الرئيسية » الرَّئِيس قيس سعيد يَلْتَجِئ إِلَى المَعَرِّي… وَ مَنْ غَيْرُ المَعَرِّي سَيُخَفِّفْ عَنْهُ وَ يُوَاسِيهْ؟

الرَّئِيس قيس سعيد يَلْتَجِئ إِلَى المَعَرِّي… وَ مَنْ غَيْرُ المَعَرِّي سَيُخَفِّفْ عَنْهُ وَ يُوَاسِيهْ؟

إذا كان سياسيو تونس في هذا الزمان قد نجحوا في شيء، في ظل فشلهم الذّريع في خدمة البلاد، فهو نجاحهم في خذلان الشّباب الحالم و صرفه عن الاهتمام بالشأن السياسي و الانخراط فيه بعد فورة الثورة و بداياتها الواعدة، و ذلك لما ظلّ يراه فيهم من تناقضات و تلاعب و مهاترات، قبل كل انتخابات و بعد كلّ انتخابات.

بقلم كريمة مكي *

و في المقابل فإنّ الرئيس قيس سعيّد قد توفّق لوحده و بمداخلات قصيرة في جعل الشباب التونسي الهائم على وجهه اليوم يلتفت للأدب العربي القديم و يسأل و يبحث عن شخصيات تاريخية و مصطلحات أدبية كʺالإخشيديʺ و ʺابن القارحʺ أو كلمة ʺزقفونةʺ التي وردت في ʺرسالة الغفرانʺ لأبي العلاء المعرّي و التي استعملها الرّئيس في أحد لقاءاته الأخيرة للإشارة لشركائه في حكم تونس: رأسي الحكومة و البرلمان الذين يسعيان لفرض وزراء جدد عليه تشوبهم الشوائب مطالبين إيّاه بأن يتراجع عن موقفه المبدئي من الفاسدين و أن يقبل فقط… بأدائهم اليمين!

الرّئيس يحكم مع شركاء هم في الأصل أعتى المعارضين

و لأنّ هذا الوضع لا تُحسد عليه تونس و لا يُحسد عليه الرّئيس الذي وجد نفسه يحكم مع شركاء هم في الأصل أعتى المعارضين، فقد التجأ الرّئيس ʺالوحيدʺ إلى المعرّي… و من غير ʺالمعرّيʺ يُخفف عنه مُصابه و يُواسيه!

المعرّي أشهر الأدباء العرب و أرقّهم طبعا و أصدقهم حرفا، لا يمكن لمن قرأه و تعمّق فيه أن لا يتأثر به و يتماهى معه في تقلّباته و معاناته الطويلة. و يبدو الرّئيس مفتونا بالمعرّي و إلاّ لما ظلت ذاكرته حيّه بتفصيلات دقيقة من ʺرسالة الغفرانʺ، استنجد بها لوصف وضع بلده اليوم فكان نِعم الاستشهاد بالأدب الرّفيع الذي يحيا في القلوب فيدوم و يدوم. و هذه هي إحدى مناقب هذا الرّئيس الذي سيُحسب له يوما، و بعد انتهاء عهدته، أنه قد صالح هذا الجيل التونسي الضائع في مهبّ التجاذبات السياسية و المعرفية و الدينية، مع ماضيه الإبداعي و الأدبي فصارت مصطلحات أدبية قديمة، كانت إلى زمن قريب حكرا على هوّاة الأدب و مُدرّسيه، متداولة لدى الجمهور الواسع في الشارع و في الفضاء الافتراضي.

إنّها و لا شك الخطوة الأولى في رحلة الجيل الجديد نحو ماضيه لقراءته و التمعّن فيه و فرز الغث من الثمين فيه.

فشباب لا يقرأ ماضيه لا يمكن أن يُعَوَّلَ عليه.

لن يفهم الشباب حقيقة أوجاعه إلاّ إذا فهم تاريخه

لن يفهم هذا الشباب حقيقة أوجاعه و سبب ما يعانيه إلاّ إذا فهم تاريخه بكلّ ما فيه فلتكن اليوم بداية العودة إلى الوراء ليفهم الجيل الجديد، لماذا جرى لنا… كلّ ما جرى!

و إلى أن يعود للأدب العربي صولته، كما كان يوما، هذه رسالة كتبتها منذ سنوات لصاحب ʺرسالة الغفرانʺ، صديقي أبو العلاء الذي لم يكن يحبّ الدّنيا و لم يكن يحبّ النساء…!!

ʺدخلتُ على المعرّي في محبسه، فصاح: ماذا تُريدين؟؟؟
قلت: جئتُ لِأَرَاكْ.
قال: لا أُحِبُّ الدّنيا… لا أُحِبُّ النّساء.
قلت: لستُ امرأة.
قال: فماذا تَكُونِينْ؟
قلت: أنا مثلك… بَشَرٌ حَزِينْ.ʺ

* كاتبة و مدونة تونسية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.