الرئيسية » إلى الضمائر الوطنية : إِمّا النهوض للحل الوطني وإِمّا…

إلى الضمائر الوطنية : إِمّا النهوض للحل الوطني وإِمّا…

مقر الحكومة بالقصبة.

بعد أن عاشت تونس على وقع موجة احتجاجات اجتماعية شبه عامة والتي تتواصل بأقل حدة. وفي انتظار موجة أخرى. تعيش البلاد من جديد على وقع نزاع اندلع بين قطبي السلطة التنفيذية بعد أن رفض رئيس الجمهورية قبول الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية، الذي تقتضيه بنود الدستور.


                            بقلم فتحي الهمامي *

ولأن الخلاف كان يكتسي طابعا قانونيا ودستوريا وفي ظل غياب محكمة دستورية تحسم الأمر لفائدة هذا أو ذاك، تسابق أهل الاختصاص في مادتي الدستور والقانون ليدلي كل واحد(ة) بدلوه، وليتجالدوا (من حظنا) ليس بالسيوف وإنما بالكلمات.

لهذا كَثُرت هاته الأيام وتَعَدَّدت الارَاء  والفتاوى ووجهات النظر للخروج من مازق يبدو ظاهِرُه  إِجرائيّ  شكلي قانوني ولكن في الحقيقة باطنه سياسي يُنْبِئُ  ببلوغ اوضاعنا درجة الازمة العميقة.

وقد أظهر اولائك الخبراء والحق يقال جدية علمية وإدراك متبصر بخطورة القضية ولكن خصوصا  بينوا التزامهم التام بحريتهم الفكرية والأكاديمية. 

تخليص الدولة من داء الفشل الذي أصابها و حالة الانهيار المتربصة بها

ولكن هل يفيد التفقه في الدستور والحذلقة القانونية (التعبير للأستاذ عبد العزيز لبيب) لحل ورطة  تشبه رأس جبل الجليد وما خفي كان أعظم. فكما لا أعتقد أن حوارا وطنيا (كالذي طرحه إتحاد الشغل) بإمكانه حاليا التوصل إلى وضعنا على سكة تجاوز الأزمة السياسية الخانقة، بالمثل لا أظن أن بعث هيئة تحكيمية محايدة قادر على فض الخلاف بين رأسي السلطة التنفيذية ثم إدخال الوئام بينهما، ولا أرى أيضا أن حلا سياسيا جزئيا (انسحاب أو سحب الوزراء المشتبه بهم) يمكن أن يجر البلاد إلى بر الأمان. فالرأي عندي أن الأزمة طابعها وطني شامل ومتعدد الأوجه ومجابهتها تقتضي رؤية وطنية شاملة تجتمع من أجلها وتتآلف  القوى الوطنية على قاعدة برنامج يعمل على تخليص الدولة من داء الفشل الذي أصابها ومن حالة الانهيار المتربصة بها. 

فليس جديدا القول أن الدولة بحاجة إلى بث روح القانون في جسمها المتهالك، وإلى ضخ دم صاف ينزع عنها دم المال الفاسد المبثوث فيها، وأن  تلَقحَّ  بصفة عاجلة ضد نزلة “الأخونة”  الوافدة. فوقفة وطنية مطلوبة -إذن- للانقاذ، فقد جلَّ الأمرُ وحل بالبلاد الضعف والهوان، التي لا يمكن أن تكون ظرفية محدودة في الزمان، كما لا يمكن أن تتحدد أطرافها  على أساس اللون السياسي او الفكري، ولكن أيضا لا يمكن أن تنزع عنها صفة التنوع  والتمايز. ولإنجاح  وقفة الإنقاذ تلك أرى أنه ليس بالإمكان أن لا يكون لإتحاد الشغل وللمنظمات الوطنية  نصيب من المشاركة، ولرئيس الجمهورية إسهام ودور، وأن تكون التشاركية منظومة عملها والديمقراطية أداة وصفة التغيير عندها. دون نسيان بالطبع الإسناد الشعبي لها في كل وقت وفي كل حين. فمن أين المنطلق ؟ 

تخليص مجلس نواب الشعب من العبث والفوضى

1- ليس من خطوة أولى سوى نجدة مجلس نواب الشعب وتخليص نصف شرعيته (النصف الآخر طعن في شرعيته تقرير محكمة المحاسبات) من العبث والفوضى وذلك بالإزاحة الديمقراطية لراشد الغنوشي من رئاسة المجلس، والتوافق على شخصية توافقية لتعويضه.

2- اما الخطوة الثانية، والتي تولدها الاولى بحكم الزخم الذي ستحدثه، فتكون العمل الحثيث على دفع “حكومة المدرعات” (التسمية للأستاذ نعمان مزيد) إلى الاستقالة. وبالتزامن مع ذلك تحرص القوة البرلمانية الجديدة على التوافق على بعث المحكمة الدستورية.

3- والخطوة الثالثة لابد ان تنصرف إلى بعث حكومة وحدة وطنية عابرة للتنوع  الفكري ولكنها مناهضة لقوى المال المشبوه وللاسلام السياسي. يرتكز  جهدها على التصحيح والتصويب في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وعلى تجفيف منابع الفساد والارهاب وعلى الشروع في  الاصلاح القانوني والدستوري.

يقول قائل ما أدراك ان تلك القوى التي ذكرت ستنجح في الائتلاف والتوافق ! أليست هي نفسها محل نقد بسبب ما تعانيه من بعض العلل والأمراض (الخلافات العقيمة، الفردانية، الزعامتية…)؟ أقول أن عليها  المحاولة وأن تستمر في المحاولة من أجل النهوض الجماعي للحل الوطني وإلا فإن طوفان الفوضى والجوع سيحمل الجميع.

وبعد هذا الكلام سأختار مستقبلا “الصمت لإخبارهم بكل شيء لم يفهموه حين كنا نتكلم” (نجيب محفوظ).

* ناشط مدني وسياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.