الرئيسية » عودة إلى موضوع الأخطاء الشائعة في وسائل الإعلام : متى يبدأ الإصلاح ؟

عودة إلى موضوع الأخطاء الشائعة في وسائل الإعلام : متى يبدأ الإصلاح ؟

أقع على مدى النهار و الليل، كلما قرأت فقرة مكتوبة بالفصحى، و لو من جملة أو اثنتين، على أخطاء بدائية صادرة، ليس فقط عن أشخاص من العامة، بل عن المحسوبين على النخبة المثقفة مثل الصحافيين و المعلمين و أساتذة الإعدادي و الثانوي و الأساتذة الجامعيين و رجال الدولة من وزراء و سفراء و نواب في مجلس نواب الشعب و محامين و قضاة و عدول تنفيذ و عدول إشهاد….

بقلم محمد صالح حمايدي *

و من بين هذه الأخطاء البدائية أن يكتب صحفيون أو قنوات تلفزية أو محامون أنفسهم على يافطات مكاتبهم أو بطاقات الزيارة للتعريف بخططهم : فلان الفلاني، محامي، أو قاضي، أو والي… عوض: محامٍ، قاضٍ، والٍ… لأنهم لا يعرفون قاعدة رفع و جر هذه الألفاظ بحذف الياء عندما تكون غير معرفة بالألف و اللام مثل: المحامي،  القاضي، الوالي… أو عندما تكون نكرة منصوبة حيث تسترجع ياءها مثل: صافحت محاميا، و قاضيا، و واليا…

و من المبكيات المضحكات أن تجد علبة شامية أو علبة مربى المشمش أو الفراولة مكتوب عليها “عال العال” لأن المُصَنعَ لا يفقه شيئا عما كتبه و الخطأ الذي وقع فيه. لو كتب: “مُرَبَّى مِشْمِشٍ عَالٍ”، لكان ما كتبه صحيحا على اعتبار و أن مربى المشمش الذي صنعه عالي الجودة. لأن كلمة “عالي” إذا ما كانت مرفوعة و غير مُعَرَّفَةٍ لا بالأَلِفِ و اللام، و لا بالإضافة (مثل والي تونس، محامي الشركة، قاضي التعقيب) فإن رفعها يكون بحذف الياء (والٍ، محامٍ، قاضٍ) فإن كلمة “العالي” تُرفع بحذف الياء إذا ما كانت غير معرفة بالأَلِفِ و اللام فتكتب “عَالٍ” (مثل مربى عَالٍ) و تحافظ على يائها إذا كانت معرفة بالإضافة، فنكتب (عَالِي الجودة). أما “عَالْ الْعَالْ” فهي تخلويض في تخلويض.

كما يكتبون: لم يرى، لم يأتي، لم يبقى، لم ينفي… لأنهم يجهلون (و هم في تلك المناصب العليا) أن الفعل المضارع المجزوم بلم، سواء كان ثلاثيا مجردا أو مزيدا بحرف أو أكثر، إذا كان ناقصا أي معتل حرف اللام من الأوزان: فَعَلَ (مثل مشى، رأى، دعا، رمى، مضى…) أو انفعل (مثل انقضى، انزوى…) أو افتعل (مثل اشترى، اهتدى…) أو استفعل (مثل استقصى، استفتى…)، فإن جزمه يكون بحذف حرف لام الفعل أي حرف العلة الوارد في آخره. فنكتب: لم يَرَ الناس، لم ينْفِ الخبر، لم يَدْعُ الصحافيين إلى الندوة التي عقدها، لم يَنْقضِ شهرٌ، لم يَنْزَوِ في ركنٍ، لم يَشْترِ بضاعة، لم يَهْتَدِ إلى الجواب الصحيح، لم يَسْتَقْصِ الأمر، لم يَسْتَفْتِ شعبَهُ.

مقولة “خطأ شائع خير من صواب متروك” لا تسوغ كل الأخطاء

و من الأخطاء الشائعة و التي لا تغتفر تحت مسوغ مقولة: خطأ شائع خير من صواب متروك؛ الخطأ المتعلق برسم المصادر و الصفات المشبهة المشتقة منها التي تبدأ بالألف المهموز بالهمزة القطعية التي تُنْطَقُ (أي هذه “أ” أو هذه “إ” ) و المهموز بهمزة الوصل التي لا تنطق (أي هذه “ا”). مع أن القاعدة في هذه المسألة سهلة جدا و ثابتة لا تتغير.

هذه المعضلة الكبرى في نصوصنا الصحفية و في كتبنا و في نصوصنا القانونية، بأنواعها هي المتعلقة بالمصادر و الصفات المشبهة من الأفعال المزيدة بحرف أو أكثر، خارج الفعل الذي على وزن “أفعل” مثل أصدر و أفصح و أعلم و أنتج و أدرك… التي تكتب و تنطق مصادرها و صفاتها المشبهة بالهمزة القطعية “إ”؛ فنكتب و ننطق بهمزته: “الإصدار” و جمعه “الإصدارات” و الصفة المشبهة منه “الإصدارية”؛ و نكتب بالهمزة القطعية و ننطق بها “الإفصاح” و جمعه “الإفصاحات” و الصفة المشبهة منه “الإفصاحية”؛ و نفس القاعدة تُطبق على “الإعلام” “الإعلامية”، “الإنتاج” “الإنتاجية”، “الإدراك” “الإدراكية” “الإملاء” “الإملاءات” “الإملائي” “الإملائية” … و على ذلك قس ما دام الفعل على وزن “أفعل”.

