الرئيسية » لباس الديمقراطية يتمزق في تونس، والحل في اعتماد النظام الرئاسي المقنن

لباس الديمقراطية يتمزق في تونس، والحل في اعتماد النظام الرئاسي المقنن

حان الوقت لتغيير النظام السياسي في تونس، وحان الوقت ليتحرك رئيس الجمهورية على كل المستويات من أجل تحقيق ذلك، وحان الوقت لإسكات الأصوات التي تحاول إعاقة تطوّر التجربة الديمقراطية في تونس، على أن يكون التغيير متناسقا مع حرية الشعب وكرامته، بعيدا عن نظام الاستبداد والديكتاتورية.

بقلم فوزي بن يونس بن حديد *

شكّل النظام السياسي في تونس اليوم، عقدة في أوساط الأحزاب الناشئة اليوم، حيث بدت الرئاسات الثلاث وهي رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة كأنها في صراع حول من يُمسك بزمام الأمور في الدولة، وبدا التخبط واضحا سواء في القرارات المهمة أو في المواقف السياسية الداخلية والخارجية، فأحيانا نرى تضاربا واضحا وتناقضا غير مقبول في المواقف السياسية في القضايا المهمة التي تهم الشعب التونسي أو تلك التي ترتبط بالصراعات الخارجية سواء في ليبيا أو في سوريا أو في أي جهة من العالم، ولا يكون هناك موقف واحد وموحّد يمثل تونس، فبينما يصرّ رئيس الجمهورية على انتقاد النظام السياسي في أكثر من مرة، لأنه يكرس هيمنة الأحزاب والخلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، نجد الشيخ راشد الغنوشي يتمسك بهذا النظام بكل قوة ويعتبره مناسبا لئلا يفكر خصومه في مرحلة أخرى من الحكم التي تكرس نظام الحزب الواحد أو الرجل الواحد أو ما يسمى بالنظام الرئاسي.

نظام ديمقراطي في شكله لكنه عاجز على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية

وبقي الجدل السياسي قائما إلى اليوم منذ أن نشأ إبان الثورة على نظام بن علي، ولم يجد بعدُ طريقه نحو التناسق والتوافق، والأرجح أنه سيبقى كذلك إذا لم تُتخذ إجراءات فورية وقرارات صعبة ومهمة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإلا ستؤول الأمور حتما إلى فوضى نحن في غنى عنها، وفي كل يوم نرى نداءات تتعاظم وتتزايد للتخلص من هذا النظام الذي وإن بدا ديمقراطيا في شكله إلا أنه عصيّ على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها تونس طوال هذه الفترة، ولم تخرج بعدُ من عنق الزجاجة وظلت تختنق يوما بعد يوم، وربما تموت التجربة الديمقراطية في مهدها بفعل هذا الاختناق أو أنها تنتقل تدريجيا إلى مستوى أعلى من الديمقراطية، التي ينشدها الشعب التونسي. ونرى آخرين يعملون على تقويض هذه التجربة الناشئة عبر إثارة المشاكل سواء بتهييج الشعب أو باستخدام العمال والموظفين ذريعة لتحقيق مكاسب سياسية.

نظام يولّد الصراعات ويراكم المشاكل ويضيعّ مصالح المواطنين

ويبقى الشعب التونسي ينتظر، ويبحث عن المُنقذ الذي يخرجه من محنته الاجتماعية والاقتصادية بعيدا عن أي حسابات سياسية غرق فيها الكبار، وقد قلت مرارا إن التجربة الديمقراطية بصفتها الحالية لن تنجح على المستوى الشعبي وإن بدت على المستوى السياسي رائقة للبعض، لأنها تجربة ناشئة عن صراعات سياسية وإيديولوجية لم يتخلص منها السياسي بالدرجة الأولى، ومن يُحسبون على السياسة، لأن السياسة في حدّ ذاتها معناها إدارة الشعب بذكاء ودهاء من غير تكلف ولا تصنّع ولا حسابات ضيقة، لكن إدارة الحكم في البلاد لا تنجح إذا كان من يديرها ثلاث إرادات متناقضة بينها إيديولوجيا وسياسيا، فكل رئاسة تحاول أن تقوّض سياسة الأخرى، وكل رئاسة تحاول أن تبرهن أنها الأقوى، وكل رئاسة تحاول أن تكون الأقرب للشعب على حساب الأخرى، لذلك تتولّد الصراعات وتتوالد المشاكل وقد تتضادّ المصالح، وتبقى أحوال الدولة معلقة وفي فراغ دستوري وسياسي وقانوني، إلى ما لا نهاية.

