الرئيسية » ما بعد جائحة كورونا-19: هل تُغيّر الإنسانية ما بنفسها ؟

ما بعد جائحة كورونا-19: هل تُغيّر الإنسانية ما بنفسها ؟

جائحة كورونا-19 تمكننا من استخلاص دروس مفيدة تساعدنا على تكوين رؤية نستعين بها في مسيرتنا نحو المستقبل، إذ يبدو ان ما بعد الجائحة لن يكون التعامل معه بفكر ما قبلها، فهل ستغير الإنسانية ما بنفسها؟

بقلم محمد بوسريره

كغيري من الناس أعيش جائحة كورونا-19 ولكن والحمد لله بقدر من الهدوء النفسي وبالتزام كبير بتوجيهات السلط وأنخرط مع عائلتي كعادتنا في جلسات دعاء وتدعيم روحاني كما ننخرط عن بعد مع الأصدقاء والغير على المستوى الوطني والعالمي في الدّعاء إلى الله طلبا لحفظ انفسنا ووطننا وكل العالم من شرّ الوباء، وليخفف من انعكاساته وآثاره على الإنسانية حاضرا ومستقبلا، والواضح ان هذه الجائحة الكونية أرعبت الناس جميعا بدرجات وطالت كل أصناف المجتمعات واقتحمت قصور العظماء فلا حصانة لأحد، وفي ذلك دليل على أنها من تقدير مدبّر حكيم، “فهل من مذكّر”؟؟

منذ الأزل والأنسان يصنع المشاكل لنفسه حتى أن كل البلايا التي يعيشها على مستوى الفرد والجماعة والأمة والعالم كانت ولا تزال من صنع غروره وأنانيته وجشعة وزرعه للفتن “ولو ألقا معاذيره” كما قال رب العزّة، فهو من غيّر المحبة بالكره، واستبدل السلم بالحرب، والقناعة بالجشع، وهو من حوّل الوحدة إلى تفرقة، وجعل من زينة الإختلاف سببا للعنصرية والتعصب وهو من أراد العبودية على الحرية واختار الظلم على العدل، وهو من رفض رسل الله وقتلهم، وهو من حوّل كل خير إلى شرّ. هذه هي آثار الأنسان منذ الأزل.

رسالة من رب الوجود إلى من إستخلفهم في الأرض

هناك من يرى أن الجائحة مصدرها الطبيعة ومن يرى أنها من صنع مخابر البحوث الجرثومية، ومن يرى و أنا على ذلك أنها ولا شكّ منشأها الطبيعة وقد تكون تسربت من المخابر، ولكن أليس الإنسان ذاته من عناصر الطبيعة في جانبه المادي ولا يختلف في ذلك عن كل المخلوقات لو لا أن الله أودع فيه من أمره الرّوح.

يقيني أن العلم والدين لا يختلفان جوهريا إلّا إذا تدخل الإنسان، لهذا أرى أن كورونا جزء من الطبيعة ولكن لا شيء في الطبيعة يصنع نفسه بنفسه، وإذا كانت البلية كونية فهي ولا شكّ تحمل رسالة من رب الوجود إلى من إستخلفهم في الأرض وارسل لهم الرّسل وعلّمهم ما لم يعلموه، وعرّف خليفته بهويّة واحدة جامعة لا شرقية ولا غربية نقيّة من بذور التفرقة والتمييز وسماه بها “الإنسان”.

ولأنّ كل الحقائق ما عدا الله للمؤمنين به تبقى نسبية ومتغيّرة حسب الزمان وأهله، فإنّ جُل العادات والتقاليد والمسلمات والسلوكيات السابقة لحادثة كورونا-19 لم تكن لائقة للإنسان، ولن تكون صالحة لاستعمالها بعد أن ذاقت الإنسانية حلاوة ما أفرزته الشدّة من مكارم وفضائل وصفات حميدة لإنسان سوى ومنها : المحبّة للجميع دون تمييز، وروح التضامن والعطاء وفضيلة الإيثار على النفس، هذا ما رأيناه وتابعناه عيانا في مدة كورونا، ورأينا كيف أصبح الدّعاء بالنجاة لكل العالم وليس فقط لأنفسنا وأهلنا وأمتنا.

ضرورة خليص البشرية من صراع الهويات المقيت بأنواعها

ومن جهتي أجد أن كورونا حشدت الناس بمختلف طبقاتهم وتوجهاتهم وأعراقهم ولونهم ودياناتهم إلى هوية واحدة إنسانية أجمع عليها كل الرسل عليهم السلام كما جاء ذلك في كتبهم أذكرها هنا حسب اسبقيتها التاريخية، ويقيني أن الأخذ بهذه الهوية سيخلّص البشرية من صراع الهويات المقيت بأنواعها، ويبقى اللون والدين واللغة والعرق اختلاف وآية من آيات الله في التنوّع ولا تهم إلا اصحابها، ولا شكّ عندي أن إجماع الكتب السماوية الأربعة على هذه الهوية يِؤكد أنها من الله وأنها حقيقة ثابتة لا تتغيّر “هل من مدكّر ؟”.

1-جاء في كتاب التوراة كما سماها القرآن وما يعرف اليوم بالعهد القديم كتاب سيدنا موسى عليه السلام، في سفر “التثنية4 الاية 32” قوله: “فاسألوا عن الأيام الغابرة التي انقضت قبلكم منذ اليوم الذي خلق الله فيه “الأنسان” على الأرض”.

2-وفي الإنجيل أو العهد الجديد كتاب سيدنا عيسى عليه السلام جاء قوله في أنجيل “متّى” الآية 18: “هيّا اتبعاني فأجعلكما صيّادين “للناس”.

3-وفي القرآن الكريم كتاب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في أكثر من آية وأكتفي بقوله تعالى في سورة الحِجر الآية 15 “وخلقنا الإنسان من صلصال كالفخار” وقوله تعالى في سورة الأنعام الآية 6 ” وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة …”.

4-وعلى لسان حضرة بهاء الله له الثناء (مؤسس الديانة البهائية) أورد هذا الأثر من الكلمات المكنونة: “يا أَبناء الإِنسان، هل عرفتم لِمَ خلقناكم من تراب واحد ، لئِلاّ يفتخر أحد على أحد وتفكروا في كل حين في خلق أنفسكم، إذا ينبغي كما خلقناكم من شيء واحد ان تكونوا كنفس واحدة بحيث تمشون على رجل واحدة وتأكلون من فم واحد وتسكنون في أرض واحدة حتى تظهر من كينوناتكم وأعمالكم وأقوالكم آيات التوحيد وجواهر التفريد، هذا نصحي عليكم يا ملأ الأنوار فانتصحوا منه لتجدوا ثمرات القدس من شجر عزّ منيع”.

وأختم وأقول إذا عرفنا لِمَ خلقنا الله من نفس واحدة وتراب واحد سنعرفُ أنّ عدونا المشترك هو الجهل والمرض والفقر والجوائح زيادة على الحروب. نسأل الله اللّطف بعباده أجمعين.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.