الرئيسية » حول التسريبات المتعلقة بثروة راشد الغنّوشي : هل هي بداية النهاية للإسلام السياسي؟

حول التسريبات المتعلقة بثروة راشد الغنّوشي : هل هي بداية النهاية للإسلام السياسي؟

الأوضاع الدولية والإقليمية تتطور باتجاة زعزعة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين و قادته و من بينهم راشد الغنّوشي و رجب طيب أردوغان.

هل يمكن اعتبار التسريبات الأخيرة لصحيفة “الأنوار” التونسية المتعلقة بالثروة الطائلة لراشد الغنّوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية و الرئيس الحالي لمجلس نواب الشعب بداية النهاية للإسلام السياسي في تونس ؟  

بقلم الأسعد بوعزي *

للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ لي من أن أستحضر كعادتي كلّ ما تعلق الأمر بحدث يشغل النّاس تلك المقولة الشهيرة للرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور : “في العمل السياسي، ما من حدث يأتي هكذا بمحض الصّدفة، فهو إن تمّ بأيّ شكل من الأشكال كن على يقين من أنه تمّ التخطيط له مسبقا كي يكون على تلك الشاكلة من أجل تحقيق هدف بعينه”.

لا بدّ من الإشارة قبل كل شيء إلى أن تسريب الخبر المتعلق بثروة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ربما جاء بأمر من دولة قطر ولم يستهدف الغنوشي بمفرده بل العديد من قيادات الصف الأول من الإخوان المسلمين في العالم.

مثل هذا التطوّر في موقف إمارة البترودولار من الإخوان المسلمين التي كانت تحتضنهم وتساندهم لا يمكن تفسيره إلاّ بإكراهات على غاية من الأهمية فرضها تغيّر الوضع الجيوسياسي على الصعيد العالمي والإقليمي.

وفي هذا الإطار لا بدّ من التذكير بالدور الذي لعبته الولايات المتحدة في ظل حكم الحزب الديمقراطي بقيادة باراك أوباما سنة 2010 حيث جيء بالإسلام السياسي باسم ثورات الربيع العربي لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وإعادة تقسيم خارطته بما يخدم مصلحة أمريكا وإسرائيل في المنطقة.

إن هذا المشروع لم يعد اليوم قائما بعدما أُجهضت الخطّة في مصر وفشل الإسلام السياسي في الحكم فشلا ذريعا ما جعل من هذا الفشل شعارا يرفعه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في وجه الديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية الأخيرة. ولعلّ وصول جو بايدن إلى سدّة الحكم في ظلّ شرعية انتخابية منقوصة ومجتمع أمريكيّ منقسم هو الذي حتّم على الإدارة الأمريكية وضع ملف الإسلام السياسي على رأس أولوياتها للتخلّص منه في أسرع وقت ممكن والتحرّر بذلك من عقدة ذلك القرار الخاطئ الذي اتخذته سنة 2010 ولم ينتج عنه سوى الخراب والدمار دون تحقيق أهدافه الإستراتيجية التي اتخذ من أجلها والتي تتلخص أساسا في كسر المثلث الشيعي في منطقة الشرق الأوسط للتفرغ إلى محاصرة الصين وروسيا في منطقة آسيا الصغرى علاوة على تحقيق هدفا استراتيجيّا يتعلّق بالطاقة وهما ملفّين يطول شرحهما ولا يمكن تناولهما بالتحليل في هذا المقال.

ما هو ثابت اليوم هو أن المثلث الشيعي لم ينكسر ولا بدّ من التعامل معه بالطرق السياسية مثل العودة للحوار مع إيران في حين أن محاصرة الصين وروسيا لم تعد تتمركز في منطقة آسيا وتستدعي الوسائل العسكرية بل أصبحت تتمركز في إفريقيا وتتطلّب طرقا سياسية  واقتصادية.

أما على المستوى الإقليمي فإن المتغيرات التي حصلت في المنطقة خلال السنة الأخيرة كان لها دور أساسيّ في القرار الحاسم الذي قد تكون اتخذته كلّ من أوروبا وأمريكا للقطع نهائيّا مع الإسلام السياسي.

 علاقة الغرب مع تركيا:

لا شكّ من أن السياسة العرناء التي انتهجها أردغان في بلاده وفي منطقة الحوض الشرقي للمتوسط لم ترق إلى الغرب الذي أصبح يرى في هذه المنطقة قلب العالم لما تلعبه من دور حيويّ في اقتصاده ولما تمثله من أهمية بالغة في رسم خطته الإستراتيجية.

على الصعيد المحلّي فإنه لا يخفى على أحد أن رجب طيّب أردغان الذي نقّح دستور بلاده بما يقوّي صلاحياته انقلب باسم هذه الصلاحيات على المبادئ التي رسمها الزعيم كمال أتاترك للدولة الحديثة ليجعل من تركيا وهي التي تشكل بوابة أوروبا على آسيا دولة معادية للغرب من حيث التوجه السياسي والفكري ولعلّ قرار تحويل كنيسة آيا صوفيا (بما لها من رمزية تاريخية لدى المسيحيين) إلى مسجد لخير تعبير على هذه العداوة المتنامية.

