الرئيسية » الذكرى 43 لتأسيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان : ظروف النشأة والتأسيس (7 ماي 1977 – 7 ماي 2020)

الذكرى 43 لتأسيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان : ظروف النشأة والتأسيس (7 ماي 1977 – 7 ماي 2020)

تحتفل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يوم 7 ماي 2020 بالذكرى 43 لتأسيسها وستكون فرصة لأجيال متعاقبة من مناضايها لتحليل مسارها وإنجازاتها و منها إحلال النظام الديمقراطي الراعي للحقوق والحريات في إطار احترام القانون. في هذا المقال يذكر أحد أعضائها الحاليين ظروف نشأة هذه المنظمة في ظل نظام ديكتاتوري يرفض التعددية.

بقلم الأستاذ إبراهيم بن صالح *

ظهرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في سياق تاريخي اتسم بشدة تسلط النظام الحاكم وفظاعة قمعه لمختلف القوى السياسية والمدنية التي كانت تبدي أدنى معارضة لاختياراته من ذلك:

ــ بطش النظام البورقيبي باليوسفيين والتنكيل باليساريين من شيوعيين وبرسبكتفيين وسلبهم عنوان وجودهم وهو الاشتراكية فنسبها لحزب الدستور وصار اسمه الحزب الاشتراكي الدستوري سنة 1964 في مؤتمر بنزرت الذي اشتهر باسم “مؤتمر المصير” بعد إيقاف الحزب الشيوعي عن النشاط سنة 1963 كاستتباعات لمعاقبة جماعة انقلاب 1962. كما لاحق البعثيين والقوميين ومجموعة العامل التونسي فتعددت المحاكمات الجائرة ناهيك وأنّ العشرية الممتدة من 30 جوان 1967 إلى 13 جوان 1977 عرفت ما يناهز 29 محاكمة سياسية تمت أمام محكمة أمن الدولة والمحكمة العسكرية حوكم فيها ما يقارب 883 مواطنا لأسباب تتصل جميعها بالتشريعات المتعلقة بالجمعيات والصحافة، وكانت الأحكام ثقيلة بحيث يعجب المرء من نظام يدّعي الحداثة والتحديث من جهة ويمارس القمع على النحو القروسطي من جهة ثانية.

في هذا السياق نال على سبيل المثال محمد بن جنات في محاكمة 30 جوان 1967 ـ 20 سنة أشغالا شاقة فضلا عن التعذيب الذي لقيه في دهاليز أمن الدولة بتهمة واهية هي الحثّ على التظاهر(عن سهير بلحسن ـ سلوى بن يوسف الشرفي). وتعرّض المناضلون الموقوفون من برسبكتيف والعامل التونسي ممن كانوا يُسمّون جماعة 202 وجماعة 101 إلى صنوف من التعذيب لعلّ خير من وصفها وعدّد أشكالها أحمد بن عثمان الردّاوي في مقال شهير راج في العالم أجمع عبر مجلّة “الأزمنة العصرية” عدد أفريل 1979.

ـــ كثرة التشريعات التعسفيّة : من ذلك القانون الخاص بالجمعيات للتضييق على الحريات العامة والصادر في 7 نوفمبر 1959، قانون محكمة أمن الدولة الصادر في 2 جويلية 1968، القانون الخاص بالصحافة الصادر في 28 أفريل 1975، قانون الخدمة المدنية الصادر في 8 مارس 1978 (عن الدالي الجازي، سلوى بن يوسف الشرفي).

ـــ عدم احترام المعاهدات والمواثيق الدولية التي أمضى عليها النظام في 29 نوفمبر سنة 1968 ومن هذه المعاهدات نذكر المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة في 28 ـ 11 ـ 1966 والمعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرة في 16 ـ 12 ـ 1966.

