الرئيسية » النص الحرفي لكتاب قيس سعيد الى رئيس مجلس النواب

النص الحرفي لكتاب قيس سعيد الى رئيس مجلس النواب

الجمهورية التونسية
الرئيس
تونس في يوم السبت الحادي و العشرين من شهر شعبان المكرم سنة
1442 للهجرة الثالث من شهر أفريل 202 للبلاد

بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين
من قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية
إلى السيد رئيس مجلس نواب الشعب
السلام علينا، و عليكم مثل الذي ألقينا
الموضوع: رد مشروع قانون أساسي يتعلق بتنقيح و إتمام القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية
المرجع: مراسلتكم المؤرخة في 25 مارس 2021 (مع التنويه إلى أن التاريخ المذكور بهذه المراسلة ليس نفس تاريخ المصادقة على مشروع القانون الأساسي المذكور، فقد تمت المصادقة على الساعة الواحدة من صباح يوم الخميس 25 مارس 2021 لا كما ورد في مراسلتكم المذكورة، و المرجع ليس تاريخ الجلسة العامة لمجلسكم الموقر، بل تاريخ المصادقة على مشروع القانون المعروض على مصادقتها)
السيد رئيس مجلس نواب الشعب، إنكم تعلمون دون شك ما نص عليه الدستور في الفصل الثاني و السبعين منه من أن رئيس الجمهورية يسهر على احترام الدستور، و أنني كنت أقسمت بالله العظيم بمقر مجلسكم على أن أحترم دستور تونس و تشريعها كما تعلمون أيضا أن الدستور الذي قسمت على احترامه يمنحني حق رد مشاريع القوانين كافة باستثناء مشاريع القوانين الدستورية و حدد الآجال بعد أن اشترط التعليل كما هو منصوص على ذلك بالفصل 81 منه. كما لا أخالكم إلا تستحضرون قوله تعالى: ( و لكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون) و قوله جل من قائل: (فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون)
و قد نص الدستور في باب الأحكام الانتقالية أنه يتمّ في أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ الانتخابات التشريعية إرساء المجلس الأعلى للقضاء و في أجل أقصاه سنة من هذه الانتخابات إرساء المحكمة الدستورية. فهذا الحكم لم يقتصر على ذكر أجل في المطلق، بل سمّاه و المسمّى هو المعيّن و المحدد و ليس لأيّ سلطة داخل الدولة أن تتجاوز الوقت الذي حدده الدستور و سمّاه و نص على الأجل و ذكر أقصاه
و ليس بحاكم من لا يبالي أأخطأ في الحكومة أم أصابا
و إن لكل تلخيص لوجها و إن لكل مسألة جوابا
و إن لكل حادثة لوقتا و إن لكل همل حســــابا
و إن لكل مطّلع لحدّا و إن لكل ذي أجل كتابــــا
لن تتم الإشارة في هذا الكتاب إلى التنقيح المتعلق بحذف كلمة تباعا، ففضلا على أن التنقيح كله يل فضلا عن النص الأول و نص التعديل جاء خارج الآجال، فإن الواو في كتاب سيبويه تفيد التتابع من جملة المعاني التي بمكن أن تفيدها، و ذلك نحو قوله تعالى: (و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون)
لقد تمّ تجاهل النص في الدستور، و لم تكن نية التتابع إلا بقصد البحث عن التوابع، و التوابع تليها الزوابع كما جاء في عنوان رسالة ابن شهيد الأندلسي.
السيد رئيس مجلس نواب الشعب. منح الدستور لرئيس الجمهورية وحده اختصاص الختم و خوّل له حق الرد. و الختم كما ورد ذلك عند صاحب تاج العروس يفيد الطبع وهو الاستيثاق في أن لا يدخله شيء، من ذلك قوله تعالى: (أم على قلوب أقفالها) و منها قوله تباركت أسماؤه (ختم الله على قلوبهم). و الختم كما يعرّفه الفقهاء هو العنصر اللازم المكمّل للقانون لأن قابلية النفاذ تجد مصدرها في عملية الختم لا في النص التشريعي الذي عبّرت به الهيئة التشريعية عن إرادتها. لعلّ الختم حريّ بالتذكير بأصله و محتواه و آثاره فهو قرار كما يجمع الفقه على ذلك. ورفضه أيضا قرار تترتب عليه آثار قانونية، كما لا يختلف الفقهاء حول ذلك. تستحضرون دون شك ما اقتضاه الفصل الثامن و الأربعون يعد المائة، ففي الفقرة الخامسة منه أنه يتمّ في أجل أقصاه سنة من تاريخ الانتخابات التشريعية إرساء المحكمة الدستورية. مرّت اليوم أكثر من ست سنوات، و تذكر المجلس الذي ترأسونه المحكمة الدستورية، بعد ما كان