الرئيسية » قراءة في تاريخية جدلية العلاقة بين المثقف والسلطة و واقع الزعامات العربية

قراءة في تاريخية جدلية العلاقة بين المثقف والسلطة و واقع الزعامات العربية

قيس يعيد خلال زيارته إلى القاهرة في زيارة إلى جامع الأزهر.

إن جوهر مقالنا يتناول في جانب نظري منه تطور مفهوم القيادة أو الزعامة عبر التاريخ و ارتباطاته بالفكر الفلسفي وبعلم الإدارة من خلال مجموعة من المقاربات و القراءات الأكثر شهرة لدى المثقف و الباحث العربي و في الحقيقة هناك تجديد في الدراسات بحسب تطور الحياة السياسية و الاقتصادية  لدى الغرب و ظهور أزمات غير متوقعة او لنقل مباغتة في التوقيت و في المكان في كلا المجالين، مما يستدعى ضرورة التفكير  خارج الصندوق كما يقال و تطوير الحاسة السادسة لمعرفة أسباب الخلل و استنباط حلول للتوقي قد تكون جاهزة بصفة استباقية.

بقلم ياسين فرحاتي * 

أرست بعض الكليات في بلادنا  و منذ سنوات قليلة و دول غربية عديدة،  دراسات عليا متقدمة مثل شهادات الماجستير في “ريادة الأعمال و الاستشراف” (قسم علوم التصرف بكلية العلوم الاقتصادية و التصرف بصفاقس)، حيث تؤكد عديد الجهات و مراكز الأبحاث أن  الوطن العربي، يشكو من نقص فادح في مجال “علم المستقبليات” و هو  فرع من العلوم الاجتماعية، الا أنه لا يخلو من بعض الكفاءات التي كان لها حضور و انجاز دولي يعترف به الغرب قبل العرب أنفسهم مثل المفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة الذي عرف بحسن فهمه و ببعد نظره لقضايا معاصرة على غرار العولمة و مستقبلها  أو كما يقول بعض الكتاب و الاعلاميين العرب  انه كانت له وجهة نظر و رؤية لمستقبل أنظمة الحكم العربية التي عصفت ببعضها رياح التغيير عام 2011، و لكنه لم  يلق كل الاهتمام في بلده الأم.

الفيلسوف التونسي فتحي التريكي أكد في حوار تلفزي على الوطنية الأولى بعد الثورة، أن فكرة “الإختلاف و التنوع” كانت جوهر سياسة حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي سقط بعد 23 من الحكم الإستبدادي، وسط فرض لهيبة الدولة تحت  مطرقة قانون الحزب الواحد.

في الحقيقة لا يكاد يخلو عهد من خلاف حاد بين نخبة المثقفين و أرباب السلطة وهذا منذ قديم الزمان، مثلما حدث مع فيلسوف قرطبة إبن رشد الملقب ب”شارح أرسطو” الذي حرقت جل مؤلفاته و اتهم بالزندقة أو ما لاقاه إبن خلدون لما كان وزيرا مستشارا إبان العهد الحفصي، و هو الذي خبر جدا السياسة و كانت له فيها معاطب و زلات، لعب خلالهما على حبال المتناقضات متنكرا بين حال و حال بحسب ما يقتضيه المقام أو غريزة البقاء.

