الجماعي الاقتصادي و الذكاء الجماعي السياسي و الذكاء الجماعي الاجتماعي .

يعتمد الذكاء الجماعي الاقتصادي على التنسيق و التواصل بين الذكاء الجماعي الكلاسيكي والذكاء الاصطناعي و الذكاء الجماعي الرقمي إذ أنه و بفضل الرقمنة وتواجد المعلومات و البيانات المفتوحة يمكن الوصول للحلول الاقتصادية عبر معالجة المعطيات الموجودة و التثبت من طرق العمل المقارنة للاستئناس بها في دراسة أي موضوع.

فمثلا شركة بوينق الأمريكية قامت بتصميم طائرتها 787 بالاعتماد على الذكاء الجماعي الرقمي و ذلك بإشراك عبر الخط أكثر من 1000 خبير حيث قدم كل منهم أراؤه حول تصميم الطائرة المذكورة ثم قامت شركة بوينق بجمع الأفكار العديدة و دراستها لأخذ القرار النهائي الذي تم الاعتماد عليه لتصنيع الطائرة المذكورة.

الذكاء الجماعي السياسي يعتمد أيضا على الطريقة الكلاسيكية و على الطريقة الرقمية حيث أن الطريقة الكلاسيكية تكرس عبر اجتماعات مسؤولي الأحزاب و المجموعات مباشرة و ذلك في إطار هياكلها و مجالسها الوطنية للتطرق للمواضيع التى تهمهم لنقاشها و أخذ القرارات في شأنها, أما الطريقة الر قمية فهي تكرس عبر اجتماعات على الخط و ذلك بوضع ندوات نقاش مفتوحة عبر منصات الكترونية مؤمنة يمكن الولوج إليها لكل منخرطي الأحزاب و المجموعات و ذلك لإبداء الرأي في كل موضوع يطرح للنقاش و من ثم تتم مشاركة القاعدة في كل القرارات التى يتخذها المسؤولون و التي تكون ثمرة كل الاراء و الأفكار المقدمة من المنخرطين القاعديين الى الهرم الأعلى.

التحول من الديمقراطية الكلاسيكية إلى الديمقراطية الالكترونية

ان الذكاء الجماعي السياسي و بفضل الرقمنة يمكن من إدماج المواطنين في العمل السياسي و ذلك بالمشاركة المباشرة في إعطاء الأراء في مشاريع القوانين الجديدة و التى يتم عرضها للعموم و هو نوع من استعمال ذكاء المجموعة للخروج بأحسن التشريعات و الذي من شأنه الخروج من الطريقة الكلاسيكبة و ذلك بحرمان مجموعة معينة من اختزال أخذ القرارات التى تهم كل المجتمع إذ و بهذه الطريقة الرقمية يمكن للمجتمع من الاستفادة من تنوع الطاقات الذهنية المتكاملة و المختلفة لأعضائه و من ثم يتم التحول من الديمقراطية الكلاسيكية إلى الديمقراطية الالكترونية التشاركية التى يتم عبرها التداول في أغلب المواضيع و التشاريع التي تهم المواطن و الذي يصبح هو أصل السياسات العمومية عن طريق الذكاء الجماعي الرقمي وهو ما يسمى بالمشاركة الأسبقية و الذي هو نوع جديد من الديمقراطية التى و من ورائها يصبح الوفاق الجماعي متأت من حوار مفتوح لكل المواطنين بمشاركتهم في أخذ القرارات في القطاعات التي تهمهم مثل الأمن و التطور الاقتصادي والتشغيل و الشؤون الاجتماعية والتكوين و الفشل الدراسي و البيئة…..

الذكاء الجماعي الاجتماعي باعتماده على الرقمنة يتم أيضا عبر تصميم منصات الكترونية و ذلك لدرس مواضيع معينة ينخرط فيه كل المهتمين بتلك المواضيع لتقديم أفكارهم و الخروج معا بأحسن الحلول, و نذكر على سبيل المثال لهذا العمل المنصة الالكترونية تحدي الابتكار في سيول التي تم تركيزها سنة 2017 في كوريا الجنوبية على قاعدة الذكاء الجماعي لفض مشاكل النقل و الأمن و البيئة في المدينة المذكورة حيث و بعد مشاركة المهتمين يهذا الموضوع بإبداء ارائهم و أفكارهم فإنه تم تصميم 32 مشروعا لتحسين مردودية خدمات المدينة لمتساكنيها.

وضعية الذكاء الجماعي الرقمي في تونس

يعتبر الذكاء الجماعي الرقمي في تونس في حالة مخاض اذ أنه توجد في بلادنا العديد من التشريعات التي و في حالة تطبيقها و استغلالها على أحسن وجه فانه بالإمكان للمواطن من المشاركة الأسبقية في المشاريع القانونية و من ثم في رسم السياسات المستقبلية للبلاد نذكر منها خاصة ما يلي :

• قانون النفاذ الى للمعلومة عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 42 مارس 2016

• الأمر عدد 1242 لسنة 2019 المؤرخ في 19 ديسمبر 2019 و المتعلق بالمنظومة الالكترونية للتواصل و التعامل مع المواطن•

منشور رئاسة الحكومة عدد31 لسنة 2014 المؤرخ في 30أ كتوبر 2014 حول اعتماد مسار تشاركي في اعداد النصوص التطبيقية إلا انه و إلى حد الان فإن مردودبة تطبيق التشريعات المذكورة يبقى محدودا و بالتالي و نظرا لما ذكر فإنه يتبين ان المعلومات و البيانات المفتوحة تعتبر من أهم الركائز في عالم الرقمنة حيث أن الولوج إليها و دراستها و استغلالها عبر الذكاء الجماعي يعتبر عاملا من عوامل تطوير الشفافية التي تمكن هياكل الدولة من مزيد ترشيد العمل الاقتصادي و الاجتماعي و إدماج المواطنين في إدارة شؤون المجتمع و أخد القرارات الهامة و ذلك تطابقا لما صرح به الفيلسوف سقراط من أن المعرفة ليست لها قيمة إلا حين يتم تقاسمها.

* رئيس الغرفة الوطنية لمركزي شبكات الإتصال بالإتحاد التونسي للصناعة و التجارة.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.