أما على المستوى الإقليمي فإن الرئيس التركي استغلّ الحرب على الدولة الإسلامية ليدمّر كلّ من سوريا والعراق ويستولي على أجزاء من أراضيهما ويضع نفسه في منزلة المدافع عن الإسلام من أجل إحياء دولة الخلافة.

و حرصا منه على تحقيق هذا الحلم كان لا بدّ له من أن يتحالف مع الإخوان المسلمين في كلّ البلدان العربية وخاصّة منها تونس وليبيا حيث أصبحت حكومات هذه البلدان تدين له بالولاء وتسعى إلى تقديم مصلحته ومصلحة بلاده على مصلحة شعوبها ما أجّج الأوضاع في هذه البلدان وأثّر سلبا على استقرارها واقتصادها ووحدتها الوطنية.

وفي تعدّ صارخ على القوانين الدولية وخاصة منها ما يتعلق بقانون البحار وبعد عقد اتفاقية مثيرة للجدل مع حكومة الوفاق الوطني اللّيبية الإخوانية بقيادة فايز السرّاج سعى أردغان إلى الاستيلاء على الجرف القاري في بحر إيجه وشرق المتوسط وهو ما ألّب عليه الرأي العام الدولي والإقليمي وجعله في مواجهة مباشرة مع حلف يتكوّن من مصر واليونان وقبرص.

وتجدر الإشارة في هذا المجال أن عملية تقاسم الفضاءات البحرية بين الدّول في البحار المغلقة وشبه المغلقة على غرار البحر الأبيض المتوسط تمثّل عملية جدّ معقّدة تستدعي في غياب الحول التوافقية solutions à l’amiable اللّجوء الى محكمة التحكيم الدّوليّة.

ومن ناحية أخرى فإن دخول تركيا في الحرب الليبية إلى جانب حكومة الوفاق الوطني وإصرارها على انتهاك القرار الأممي المتعلّق بحضر الأسلحة على الأطراف المتنازعة وسعيها الدّائم إلى وضع يدها على الثروات البترولية جعلها في مواجهة معلنة مع فرنسا التي ترى فيها تهديدا جدّيا لمصالحها بالجهة خاصّة بعدما تطوّر الأمر بين البلدين ليبلغ خطورة بالغة بسبب العمليات الاستفزازية التي يقوم بها الأسطول التركي تجاه السفن الفرنسية.

أمّا أمريكا الحليف الإستراتيجي لتركيا فإنها أصبحت ترى في أردغان عنصر عدم استقرار في المنطقة خاصّة بعد إصراره على عقد صفقة الصواريخ من نوع S400 مع روسيا ما تسبب في إقصاء بلده من برنامج تصنيع الطائرة المقاتلة من نوع F35 وهو ما يوحي بدخول تركيا في حلف جديد قد يضمّ كلّ من روسيا والصين وإيران.

وعلى ضوء كلّ هذه الأحداث والمستجدّات فإن الوضع الداخلي في تركيا أصبح متأزّما ويتلخص في تدهور الاقتصاد الوطني جرّاء الحرب والعقوبات الأوروبية وأزمة كورونا والمخلّفات الضّارّة بالبلاد النّاتجة عن المحاولة الانقلابية التي جدّت سنة 2016 وهو ما نتج عنه عديد الاستقالات في صفوف حزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم) وصعود الأحزاب المعارضة في سبر الآراء في الوقت الذي تندّت فيه شعبية أردغان إلى أدنى مستوياتها.

أمّا على المستوى الخارجي فإن تركيا أصبحت دولة منبوذة من جيرانها فيما أصبح رئيسها مصنّفا “دكتاتورا وراعيا للمنظمات والجمعيات الإرهابية” على حدّ قول الرئيس الأمريكي جو بايدن في إحدى تدخلاته التلفزية.

إن المأزق السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تردّت فيه تركيا بسبب حماقات وغرور رئيسها جعلها تقدّم الكثير من التنازلات في ما يتعلق بالملف اللّيبي وملفّ الجرف القارّي وأرغمها على مقايضة تحسين علاقتها مع جمهورية مصر العربية بتقديم قادة تنظيم الإخوان المسلمين الموجودين على أراضيها إلى الحكومة المصرية.

المصالحة بين قطر والرّباعي المقاطع لها:

إن المصالحة التي تمّت مؤخرا (بمباركة الولايات المتحدة الأمريكية) بين إمارة قطر والرّباعي الذي يحاصرها (المملكة السعودية ومصر والبحرين والإمارات العربية) تمّت وفق الشروط التي وضعها الرباعي المذكور ومن أهمّها التزام الدّوحة بالتخلّي عن رعاية المنظمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين.

