الرئيسية » كلام في السياسة : عندما يكون القلم جارحا وحارقا!

كلام في السياسة : عندما يكون القلم جارحا وحارقا!

خابرني صديق لي حميم من رفاق الدرب قال: لماذا لم تكتب عن السياسة؟ أجبت كتبت كثيرا وربما كان القلم جارحا وحارقا أحيانا. حدّثني استنادا للأخوّة التي بيننا عن الوجع الذي يشعر به نتيجة الوضع الراهن وينضم بذلك إلى كلّ من تلقّى أبجديات المواطنة والوطنية صغيرا.

بقلم العقيد محسن بن عيسى *

صديقي بدأت ذاكرته في السياسة مع أنشودة “هوى وطني فوق كلّ هوى”، أنشدها وحفظها ولم يعِ معانيها إلاّ لاحقا. أعادني بهذه المخابرة “إلى الصفحة الأولى” من كتاب عشنا فصوله معا وافتتحنا بها مسيرتنا في خدمة الوطن والدولة. 

قد يكتب البعض خواطره السياسية، ولكن في حدود علاقته أو نقده للرئيس والوزراء والنواب وكبار المسؤولين. المقاصد السامية للإدلاء بشهادة على حقبة من العمر ولإنارة الحقيقة قليلة ونادرة. فالسياسة هي كل شيء في المجتمع وهي في مختلف مجالات حياتنا والحديث عنها يحتاج الى كثير من نكران الذات..

أُولَى التحدّيات السياسة التي عشناها هي ديمقراطية التعليم والصحة والعمل… ولولا حسن التدبير السياسي لما جلس ابن و حفيد “القايد” مع ابن وحفيد الفلاح في طاولة واحدة بالقسم، ولَمَا ضمّت غرف العيادات والتمريض زوجة وابنة “عُمدة الحي” مع زوجة وابنة حرفي “الحومة أو الربط”، ولَمَا تحقّقت زمالة العمل الواسعة بين مختلف الموظفين ومن مختلف الجهات وفي مختلف مؤسسات الدولة.

“القايد” كان واليا و قاضيا في نفس الوقت لكنه كان رَهْنَ سيده الباي الذي يستطيع إقالته في أي لحظة والفتك به إن أراد ومن هنا جاء المثل الشعبي “دار مَخْزَنْ دار مَحْزَنْ”. كانت هذه المناصب الإدارية منذ عهد حمودة باشا الحسيني تُباع وتُشترى “الاتّفاق” بالنسبة للقايد، و”طريقة المشيخة” بالنسبة لشيخ المنطقة أو الحي. لقد طارد قانون 19 نوفمبر 1957 هؤلاء وغيرهم ممن انتموا الى منظومة الاستعمار قبل جويلية 1957 باسم ” الإذلال الوطني”.

الانتساب للحركة الاصلاحية والنضال السياسي ثم الكفاح المُسلّح ليس مجرّد صور مع زعامات دولة الاستقلال. بل أثَرٌ يَعترفُ به الخاص والعام. لا نناقش الشخصيات والوجوه الي راهن عليها الزعيم رحمه الله ولو أنّ الاستقلال “جَبَّ ما قبله” بخصوص تاريخ البعض منهم.

الوعي السياسي هو فرع من فروع الوعي الاجتماعي، كما يقول “أ. ك. أوليدوف” في كتابه “الوعي الاجتماعي”، ومجتمعنا يعاني من تفشي الوعي الزائف أي ذلك الوعي المتوهّم والمُتخيّل وغير المطابق للوقائع. لا شك أنّ الخائضين في ذلك يدركون هشاشته وزَيفه ولكن لا يهمهم حقيقة ما يجري طرحه بقدر ما يهمهم تحقيق أهدافهم والحفاظ على مصالحهم ومواقعهم. النتيجة أمامنا فئات مُتناحرة مُتشكّكة مُتحاربة على المصلحة الخاصة ولو حساب الوعي الحقيقي بروح الجماعة والمصلحة العامة. 

كيف يمكن الاطمئنان لمستقبل أبنائنا ونحن نعيش من يتجاهل أعيادنا الوطنية وفي مقدّمة ذلك “عيد الاستقلال”. كان من باب أولى وأحري بالنسبة لهؤلاء الذين يبتزّون تاريخ بورقيبة مع بعض الاستثناءات أن يدافعوا عن هذا من مواقعهم الذين سعوا أن يتموقعوا فيها.

رحم الله من أتاح لنا الفرصة لنعيش احياء هذه الذكرى منذ الطفولة وضمن التشكيلات الحاملة للمشاعل والمرتدية لأزياء الكشافة بدرجاتها والشبيبة بلونيها الأبيض والأحمر مع تشكيلات أخرى.

تكريس الوعي الوطني ودعم الهوية يبدأ من هنا… من احياء ذكرى الأعياد الوطنية وهو السياج المنيع الذي يحمي البلاد من المتربصين ويكرّس التحام الشعب بالدولة. ذاكرتي ما تزل تحمل سجلا حافلا من الصور. فوانيس بيضاء وحمراء تضيئ “أزقة الأحياء“و أشرطة العلم التونسي بأحجامها المختلفة تتقاطع على الطرقات و جريد نخل في شكل أقواس في بعض الساحات، وفرق وترية ونحاسية تشدو أنغام الاستقلال في مقامات مختلفة و استعراضات وذبائح لدى البعض احتفاءً بهذا اليوم.

إذا أردتم أن تذكّروا هذا الجيل بتاريخه فعلّموه احترام الأعياد الوطنية واذكروا له أسماءً علّمتنا كيف نعيش وكيف نتصرّف وكيف نُخلص للوطن وهي عملية لا تتأتّى بالتعليمات.

* ضابط سابق في سلك الحرس الوطني.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.