النضج الفكري و الزاد المعرفي وقوة الشخصية سلاح المثقف في مجال السياسة

و يحسب للزعيم التونسي الحبيب بورقيبة و الذي يثير حفيظة خصومه من بعض  الإسلاميين الشباب خصوصا من أهل السياسة و الرأي، ذكاءه و فصاحته وقدرتة على استمالة الرأي العام و هذا مرتبط بنضجه الفكري و زاده المعرفي وبقوة الشخصية، وهو الذي يروج له باستمرار أنه هو من أرسى ركائز التعليم في بلادنا. و ثمة حدث تاريخي، في خضم جملة  المتاعب التي يعيشها التونسي يوميا أثلج  صدورنا وجعلنا لبرهة من الزمن نتنفس الصعداء وعاد  إلينا الأمل من جديد عندما تمكنت مجموعة من خيرة شبابنا المتعلم من مهندسين صلب مؤسسة تلنات للتكنولوجيا بمعاضدة روسية من إطلاق أول قمر صناعي (بين دول المغرب العربي) وقد كان صاحب المشروع المهندس المثابر محمد الفريخة كلما سنحت الفرصة يثني على الزعيم بورقيبة لأنه يعتبر نفسه ثمرة و باكورة ذلك الجيل المتميز من رجال التربية و التعليم .و مما يحكى أيضا عن بورقيبة  والذي وصفه المفكر الراحل محمد الطالبي ب” الذئب” في مقال معروف له عندما أعلن عن وفاته، قوله  “سيأتي يوم ما يعجز فيه صاحب شهادة الدكتوراه عن الحصول عن وظيفة أو شغل يحفظ له كرامته و إنسانيته” (و قد روى لي صديق  ممن عرفتهم في إذاعة صفاقس العريقة، التي انتميت إليها لفترة قصيرة،  أنني سمعته يخطب ذات مرة و هو في مدينة قفصة قائلا سيأتي يوم يصبح فيه صاحب شهادة الدكتوراه بائعا للفحم)، وهو ما نراه اليوم رأي العين من ازدراء لهم و تلاعب بمطالبهم المشروعة، واستعمال للقوة ضدهم من قبل بعض رجال الأمن. إذ الطريقة الوحيدة اليوم لكي تحصل على عمل قار في تونس هو أن تحتج و بعنف و تغلق مقرات عمل مثلا، أو تضرب عن الطعام و قد تصل إلى الموت أو ” تفارق البلاد” لمن تيسر له ذلك من كفاءات علمية.

أضعف الإيمان أن ندرج معايير واضحة و شفافة و عادلة للانتداب، و أن نعجل بتطبيقها و أن يتوقف أرباب الحكم عن الوعود الزائفة من ذلك تطبيق الفصل 38 لانتداب من لهم فترة  بطالة  عشر سنوات  فما فوق، و كذلك انتداب ثلاثة آلاف دكتور، ألف منهم هذا العام و قالت وزارة الإشراف أن الأمر سيتم البت فيه مباشرة بعد المصادقة على  الميزانية التكميلية لسنة 2020. إن عدم الالتزام بالوعود يفقد الحكومة  كثيرا من المصداقية و الثقة و التعاطف من بقية فئات الشعب التونسي فكم من شاب ضاع عمره وهو يعيش على الأحلام و يمني نفسه بغد أفضل، ليتذكر فقط ساسة اليوم انهم إنما أتوا إلى الحكم بقدرة قادر و لا يمكن لنزاهة الانتخابات، ولا شرعية الصندوق ان تمنحهم صكا على بياض و ان  تضمن لهم راحة بال أو ضمير على حساب من يكتوون بنار القهر والإحساس بالظلم و التهميش و الغبن.


النتيجة اليوم ،  أننا نعيش أزمة  مقبولية لقادتنا  السياسيين الحاليين وعلاوة على ما ذكرت بسبب  ضعف المردودية و الأداء و النجاعة لثلاثتهم. و هو أمر يثير امتعاض غالبية الشعب و بلا استثناء. الرأي العام الوطني ساخط و يبدي رفضه لأسلوب  إدارة الدولة و وهو أمر أوجده نظام انتخابي أقل ما يقال فيه إنه معتل و أزمة فاقمتها عدم إرساء المحكمة الدستورية التي تعرف صراعا على صلاحياتها بين مكونات الأحزاب السياسية النافذة  وثمة من القضاة من يتحدث عن أن رئيس  الدولة سعيد  يقود نحو تأزيم الوضع برمته بسبب رفضه تأدية اليمين لخمسة وزراء عينهم رئيس الحكومة المشيشي و كذلك تعطيله تشكيل المحكمة الدستورية التي طال انتظارها دون أن ترى النور إلى حد الساعة.

أما بخصوص عبارة  الإسلام السياسي فقد  ذكر رئيس الدولة  بأننا كلنا مسلمون و أنها بدعة مبتكرة من قبل بعض الساسة لإثارة الخلاف والانقسام في ما بينا. كل هذا الوضع المتأزم و المتعفن   مدعاة  للسخرية و الاستهزاء كثيرا، لأنه  أضر إلى حد بعيد  بمصلحة المواطن العادي الذي لا يهمه إلا قوت يومه، في ظل أزمة صحية متفاقمة  ووضع اقتصادي هش جدا بسبب معركة محتدمة لتنازع صلاحيات بين رئيس الجمهورية و رئيس مجلس نواب الشعب وشبه قطيعة سياسية بين مكونات أركان الحكم و اصطفاف أطراف ضد أطراف (  رئيس الدولة  قيس سعيد في مواجهة ما يسميه هو تنكر من رئيس الحكومة هشام المشيشي وانجذابه و تحالفه مع  رئيس السلطة التشريعية راشد الغنوشي). 