وعودة إمارة قطر إلى مجلس التعاون الخليجي تعني بالأساس تحرّرها من الضغوطات الإيرانية والتركية التي سُلّطت عليها بعد أن ضُيّق عليها الخناق من طرف جيرانها العرب وهو ما يعني أيضا إضعاف المنظمات الإسلامية المتواجدة في هاتين الدولتين مثل منظمة حماس (إيران) والإخوان المسلمين والإتحاد العالمي لعلماء المسلمين (تركيا). من هنا قد يُفهم تسريب الخبر المتعلق بثروات قادة منظمة الإخوان المسلمين ومن بينهم راشد الغنوشي.

التطبيع مع إسرائيل:

إن حملة التطبيع مع إسرائيل التي بدأت تشهدها الدول العربية في إطار صفقة القرن (التي لا تزال قائمة على عكس ما يتمّ اعتقاده) ساعدت على تأسيس حلفا إسرائيليّا سنّيّا في المنطقة بما يضعف دور القوى الإقليمية مثل تركيا و إيران.

و في هذا الإطار فإن التقارب الذي تمّ بين السودان وإسرائيل على سبيل المثال ساعد على تخليص الخرطوم من قبضة الإخوان المسلمين وجعلها تدور في فلك أمريكا بعد إخراجها من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

مثل هذا التقارب قد يأتي يوم ليطال فيه دُولا أخرى مثل اليمن والصّومال وقد يأخذ أشكالا غير معلنة على غرار ما تمّ في بعض الدّول العربية والإسلامية ومنها جمهورية جيبوتي.

حلّ النزاعات المسلّحة في البلدان العربية والإسلامية:

إن القرار الذي اتخذه الغرب بقيادة أمريكا والمتمثل في السّعي إلى حلّ النزاعات في المنطقة العربية بالطرق السلمية على غرار ما تمّ في ليبيا سوف يساعد على إنهاء الحروب التي كانت تقوم بها المنظمات الإسلامية بالوكالة عن أمريكا في المنطقة. هذه المنظمات التي تقوم بدور المرتزقة سوف تندثر وتنتهي تماما بانتهاء الحرب في أفغانستان التي بدأت بوادر حلّها تتضح للعيان.

لا شكّ من أن القوى الغربية متفطنة إلى ما يدور بمنطقة الساحل الإفريقي من تجمعات للتنظيمات المنضوية تحت قيادة الدولة الإسلامية بعد طردها من العراق والشّام ولما تمثله هذه التجمّعات الإجرامية من تهديد لأوروبا خاصّة مع تنامي الهجرة الغير شرعية بين ضفّتي البحر الأبيض المتوسّط. مثل هذه التنظيمات لا يمكن محاربتها إلاّ بتجفيف منابع تمويلها ومكافحة الفكر الذي يحرّكها وهذا يمرّ حتما عبر محاصرة الإسلام السياسي وقطع تمويله وإمداداته اللّوجستية.

هكذا يتضح أن ما يتعلق بالغنوشي من تسريبات حول مصادر ثروته يدخل ضمن هذه الإستراتيجية الأطلسية التي تهدف إلى التخلص من الإسلام السياسي السّاعي إلى إقامة دولة الخلافة مقابل إقامة حلفا سنّيّا يهوديّا (إسرائيليّا) في المنطقة يتولّى رعاية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بما يسمح لهذه الأخيرة بالتفرغ إلى محاصرة روسيا والصين في مناطق أخرى من العالم.

وبالرجوع إلى تونس فإنه من الملفت للانتباه أن يتزامن خبر الكشف عن ثروة الغنوشي مع مداهمة مستودع سرّي على ملك الحارس الشخصي لهذا الأخير من طرف الجمارك التونسية وحجز ما بداخله من سلع تقدّر قيمتها المالية بمليار من الملّيمات وهو لعمري حدث لا يمكن أن يتمّ إلاّ بضوء أخضر من إحدى الدّول النافذة والتي تحرّك اللعبة السياسية في تونس.

التحليل المنطقي لكلّ هذه الأحداث ينبئ بنهاية الإسلام السياسي في بلادنا وفي كلّ دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

هذا لا يعني أن حركة النهضة سوف تضمحلّ من المشهد السياسي على الأمد القريب وطول بقائها سوف يكون رهن مدى قدرتها على التأقلم مع هذا الواقع الجديد.

وعلى غرار ما قام به عبد السلام شمّام (مهندس عملية باب سويقة وهو الذي يصف نفسه بالوحش الذي تربّى في بيت النهضة) من مراجعة انتهت بتقديم اعتذاره إلى الشعب التونسي، من المنتظر أن تقوم هذه الحركة بدورها بكثير من المراجعات وسوف تأخذ حجمها الحقيقي في البلاد ولعلّها تصبح حقّا حزبا مدنيّا وتعتذر للتونسيين عمّا أصابهم منها لتصبح المصالحة الوطنية واقعا ملموسا. هذا لا يمكنه أن يتمّ إلاّ بعدما يأخذ الغنوشي خزينته ويغادر البلاد نحو وجهة أخرى.

* ضابط سامي سابق في البحرية الوطنية التونسية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.