الرئيسية » انهيار قطاع الصحة في تونس : ليس هناك من هو أكثر صمما ممن لا يريد الإنصات

انهيار قطاع الصحة في تونس : ليس هناك من هو أكثر صمما ممن لا يريد الإنصات

شهدت الساحة الطبية بتونس يوم الجمعة الفارط فاجعة كبرى هزت كل المنتسبين للقطاع وجموع المواطنين ألا وهي استشهاد طبيب شاب في مقتبل العمر بطريقة بشعه نتيجة إخلالات فادحة وجسيمة في منظومة الصيانة وغياب آليات الرقابة وافتقاد مستشفياتنا إلى الحد الأدنى من السلامة والجودة. حيث سقط الشهيد في مصعد وفقد حياته كما فقد أترابه الأمل في مصعد اجتماعي قد تعطل منذ عقود. 

 بقلم الدكتور علاء الدين سحنون *

تزامنت هذه الفاجعة مع تحركات وإضرابات الأطباء العامين في القطاعين الخاص والعام  الذين يدافعون على شرفهم وكرامتهم بعد ما قررت سلطت الإشراف تغيير مناهج وسنوات التدريس في كليات الطب جاعلين منهم أسفل صنف من أصناف ثلاث تمارس نفس العمل : الأطباء العامون، أطباء العائلة، والمختصون في طب العائلة. وذلك لإرضاء لوبيات داخلية وأطراف خارجية تطمع في إفراغ تونس من أطبائها، تم التعامل مع هؤلاء الأطباء باحتقار وازدراء من طرف الوزير وطاقمه فأغلقت الوزارة أبوابها  في وجه أبنائها وهذا هو الصمم الحقيقي إذ تم رفض أي حوار لعدم قدرة الجانب الرسمي على المحاججة لفداحة الجرم الذي اقترف في حقهم. 

لماذا هذا الاستعلاء والتعالي؟ لماذا يقتصر دخول الوزارة على الأصدقاء والحلفاء والمتعاونين؟ لماذا يتمّ تغييب – عن أي حوار- أطراف فاعلة في المشهد الصحي وممثلي ثلث أطباء تونس من الأطباء العامين؟ 

في هذه المفارقة التي تطرح العديد من الأسئلة الحارقة، يحقّ لنا التساؤل من منطق الحرص على المنظومة الصحية بتونس: هل رفض الوزير الاستماع إلى الرأي المخالف أم أنّ المديرين العامين لا يريدون أن يستمع المسؤول الأول إلى الرأي الرجيح و رأي العقل ليخلوا إلى ما يخططون له، فتحرك منتسبي القطاع الصحي للدفاع على المنظومة الصحية في تونس مسببين حرجًا حقيقيا لمن يركن في منصبه الوظيفي منذ سنوات دون تحقيق أيّ إضافة نوعية، أو طرح أيّ مشروع جذري للإصلاح و التغيير. 

الفساد و التسيب والنشاط التكميلي العشوائي

ما عاشه الأطباء العامون من ازدراء والأطباء الشبان من استغلال يجعلنا نتساءل لماذا وصلناإلى هذا الحد من الهوان والانهيار ؟ كل ما نعيشه اليوم في القطاع الصحي بتونس سببه الرئيسي هو التسيب والفساد  المستشري في وزارة الصحة. ففي  هذا الإطار، قد صدح الأطباء بالحق ووضعوا الإصبع  مباشرةً  على الداء : الفساد، التسيب والنشاط التكميلي العشوائي. هذا النشاط التكميلي الذي لم يعد يقتصر على الأساتذة الجامعيين فقط، بل تعدّاه ليشمل حتى العامل والحارس… 

الى السيد رئيس الحكومة : قبل ان تتحمل عناء البحث عن اعتمادات أخرى لقطاع الصحة عليك الإسراع بمحاربة الفساد المستشري، والذي ينخر أواصر القطاع  بتونس ومن المفيد قبل إقالة المسؤولين القيام باستدعاء هيئة مكافحة الفساد وإعطاء الأهمية اللازمة  لتقارير دائرة المحاسبات، وتكوين فرق خاصة  للتقصي في كل شبهات الفساد دون الرضوخ إلى ضغوطات اللولبيات (أذكركم بما حدث في صفاقس عندما فتح  سعيد العايدي ملفات الفساد) فببقاء تلك الممارسات فكأنما نعزم على ملء إناء قبل إصلاح الثقب.

الطبيب العام يريد الكرامة لا المال

بتواضع شديد، نهيب بكم عدم إضاعة  الوقت في إعطاء وعود لأهل القطاع من قبيل سنحقق، سنرصد أو غيرها، فالمطالب واضحة ولا تتكلف الكثير من الجهد : الطبيب العام يريد كرامته لا المال فعليك بتوحيد الخط الأمامي للصحة تحت تسمية واحدة وإصلاح تلك البدعة التونسية الصرفة و الطبيب الشاب يريد حمايته المادية والمعنوية وأن يتحصل على مستحقاته في وقتها والعمل في ظروف إنسانية. 

من ناحية البنية التحتية فلن تتحسن الأوضاع دون اعتمادات وهي لن تتوفر ما دام  الصندوق الوطني للتأمين على المرض يتلكأ في تسديد ديونه للمستشفيات ولكل مسدي الخدمات الصحية وعلى الكنام أيضا أن تطلب مستحقاتها من  الصناديق الاجتماعية التي بدورها تعاني من فساد مستشري وسوء تصرف في أموال المضمونين الاجتماعيين منذ عقود. 

سيدي رئيس الحكومة استمع وانصت إلى أهل القطاع، وجب  شن الحرب فعلياً على الفساد والمفسدين، وإن عزمت عليها، فإنا في هذه الحرب يا سيدي ستجدنا لك إن شاء الله من الداعمين.

*

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.