الرئيسية » بيروت الحزينة من أطعمها سمّ الانفجار الرهيب؟

بيروت الحزينة من أطعمها سمّ الانفجار الرهيب؟

عاشت بيروت يوم الثلاثاء 4 أوت 2020 يوما مأسويا وليلة حزينة ومازال الحزن مخيما على القلوب والعقول، ومازالت الصدمة مؤثرة في سكان المدينة و في كل اللبنانيين بل في و كل العرب وكل أصدقاء الشعب اللبناني في العالم، وهم يفكرون في مستقبل بلد صغير يمر بأزمة حادة منذ عديد السنوات و لا يبدو أن طبقته السياسية قادرة على إخراجه منها.

بقلم فوزي بن يونس بن حديد *

عند النبش في التاريخ والبحث عن حالات انفجار مشابه لما حدث في بيروت، وجدت أن حادث انفجار ميناء تكساس سنة 1947 كان مشابها جدا لما حدث في بيروت، من حيث المواد المتفجرة، وقد بدت تكساس في تلك السنة كبيروت اليوم، حزينة وصادمة ومندهشة لما جرى، لكن كيف يحدث هذا؟ وعلى من تُلقى المسؤولية؟

في وقت كان الجميع لا يعتقد البتة أنه سيحصل مثل هذه الانفجارات المتتالية، وقد أكد الخبراء أن مادة نترات الأمونيوم لا يمكن أن تنفجر لوحدها إلا إذا جرى احتكاك بينها وبين مواد أخرى متفجرة أو صاعقة، ويبدو أن فرضية الافتعال تزداد تأكيدا يوما بعد يوم، ولا يمكن أن نسبق الأحداث حتى يصدر التحقيق تقريره الدقيق.

الأسباب الحقيقية للانفجار ما تزال يلفها الغموض

وفعلا ما حدث في بيروت سنة 2020 حدث في تكساس سنة 1947، حيث تفاجأ السكان المحيطون بالمرفأين بهذه الانفجارات التي ألحقت دمارا كبيرا في المباني وحصدت أرواحا كثيرة، وأصابت عددا كبيرا من الناس حتى وهم في بيوتهم، وعلى مسافات غير قريبة من الحدث، وما حدث في بيروت لم يكن أمرا عاديا البتة، بل كان نوعا من الرعب الذي نراه عادة في المنام، أصاب الناس بالذهول والدهشة، ولم يستوعبوا ما حدث، وظلوا يتساءلون وهم غاضبون: أين الدولة؟ أين هم المسؤولون؟ بعضهم طالب باستقالة مسؤولي الدولة كلها، من الرئيس إلى أبسط مسؤول، وبعضهم طالب بالتحقيق الدقيق ومحاسبة المسؤولين، وبعضهم اتهم إسرائيل وربما أمريكا أيضا، وآخرون شكوا في أن الشحنة ربما تكون لحزب الله اللبناني خاصة وأنه قد صمت ولم يدلِ إلى حدّ الآن ببيان لما حدث في بيروت، وهكذا اختلفت الآراء والاستنتاجات بين الناس والمحللين والخبراء حتى تظهر الحقيقة كاملة.

لكن هل ستظهر الحقيقة كاملة كما طالب الشعب؟ أم أنه سينسى كما نُسيت ملفات أخرى قبله، وهل سيعرف الشعب مَنِ المسؤول عن هذه الشحنات الخطيرة التي تم تخزينها من القرب من المرفأ، وهل سيحاسب المسؤولون عن ذلك أمام الشعب حتى يهنأ وتخفّ عليه وطأة الصدمة؟

هل تظل الحقيقة دوما غائبة وتستمر الحياة في المجتمع اللبناني؟

كل ذلك لا أحد يتنبأ به، لكن إذا كانت هناك إرادة صلبة في لبنان، ومطالبة مستمرة لتحديد هوية المسؤولين عن الانفجار الرهيب، ومقاومة كل الإغراءات والضغوطات الداخلية والخارجية، سيخرج لبنان منتصرا بإذن الله، أما إذا تدخلت فيه أطراف داخلية وخارجية، ومارست الدول الكبرى ضغوطها على الحكومة والدولة اللبنانية، فإننا لا نستطيع معرفة الحقيقة كما في حادثة اغتيال رفيق الحريري التي مرت عليها خمس عشرة سنة أو أكثر ولا نعرف من قام بها، يتهم بعضهم حزب الله، وبعضهم الآخر يتهم إسرائيل، ولكن الحقيقة تظل غائبة عن المجتمع اللبناني وتستمر الحياة.

الغريب أن أمريكا لديها علم بأن هذه المادة يمكن أن تحدث الانفجار الكبير، وأن إسرائيل أيضا مستفيدة جدا من هذا الهجوم الذي عطّل الميكنة اللبنانية في الدفاع عن نفسها ولا تسمح لأي جهة في الداخل أن تلعب دور المدافع عن لبنان، وأن الوضع اليوم لا يسمح لحزب الله أن يقوم بعمليات ضد إسرائيل، فباتت الدولة اليهودية تمارس الكيد ببطء شديد، من خلال الاستفزاز الذي حصل عبر وسائل الإعلام، بعد إعلانها أنها مستعدة لمساعدة لبنان، فهل يمكن لعدو أن يساعد في وقت المحنة، وهو الذي يقتل الأطفال والنساء والرجال ويهدم المباني من غير رحمة ولا رأفة، فهل يمكن أن يكون لإسرائيل وأمريكا يد في هذه اللعبة القذرة، خاصة إذا علمنا أن هناك صورا لفيديوهات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تبين بوضوح أن هناك شيئا ما كان يدور في الجو قبل الانفجار الكبير، وهل يصعب على إسرائيل معرفة ما في هذه المخازن من مواد شديدة الانفجار؟ وهل فعلا يمكن أن تفعلها بضربة صاروخ لتدمر هذه الشحنات وتُظهر مثل هذا اللهيب الرهيب؟

لا نستطيع أن نثبت أو أن ننفي ذلك، لأن الأمر معقد، فالشحنة لها خمس سنوات أو أقل وهي في المخزن ولم يحدث لها شيء، والأمر فيه سر عظيم قد يكشفه المستقبل القريب أو البعيد، لأن ما حدث أمر رهيب أغرق بيروت في حالة من الدهشة والذهول والصدمة بعد أن كانت تعيش أفراحها وتزهو بجمالها، وبدأت تشكو أمراضها، من إفلاس اقتصادي وترهّل سياسي ونكسة صحية وغيرها من الصدمات المتتالية، ولعل الصدمة الأخيرة كانت الأبشع على الإطلاق إذ توقف المجتمع اللبناني عند نقطة الصفر جامدا لا يتحرك ولا يعرف ما حدث، ويبحث عن مصيره المجهول في ظل الأحداث التي تجري على ساحته.

هل أصبح لبنان رهين صراعات إقليمية أم هو رهين دائم لوصايات أجنبية ؟

* صحفي و محلل.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.