الرئيسية » المشيشي أمام البرلمان، إما أن يُكرم أو يُهان !

المشيشي أمام البرلمان، إما أن يُكرم أو يُهان !

اليوم الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 تَمْثل حكومة هشام المشيشي المصغرة أمام البرلمان التونسي لنيل الثقة أم لا، وستصوّت الأحزاب بكافة تشكيلاتها اليمينية واليسارية والإسلامية إما للحكومة أو ضدها، وستكون جميعها أمام خيارين لا ثالث لهما إما الموافقة على تشكيل الحكومة الجديد وبالتالي إنقاذ تونس مما هي فيه من جدل سياسي طوال الفترة الماضية التي أعقبت سحب الثقة عن حكومة السيد إلياس الفخفاخ، أو اللجوء إلى الخيار الثاني الذي يعتبره كثير من المحللين السياسيين بأنه خيار مرّ، ومرارته تكمن في زيادة الثقل الاقتصادي على بلد يعيش الهشاشة في اقتصاده، والخصاصة في الحالة الاجتماعية التي يعيشها شعبه، والخصومة السياسية التي تزداد حدتها يوما بعد يوم.

بقلم فوزي بن يونس بن حديد *

وبعيدا عن أي مهاترات سياسية ربما التي تجري في مواقع التواصل الاجتماعي اليوم وتصور المشهد السياسي من وراء ستار وتحاول أن تقنعنا بأن هناك خلافا عميقا بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان، غير أن الشيخ راشد الغنوشي وبعد لقائه الأخير مع السيد رئيس الجمهورية قيس سعيد أنبأنا أن المحادثات كانت مثمرة بين الجانبين وأن هامش الخطأ بينهما قد صُحّح ولا عودة للوراء، وهو من خلال هذا التصريح يريد أن يقول للناس إن الأمور تسير بطريقة عادية ولا داعي للخوف ولا مجال للحسابات المعقدة التي لا تقدّم ولا تؤخّر. ويبدو أن هناك وفاقا بين الرجلين إما لأن الوضع لا يحتمل الخلاف وإما أن الشيخ الغنوشي اقتنع أخيرا بضرورة وحتمية تقبّل الحكومة الجديدة ولا يسعه رفضها رغم أنها أتت بشخصيات لا علاقة لها بأحزاب، وإما لصلابة موقف الرئيس سعيد الذي لم يفتح له أي باب يمكن أن ينفذ إليه لتبرير أي موقف يصدر من حركة النهضة.

حزب النهضة وقلب تونس سيحسمان الأمر لصالح الحكومة

وعلى هذا اختار الشيخ الغنوشي المهادنة مع رئيس الجمهورية بعد أن علمت حركة النهضة أن الحزب الدستوري الحر سيصوّت ضد الحكومة، وإمعانا في معارضة هذا الحزب ستتوجه النهضة في الغالب إلى التصويت لها ونيل الثقة، وبالتالي تبقى المسألة سياسية بحتة لا علاقة لها بما يحصل للشعب التونسي من قهر وظلم وبطالة وفقر، وقد يكون التصويت لها في هذه المرحلة الحسّاسة التي تعيشها تونس يمنح النهضة نفَسا جديدا للتعامل مع الوضع القائم والمعقّد ويتيح لها مراجعة سياستها الداخلية حيث بدأت شعبيتها تتراجع بشكل كبير، قد تصل إلى التدهور خاصة أولئك الذين كانوا متعاطفين معها طوال تلك الفترة التي أعقبت الانتخابات البرلمانية الأخيرة ومنحتها تفويضا من الشعب أن تستغل البرلمان في إصدار تشريعات وقوانين تهم الشعب التونسي.

بينما يبقى أعضاء البرلمان غير المستقلين مرتبطين بالأحزاب، فما يقرره الحزب هو الذي سيقرره الأعضاء، فليس من حقّهم الانشقاق عن الحزب أو شقّ صفوفه إلا إذا اقتنع العضو من قرارة نفسه أنه ينبغي له أن يستقلّ بصوته عن الحزب الذي ينتمي إليه وهذا نادر طبعا أن يحدث في برلمان، فالأعضاء عادة وغالبا إنما يصوّتون وفق ما قرّره الحزب عموما، وعلى هذا فإن الكتل الأغلبية وخاصة حزب النهضة وقلب تونس وهما الكتلتان اللتان يمكن أن تحسما الأمر لصالح الحكومة إذا ما تم التصويت لها، لتنال بعدها الثقة الكاملة لبدء العمل رسميا في القصبة، والإشراف على ملفات ساخنة تنتظر التشكيلة الجديدة أهمها على الإطلاق مواجهة الموجة الثانية لكورونا وإنقاذ الاقتصاد من التدهور والبلاد من الإفلاس الحقيقي، وتحسين الوضع الاجتماعي، ولو أن المدة قصيرة لتحقيق كل ذلك لكن يكفي لهذه الحكومة أن تعطي إشارات إيجابية للشعب وتبين له أنها جادة في مسار الإصلاح والبناء، وتبدأ العمل من أجل الشعب حتى يهدأ تدريجيا من غضب ينبئ بوجود خطر لا قدر الله فيما لو تم تجاهل ما يحدث.

حلّ البرلمان ليس حلا ولا يخدم الدولة والشعب التونسيين

أما حلّ البرلمان فهو الوجه القبيح لعدم نيل الثقة لحكومة المشيشي وهو حلّ لا يخدم الدولة التونسية من قريب ولا من بعيد ولا يمنحها الاستقرار المطلوب، لأن البلاد ستضطرب أكثر وستتفكّك أكثر وتجعل رئيس الجمهورية في مأزق سياسي كبير حيث سيدعو إلى حل البرلمان وإقامة انتخابات برلمانية جديدة وتبقى حكومة تصريف الأعمال تقوم بأعمال شبه ديكورية حتى تحل محلها حكومة جديدة بعد أشهر وهذا ما يطيل الأزمة في البلاد وتتعطل على إثرها الخدمات وتصبح البلاد في شلل تام وعندها فعلا يسقط الامتحان والشعب يُهان ولا حلّ إلا تفكيك النظام السياسي برمته والبحث عن بديل آخر يمكن أن ينقذ البلاد.

محلل.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.