أما بقية كل الأفعال الأخرى التي ليست على وزن “أفعل” و إنما هي على وزن “افتعل” مثل اقتصد و اجتمع فمصادرها و صفاتها المشبهة تكتب بدون همزة قطعية (إ) و إنما بهمزة الوصل (ا) التي لا تنطق فنكتب “الاقتصاد” “الاقتصادية”، “الاجتماع” “الاجتماعية”. استمع، الاستماع، اكتشف، الاكتشاف….. و كذلك الأمر بالنسبة لبقية الأوزان: انفعل، استفعل مثل انفجر الانفجار و استقلَّ الاستقلال و استغل الاستغلال…

خطأ شائع جدا آخر و هو المتعلق بالإدغام. و الإدغام هو جمع حرف مكرر في حرف واحد مثل: مَرٌ و أصلها مَرَرَ، و حَلَّ و أصلها حَلَلَ، و أَصَرَّ و أصلها أَصْرَرَ، و اسْتَغَلَّ و أصلها اسْتَغْلَلَ. و اسْتَفَزَّ و أصلها اسْتَفْزَزَ. فمن الخطإ أن نقول: مَرَّيْتُ و حَلَّيْتُ و أَصَرَّيْتُ و اسْتغَلَّيْتُ و اسْتَفَزَّيْت… و مَدَّيْتُ؛ و الصواب أن نقول: مررت و حللت و أصررت و استغللت و استفززت و مددت….

أما فيما يخص رسم الهمزة، فحدث و لا حرج. إذ يكتبون: طرح “المساءِل” عوض: طرح “المسائل”، “يأولُ” الأمرُ عوض: “يؤول” الأمرُ، “دِفْؤُ” الغرفةِ أو “دفئ” الغرفة أو “دِفْأُ” الغرفةِ عوض “دِفْءُ” الغرفةِ. و “بدؤ” الدراسةِ، “بدئُ” الدراسةِ، “بدأُ” الدراسةِ عوض “بدءُ” الدراسة. و “نَشَئَ” في فرنسا ثم قدم إلى تونس، “نَشَءَ” في فرنسا ثم قدم إلى تونس عوض”نَشَأَ” في فرنسا ثم قدم إلى تونس…. و المجال لا يتسع لاستعراض كل حالات رسم الهمزة حسب شكلها إن كانت مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة و حسب الحرف الذي سبقها إن كان حرف مَدٍ ألف أو واو مثل “جاء” ، “سوءُ” أو حرف مد ياء مثل “جيئ” به من السِّجْنِ (و ليس السَّجْنِ بينما يجب أن نقول حكم عليه القاضي بعامٍ سَجْنًا).

وسائل الإعلام لا تبذل أي مجهود لإصلاح الأخطاء بل تتمادى فيها

و كنت قد خاطبت الكثير من الأصدقاء الصحافيين و المشرفين على البرامج الحوارية المتلفزة و نشرات الأخبار التلفزية و الأساتذة و المحامين و الأساتذة الجامعيين لأجلب انتباههم إلى مثل هذه الأخطاء المتكررة؛ و نشرت تدوينات في هذه المسائل على حسابي في فايسبوك؛ و نشرت حتى مقالات مفصلة في حكم كل مسألة من هذه المسائل، لكن وسائل الإعلام التي تنشر لي ما كتبت، تنشر بجانبه مقالات تحمل الأخطاء التي نبهت إليها و يتواصل الأمر على ما هو عليه.

و إن ما دعاني إلى العودة إلى هذا الموضوع هو عثوري على قرارات لوزير العدل، و ما أدراك من وزير العدل، مُوَقَّعَةً من طرفه و مؤشر عليها من قبل الوزير الأول و منشورة بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية مكتوب فيها “المساواة بين المتقاضين أو المساواة بين الإناث و الذكور” مكتوبة هكذا: “المساوات” بين… ….

ملاحظة: أنا لست مختصا في اللغة العربية. و لم أدرس حتى في شعبة الآداب خلال دراستي في المرحلة الثانوية التي كانت تدوم ست سنوات، أيام كان الفقيد محمود المسعدي وزيرا للتربية، بل كنت في شعبة المحاسبة التي تمنح شهادة في ختم الدروس الثانوية التي لا تسمح بالالتحاق بالجامعة، الشئ الذي اضطرني لاجتياز امتحان شهادة الباكالوريا الفرنسية (شعبة الفلسفة و الآداب) التي نلتها بتفوق، مما مكنني من الترسيم بكلية الحقوق و العلوم السياسية و الاقتصادية التي كانت كل الدروس تُلقى فيها و نُمتحن عليها بالفرنسية و التي تخرجتُ منها بشهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص، إلى جانب حصولي فيها على شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة، إلا أني لم التحق بالسلك، و دبلوم الصحافة من معهد الصحافة و علوم الإخبار، و لم التحق أيضا بمهنة المتاعب، رغم عشقي لها، لأني اخترت طريقا آخر لحياتي المهنية دام 37 سنة، شهدتُ فيه كثيرا من النجاحات على المستوى المعنوي و كثيرا من المظالم بسبب حرصي على احترام القانون و عدم الإذعان للتعليمات المخالفة لذلك و التزام النزاهة و نضافة اليد و الإصداع بما أراه الصواب و الحق، ديدني في ذلك رفض الرداءة و خدمة وطني و إرضاء ضميري، كلفني ذلك ما كلفني.

*رئيس مدير عام سابق لعدد من المؤسسات العمومية و خبير دولي في قانون تعديل هيئات الأسواق المالية.

مقال في نفس الموضوع و لنفس الكاتب بأنباء تونس :

في الأخطاء اللغوية الشائعة في الإعلام و السياسة

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.