ما يفرق بين رأسي السلطة التنفيذية ليته كان  اختلافا في الرؤى و الأفكار و التوجهات حول مشاكل البلاد،  فهذا أفضل و قد يكون منطقيا و أسلم لكن المشكل العميق أن كل واحد  منهم يرى نفسه الأصلح و الأجدر والأفضل و حتى الأقوى الذي يجب أن يطاع وليس أدل على ذلك خطاب الرئيس بمناسبة الاحتفال بعيد قوات الأمن الوطني (الأصح كلمة ذكرى) منذ أيام، و رسائله التي فيها وعد و وعيد و في نبرة حادة جدا و كعادته تجاه خصومه عندما قال أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة و المدنية. وهو خطاب لم يرق لرئيس الحكومة و كذلك البعض من الرأي العام التونسي الذي قل  اهتمامه بالشأن السياسي  مع بداية شهر الصيام و لكنه رغم ذلك يتابع التطورات المتعلقة خصوصا بفيروس كورونا الخطيرة جدا ببلادنا وفي العالم. البعض من  الساسة عند تدخلهم في وسائل الإعلام  أرجعوا أسباب ما يجري إلى “تضخم الأنا”. 


إن المشكل هو في الفهم الأعرج لمفهوم الديمقراطية التي يشرحها لنا بكل وضوح و يسر عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين  في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر”، و الذي نقتبس منه بعض المقتطفات الهامة جدا و التي يمكن أن تنطبق على وضعنا هذه الأيام، مفاده أن “الديمقراطية يجب أن تكفل لأبناء الشعب جميعا الحياة و الحرية و السلم. و ما أظنها تستطيع أن تكفل غرضا من هذه  الأغراض للشعب إذا قصرت في تعميم التعليم الأولي و أخذ الناس جميعا به طوعا أو كرها.

يجب أن تضمن الديمقراطية للناس ما يقيم أودهم، و يعصمهم من عادية الجوع. و لكن يجب أن تضمن لهم القدرة على ان يصلحوا أمرهم، و يتجاوزوا ما يقيم الأود إلى ما يتيح الاستمتاع بما أباح الله للناس من لذة و نعيم في هذه الحياة و ليس ينبغي أن يطلب إلى الديمقراطية أن توزع على الناس أقواتهم، و تشيع فيهم اللذة و النعيم و هم هادئون مطمئنون. فهذا شيء لن يتاح لنظام إنساني، و إنما موعد الناس به الجنة التي وعد الله بها عباده الصالحين إنما الذي يطلب إلى الديمقراطية و يفرض عليها أن تمنح أفراد الشعب وسائل الكسب التي يسعون بها في الأرض، و يلتمسون بها الرزق، و ان تزيل من طريقهم ما قد يقوم فيها من العقبات، التي تنشا من الظلم و الجور، و عن التحكم و الاستبداد، و عن مقاومة الطبيعة نفسها لتصرف الإنسان.”.

تجربة المفكرين والنخب المثقفة في المناصب السياسية

و بودي ان أوجه رسالة إلى الرئيس قيس سعيد و إلى مدير المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية أن هذه  المؤسسة التي تتبع رئاسة الجمهورية  من غير المعقول أن يبقى نشاطها أو الباحثون بها هم من أتباع الرئيس و حاشيته لأنها مؤسسة بحثية يجب أن تخدم الصالح العام كما أنه و هذا الأخطر  كيف يتقدم نخبة من كبار أساتذتنا و باحثينا من بينهم الدكتورة كريمة بوزغندة من كلية العلوم الاقتصادية و التصرف بصفاقس بطلب إلى إدارة المعهد بهدف القيام بزيارة  للمعهد و هذا منذ أشهر، بينما تتجاهله مؤسسة الرئاسة. الغريب في الأمر أن الأستاذ قيس سعيد يعتبر زميلا لهم و رغم ذلك لم يتفاعل على جناح السرعة معهم و لم يستجب لمطلبهم. و ليكن في علم حكامنا أن دواليب الدولة لن تسير بدون خبرة و تجربة و معرفة  هؤلاء و غيرهم و بدون الإصغاء إلى حكمة بعضهم وهم ليسوا بسياسيين هم يتعاطون نشر المعرفة و يودون تقاسمها مع رجال الدولة خدمة للصالح العام.