ويبقى الحل الأخير والنهائي والناجع في تونس، لحل المشكلة السياسية القائمة بعد الثورة، هو إقناع جميع الأطراف السياسية بضرورة تغيير النظام السياسي الحالي، الذي اهترأ ولم يعد صالحا بأي حال من الأحوال على كل المستويات، وبدا واضحا عاجلا أم آجلا إذا لم تتجه الأطراف جميعها إلى تجربة سياسية أخرى، أن الشعب لن يسكت، وأن الأحزاب ستدخل في حرب عصابات، وأن البلاد ستتدهور حالتها من سيء إلى أسوأ، لذلك كان على رئيس الجمهورية أن يبادر لحل القضية ويطرح مشروعا جديدا وجدّيًّا للحكم السياسي في تونس بعد أن ضاقت بتونس السبل، وبعد عدم نجاعة الحكم الحالي، إما باستفتاء شعبي أو بطرح برنامج سياسي على البرلمان، وفي كلا الحالين له الحق في أن يفعل الأمرين زيادة في التشاور مع أعضاء البرلمان والشعب في إمكانية التغيير وعدم التجمّد عند هذه النظرية التي تتمسك بها النهضة وتعتبرها الحل الوحيد والأوحد في النظام السياسي التونسي.

حان الوقت ليتحرك رئيس الجمهورية ويصحح التجربة الديمقراطية

حان الوقت لتغيير النظام السياسي في تونس، وحان الوقت ليتحرك رئيس الجمهورية على كل المستويات لوأد الفتنة التي يمكن أن تشتعل في أي وقت، وحان الوقت لإسكات الأصوات التي تحاول إعاقة تطوّر التجربة الديمقراطية في تونس، على أن يكون التغيير متناسقا مع حرية الشعب وكرامته، بعيدا عن نظام الاستبداد والديكتاتورية، بحيث يكون الرئيس هو المسؤول الأول والأخير في تونس، مع مراقبة من الشعب والبرلمان، وهيئة مكونة من مستشارين وخبراء تراقب أداء الرئيس وتعينه في مهمته التي تدوم خمس سنوات متتالية، يهتم خلالها بخدمة الشعب التونسي، ولا وقت لديه ليضيعه في التوافقات الحزبية والصراعات السياسية، فهي وإن حدثت ستكون خارج الإطار الشعبي وخارج الحياة الخدمية التي تتعلق بالشعب مباشرة، ومن هنا نستطيع أن نحدث الفارق في حياتنا السياسية وتجربتنا الديمقراطية، ومن هنا أيضا تنطلق الأعمال والخدمات بإيعاز وإشراف مباشر من رئيس الجمهورية الذي يتكفل بتعيين الوزراء والمستشارين والخبراء والقضاة، وكل تعيين مخالف يحاسب عليه ولا يمر إلا بعد موافقة البرلمان عليه.

لا أستطيع أن أعبر عن تشاؤمي مما يحدث الآن في تونس، وأن هذا البلد الذي عاش بعد الثورة سالما يترنح اليوم بين مواقف سياسية ورئاسات ثلاث بدا عليها الصراع مبكرا، فكيف تستطيع أن تستمر الدولة في ظل هذه التجاذبات السياسية المختلفة والمتباينة، لكنني متفائل بأداء رئيس الجمهورية وما سيُقدم عليه من تحويرات جوهرية على مستوى النظام السياسي مما يجنب البلاد صراعات قد تؤذيها في المستقبل القريب.

* محلل سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.