الرئيسية » تأملات في المصطلح الأمني في تونس

تأملات في المصطلح الأمني في تونس

تشكّل قوات الأمن الداخلي مع القوات العسكرية حجر الزاوية في أمن الدولة،ولا يمكن أن يكون دورها شرعيا وفعّالا إلاّ من خلال وفائها بمسؤولياتها في إطار رقابي مدني وديمقراطي مع احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان والحياد التام. وإذا كان من طبائع السلطة صراع الرجال والأدوار فانه من غير الممكن أن يكون على حساب مكانة هذه القوات لدى مؤسسات الدولة والشعب.

بقلم العقيد محسن بن عيسى *

تجذّر مصطلح “قوات الأمن الداخلي”

اعتمدت الهياكل الأمنية منذ بعثها أسماء متطابقة لها ولمهامها، وثبتت على مرّ السنين بفعل المبادرات الإصلاحية-التعديلية. ولا أفهم اليوم أسباب التغاضي في الخطاب الرسمي عن مصطلح ” قوات الأمن الداخلي” الوارد في الدستور (الفصول 17 و36 و65)، وطرح مصطلح ” القوات المدنية المسلّحة”.لقد تطورت المؤسسة الأمنية تحت تأثير التجارب التي مرّت بها، و مُصطلحاتها لها تعابير مُتجذّرة في ثقافتها ومن ذلك “قوات الامن الداخلي” الذي يعود الى دستور 1959.

ومهما كانت الحيثيات وبكل تجرّد فتعبير “قوة مدنية مسلحة” وبالنظر الى معناه اللغوي ليس له أي ّ دلالة في واقع الأمن ولا يخضع للحقول المعرفية الأمنية ‘ النظريات الأمنية والعقيدة الأمنية وغيرها..”.

صحيح أن بعض القوانين الأساسية ابتعدت في مراحل مُعيّنة من تاريخها عن “مصطلح القوة العمومية” لتعويضه بـ”قوة مدنية مسلّحة”، تحت تأثير رؤى سياسية معيّنة، ورغم التراجع عن ذلك نسبيا ومحاولة الجمع بين القديم و الجديد بقيت الصيغة مُلتبسة ” قوة عمومية مدنية مسلّحة؟”.

ولعله من المفيد الإشارة إلى أنّ تعريف أيّ هيكل أمني بـ “القوة العمومية” يجعله حاملا لقيم إنسانية “حقوق الإنسان التي لا تُنقَض”، وذلك وفقا للمادة 2 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1789 والتي تنصّ على أنّ ” ضمان حقوق الإنسان والمواطن يستدعي وجود قوة عمومية، وتشكل هذه القوة للسهر على مصالح الجميع، وليس على مصلحة أولئك الذين أوكلت إليهم تلك القوّة”.

الهياكل الأمنية مهما اختلفت لها خصائص دستورية وقانونية واضحة تميّزها عن غيرها من الأجهزة الحكومية فهي تأخذ بنصيب من الخصائص العسكرية، ولكن لا تؤهلها لتوصف بالعسكرية وتأخذ من الضابطة العدلية والإدارية في جوانب متعدّدة دون ان تكون مدنية صرفه. وعلى هذه الخصوصية النظامية وليست المدنية بُنيت قواعدها ومعاييرها التي تنظم سلوكيات الوظيفة لديها وأبرزها الانضباط والحيادية.

معالجة النصوص وإزالة الالتباسات

لقد حاول دستور 2014 رغم الثغرات المتواجدة به معالجة جوانب من الالتباسات في فصوله 17 و18 و19 واهتم بتحديد مهام وصلاحيات القوات العسكرية والقوات الأمنية حيث حرص المشرّع على ان يقطع الطريق أمام ظهور تنظيمات خارجة عن سلطة الدولة مستقبلا مثل ” رابطات حماية الثورة” التي تم حلّها قضائيا سنة 2014، أو الحركات الجهادية- السلفية مثل أنصار الشريعة المُصنّفة منظمة إرهابية منذ 2013، إلى جانب إيقاف محاولات منازعة الجيش والأمن في مهامها أو خلق بديل مواز لهما.

ويأتي اعتماد تعبير ” جمهوري” في نفس الدستور وفي نفس السياق، لتثبيت الطابع الخاص للجيش وقوات الأمن الداخلي وارتباطهما بالدولة والجمهورية وفقا للمادة 1 من الدستور والتي لا يمكن تعديلها.

وكل ما أخافه أن يربك مصطلح “قوة مدنية مسلحة”، مسار المراجعات المطلوبة أيضا في الدستور الجديد حيث تعرّضت المادة 18 منه إلى أنّ الجيش جمهوري وهو قوة عسكرية تقوم على الانضباط، في حين لم ينسحب هذا التوصيف ” العسكري-الانضباطي” على الهياكل الأمنية في المادة 19. و الحال أنه لا يمكن تصوّر تأدية هذه الهياكل لمهامها دون انضباط وتسليح.

ولعل على ضوء ذلك يتم رفع الالتباس في استعمال بقية التعابير الأمنية.فما زال لدينا من يعتمد تعبير “الأمن الداخلي ليقابل الأمن الخارجي في المطلق” وهناك من يستعمل مصطلح ” الأمن الوطني” كمرادف لـ”الأمن القومي” بشكل خاطئ، وأخيرا القوات المسلحة المدنية كتعبير للإشارة إلى قوات الأمن الداخلي وما يثيره من التباس.

لا يمكن لأية دولة في العالم مهما علا شأنها النجاح في تحقيق أمنها دون إعلاء وتوضيح رسالة ودور قواتها الأمنية ودعم الثقة في أسلاكها والنأي بها عن التوظيف السياسي.

* ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني مؤلف كتاب “الحرس الوطني الذاكرة والتاريخ 1956 – 2011”.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.