وهو ما يلخص في الواقع أن تجربة البعض من مفكرينا ونخبنا المثقفة في المناصب السياسية، ليست غاية في الفرادة باستثناء  بعض الأسماء التي عرفت نجاحا نسبيا مثل  رجل التعليم و الفكر الراحل محمد الشرفي الذي تولى  وزارة التربية في السنوات الأولى لحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي خلال التسعينيات و قد مثل تيار اليسار في تونس  أو تجربة المفكر الإسلامي أبو يعرب المرزوقي مع حركة النهضة أثناء فترة  حكم الترويكا الذي شغل منصب وزير مستشار مكلف بالشؤون الثقافية و التربوية لرئيس الحكومة أنذاك حمادي الجبالي و لكنه لم يمكث طويلا، بل غادر المنصب و هو نادم على ما اقترفه عندما اقترب  من حقل الألغام و الدسائس و آثر التفرغ للبحث العلمي و الكتابة في المواقع الالكترونية (موقع تدوينات). 

لكن تبقى التجربة الأكثر شهرة و تفردا هي  للأديب الكبير و الأستاذ المبرز في اللغة و الآداب العربية محمود المسعدي في عهد الحبيب بورقيبة، لما تولى رئاسة مجلس النواب و يجدر بي التذكير أن البروفيسور شكري عبد الناظر أحد الأساتذة الكبار و المرموقين في الاقتصاد في تونس، كان على حق عندما تساءل مستغربا “لماذا لم يحصل  الأستاذ المسعدي على جائزة نوبل للآداب؟!” و مصداقا لقوله فقد نظمت بيت الحكمة بتونس بعد الثورة ندوة دولية حول أدب و فكر المسعدي و كانت فيها وجه مقارنة بينه و بين نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب نظرا لتقاربهما فكريا و ووجوديا.


إنه في اعتقادي يجب العمل على نشر ثقافة التغيير المتواصل و التقييم العلمي المستمر والتجديد لأن ما يجري في بلادنا و في الإقليم العربي و نحن جزء منه و في العالم، فيه شيء من التركيب و الغموض و يصعب التنبؤ به مما يستوجب العودة و التعود و الاستئناس بهذا النوع من التفكير غير الخطي.

غالبية من تولوا حكم البلدان العربية أتوا عبر انقلابات عسكرية

و أما بالنسبة لحاضر معظم الزعامات العربية فهو نتيجة حتمية لذلك الماضي القريب، عقب انجلاء المستعمر الأجنبي باستثناء فلسطين التي لا تزال ترزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي و منذ موت “ذكر النحل” و هو تعبير لمحمد حسنين هيكل قصد به عرفات، فالسلطة الفلسطينية مجرد ديكور سياسي و حالة من الانقسام بين حركة و حركة حماس بوصفهما يمثلان دفتي الحكم المحلي عاجزان و باقي الفصائل عن إنجاز انتخابات تشريعية ﻹن إسرائيل ترفض مشاركة سكان القدس فيها وهو ما أجبر رئيس السلطة الفلسطينية على إلغائها مبدئيا وهو نفسه لا يحظى باﻹجماع الفلسطيني لكنه ورقة  في يد الإسرائيليين و الغرب. وهو في الحقيقة لا حول و لا قوة له. فغالبية من تولوا حكم بلدانهم إما أنهم أتوا عبر انقلابات عسكرية مثلما هو حال مصر عبد الناصر مع مجموعة الضباط الأحرار و ثورة يوليو 1952 للإطاحة بالنظام الملكي أو ليبيا القذافي و ثورة الفاتح و الإطاحة بالملك السنوسي، أو هم ورثة حكم ملكي و هو حال دول الخليج و الأردن و المغرب الأقصى: يذهب الملك أو الأمير فينصب ابنه مكانه، ما عدا أمير قطر فإنه خلع والده من الحكم لإبهامه إياه بالفساد.

و في سوريا نصب حافظ الأسد ابنه بشار رئيسا مكانه و في الواقع ليس ثمة فرق كبير بين نظام ملكي عربي و آخر جمهوري. ربما النظام الخليجي الوحيد الذي يعرف إلى حد ما ممارسة سياسية ديمقراطية هي دولة الكويت، أما بقية الأنظمة الخليجية فإنها لا تعترف بالأحزاب أصلا و تعبرها لعنة و حتى منافية للدين. مشكلها الأكبر هو جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي أزيحت من الحكم في مصر بعد ما عرف بأحداث رابعة.