يتذكرها البعض بين الحين و الحين لاعتبارات سياسية خالصة لا حرصا على الحفاظ على علويّة الدستور. و قد تمّ في الأثناء وضع القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية و لكن لم يتمّ إرساؤها عملا بالفصل الثامن و الأربعين بعد المائة م الدستور، و ذلك في خرق واضح للدستور، بل أن المجلس النيابي بمثل هذا الموقف وضع نفسه في موقف دستوري مستحيل. بل على امتداد عدة سنوات لم يتوفق إلا في انتخاب عضوة واحدة. و بين فترة و أخرى يشاع أنه حصل وفاق بين الكتل لا أثر له إلا في التصريحات و الآجال تهم النظام العام، و الدستور أعلى في نظامنا القانوني من كل نص و من كل تأويل بريء أو غير بريء لأحكامه. و أنتم أقسمتم على احترامه و لا تجهلون أن الإجراءات تكون باطلة إذا نص القانون على خلاف ذلك (قرار تعقيبي مدني عدد 5742 و 5780 مؤرخ في 23 ماي1968) و أن القيام بالإجراءات بعد فوات الآجال التي حددها القانون للقيام به يضاهي عدم القيام بالإجراء أصلا (قرار تعقيبي مدني عدد 160 صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب بتاريخ 26 أفريل 2001) و توجد من مثل هذه القرارات العشرات لأن الإجراءات تهم النظام العام، فكيف إذا نص عليها الدستور. و لعله من المفيد التذكير في هذا الإطار برأي المحكمة الإدارية حول إرساء المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ العشرين من شهر نوفمبر 2015 المعلق بآجال إرساء المجلس الأعلى للقضاء. و قد ورد في نص هذه الاستشارة: (و بناء على ما سبق بيانه فنه من المتجه اعتماد اليوم الموالي لتاريخ 21 نوفمبر 2014 بوصفه يوم نشر النتائج النهائية للانتخابات التشريعية بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية كمنطلق لاحتساب أجل الستة أشهر المنصوص عليها بالفقرة الخامسة من الفصل 148 من الدستور لإرساء المجلس الأعلى للقضاء فعليا بشكل ينتهي معه الأجل الدستوري الأقصى تحديدا بتاريخ 21 ماي 2015. و لا أثر في القانون التونسي لما سمّي خطأ بالآجال الاستنهاضية ( راجعوا إن شئتم الفروق الفقهية بين أجال التقادم و الآجال النهائية و سقوط الآجال)
فما يتعلق بالنظام العام، لا ودود فيه لاستنهاض أو استحثاث. فالاستنهاض يفيد أن ما قبله هو النوم أو السبات، سبات مصطنع ظاهره نوم أو تناوم و باطنه ما وصف بالتوافق أو الوفاق المستتر. و الاستحثاث نقيض التقاعس و الارتخاء فإن كان هناك نوم أو تناوم و جرّ بطيء للخطى، فالمجلس النيابي هو الذي يتحمل وحده المسؤولية و الآثار التي أدّت إلى هذا التأخير. و لم يتعرض المجلس الوطني التأسيسي جزافا للإرساء و الإرساء ليس الإحداث، فأرسى كما أوضح صاحب التحرير في شرحه لقوله تعالى (مجراها و مرساها) إذا جعلها راسية أي واقفة على الشاطئ و لكن المحكمة الدستورية التونسية لم ترس أو تقف في أي مرسى أو شاطئ بل بقيت تتقاذفها الأمواج في ظل ريح صرصر عاتية تنقلب كل يوم، بل و كل ساعة و تهبّ في كل إعصار مصطنع في كل اتجاه.
إن الله وحده هو العالم بخائنة الأعين و بما تخفي الصدور، و لكن لا أحد يشكّ إلا إذا عميت البصائر و زاغت الأبصار المقصد الحقيقي من هذا القانون، إذ لا علاقة له بعلويّة القانون و ضمان علويّة الدستور، فكيف لمن هو مطالب أمام القضاء و فارّ من العدالة، بل كيف للراشي و المرتشي، و المدان و المعتدي أن يطالب بمحكمة ينتصر إليها في الظاهر، و يعمل على التسلل إليها في الخفاء.
إن لدينا من المعلومات الكثير، ليس هذا مجال تعدادها و ذكرها. و أنا على يقين أنكم على علم بها. لذلك فإننا نردّ إليكم هذا القانون المتعلق بتنقيح القانون الأساسي للمحكمة الدستورية، و لن يتمّ القبول بالختم إلا بعد تحققنا من تغليب أحكام الدستور، و من كان مقصده غير هذا، فليعلم أن حججنا واضحة جليّة و أن مواقفنا ثابتة قويّة، و إرادتنا في ضمان علويّة الدستور و حقوق شعبنا صادقة خالصة سويّة.
و السلام علينا وعليكم و على من اتبع الهـــــــدى
رئيس الجمهورية التونسية
قيـس سعيـد

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.