ثمة بعض الأشياء الإيجابية في دولة مثل الكويت هو استثمارها الجيد في قطاع الثقافة و المطبوعات الثقافية المميزة جدا على غرار عالم المعرفة وغيرها من المجلات الهادفة، أو دولة صغيرة جدا مثل قطر استثمرت جدا في قطاع الإعلام المرئي و في مراكز الأبحاث و الدراسات.

وقياسا على ذلك إذا كان هيرودوت “أب التاريخ” يقول بأن “مصر هبة النيل”، فإن قطر هي هبة الجزيرة و لا أبالغ في ذلك. أما  اليمن فأنه كان تحت حكم عبد الله صالح لعقود منذ توحيد اليمن الجنوبي و اليمن الشمالي،  قبل أن ينقلب عليه الحوثيون عندما اندلعت انتفاضة شعبية سنة 2011 في ما كان يسمى باليمن السعيد،  الذي حاله يرثى له اليوم و بكل أسف و قتلوه ميتة سوء. الجزائر بدورها عرفت حقبة من الممارسة السياسية الديمقراطية في عهد الشاذلي بن جديد قبل أن تدخل البلاد في مرحلة خطيرة من العنف و الاغتيالات فيما عرف ب” سنوات الجمر” خلال التسعينيات، وبالكاد انتهت من نظام حزب الواحد المدعوم من العسكر بعد تنحي عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم و مجئ بن تبون إلا أن مطالب شعبية بالتغيير لا تزال متواصلة إلى الآن.

العراق رغم ما ألم به من خطوب و مأسي بسبب احتلاله في سنة 2003، في غزو أمريكي- بريطاني ظالم و جائر ضد قوانين الشرعية الدولية و بعد تبين كذب أسطوانة نشر الديمقراطية و الحرية و فساد الحكام الجدد الذين يدينون بولائهم لإيران، لا يزال شبح الرئيس الراحل صدام حسين يذكر بأمجاد دولة كانت تعد الأولى في الشرق الأوسط من حيث جودة التعليم و الرعاية الصحية في الشرق الأوسط.

الديكتاتوريات العربية أنجبت كتابا و صحافيين كبارا

في الواقع، إن دكتاتورية معظم الأنظمة العربية من عبد الناصر إلى صدام قد أنجبت رغم ذلك نخبا مثقفة من مفكرين و أدباء و كتاب و شعراء و صحافيين و لنضرب مثالا على ذلك على سبيل الذكر لا الحصر حيث سطع نجم محمد حسين هيكل كأحسن كاتب صحفي عربي خلال القرن العشرين على الإطلاق: هيكل أو’’ الجورنالجي‘‘ كما يحلو له دائما غادر الحياة سنة 2016، و لكنه ترك بصمة في الحياة الفكرية و السياسية المصرية و العربية على امتداد أكثر من سبعين عاما، جعل من صحيفة الأهرام واحدة من كبريات الصحف  في العالم و في حوار أجراه معه اﻹذاعي الكبير صالح جغام على موجات الإذاعة الوطنية كان يقول: “عندما كنت أدير الأهرام كأنما أدير دولة بأكملها”. و قد كان الرئيس عبد الناصر لا يستمع إلا لنصائح هيكل. و قد قال جمال لمحمد حسنين “ليتني كنت في مكانك” أي كاتبا صحفيا.

الواقع أيضا ، يؤكد أن  الخوف من العودة إلى نظام الحزب الواحد لا يزال يخيم على عقلية عديد الأحزاب في الحكم منها النهضة التي حذرت من الانقلاب على الديمقراطية و مبادئ الحرية مثلما صرح بذلك زعيم الحركة الغنوشي في لقاء إعلامي  منذ أيام قليلة، و دعا إلى ضرورة الحوار بين رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة المنهمك في إجراء لقاءات و حوارات من بيت الحكمة حول الإقلاع الاقتصادي و للمؤسسة أكثر من إشارة رمزية على أمل أن تحل قضية الوزراء الذين يرفض سعيد أداءهم لليمين بتهم قضايا فساد كان  يفترض أن يبت فيها القضاء.

* كاتب من تونس. 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.