بل الأدهى أنّ النظام البورقيبي وافق على أكثر من 52 اتفاقية دولية في إطار المنظمة الدولية للشغل إلى حدود سنة 1987 ومع ذلك لم يكن يحترمها أو يعمل بأدناها رغم وعيه بأنّ هذه الاتفاقيات تحظى بصفة العلوية على القوانين الداخلية (الدالي الجازي ــ الرائد الرسمي 29 ـ 3 ـ 12 ـ 1968 ص 1260 ــ سلوى بن يوسف الشرفي ص11 ).

ـــ الرئاسة مدى الحياة وهو استباحة لدستور البلاد بحيث تمّ استصدار قانون دستوري في 19 مارس 1975 تحت عدد 75 ــ 13 يمكّن بورقيبة من رئاسة الدولة مدى الحياة.

ـــ محاكمات أحمد بن صالح إثر فشل تجربة التعاضد في 1969 والأزمة السياسية إثر إلغاء معاهدة الوحدة التونسية الليبية في 1974.

وفضلا عن هذا الجانب من السياق السياسي فقد عرفت سنوات السبعين من القرن الماضي توترا حادا بين نظام الحكم ( الوزير الأول الهادي نويرة) والاتحاد العام التونسي للشغل (الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد) إذ وقفت المركزية النقابية إلى جانب المستضعفين والمقموعين وناصرت كل القضايا العادلة إلى حد استقالة الحبيب عاشور من الديوان السياسي للحزب الحاكم وإعلان الصدام المكشوف في 26 جانفي 1978.

والحق أنه لم يكن الحبيب عاشور أول من استقال من الديوان السياسي لحزب الدستور أو من الحزب الحاكم برمته فقد سبق لمجموعة من الليبراليين الديموقراطيين أن انسحبوا أو أُزيحوا من هذا الحزب لفشلهم في فرض الديموقراطية في صلبه وعجزوا عن تخليصه من الهيمنة الفردية والإملاءات الفوقية في مؤتمر المنستير 1971 لذلك اجتمع سنة 1974 سبعة أعضاء ممن رفضهم الحزب الاشتراكي الدستوري ( منهم الحبيب بولعراس وحسيب بن عمّار والباجي قائد السبسي ومحمد مواعدة وأحمد المستيري الذي كان على رأس المجموعة ) وصاغوا رسالة بعثوا بها إلى رئيس الدولة وإلى الرأي العام يطالبون فيها بالعمل بالمبادئ الديموقراطية، هذه المجموعة مع شخصيات أخرى هي التي ستؤسس حركة سياسية مستقلة هي حركة الديموقراطيين الاشتراكيين في 1978 لكي يُعترف بها قانونيا في 1983.

في هذا المناخ فكّرت هذه المجموعة من الديموقراطيين الليبراليين في بعث رابطة تونسية للدفاع عن حقوق الإنسان .”وكانت هذه المبادرة بمثابة بارقة الأمل في سماء غائمة إذ لم يكن متاحا فضاء واحد للحرية بتونس وكانت كل الآفاق مسدودة فالدولة / الحزب تراقب كل شيء كأدهى وأنكى الأنظمة الشمولية ” (عن محمّد الشرفي ـ كتاب “نضالي في سبيل التنوير”).

وفعلا أودع طلب التأشيرة في 22 ماي 1976 لدى وزارة الداخلية ، لكن السلطة سكتت على ذلك، الأمر الذي يعني رفض الطلب ما دعا إلى تكثيف الضغوط .

ــ فلجأت الحركة إلى تكوين لجنة سمتها “لجنة الحريات” يرأسها حسيب بن عمار وكان أول ما بادرت إليه هذه اللجنة أن صاغت نداء أمضته 500 شخصية وبعثت به إلى رئيس الدولة تصف فيه جملة الخروقات والانتهاكات وتدعوه من خلاله إلى احترام الحريات والحقوق وتعلن اعتزامها تنظيم ندوة وطنية حول “الحريات العامة” في نفس الوقت الذي كانت فيه المساعي جارية لدى المحكمة الإدارية لإبطال مفعول السكوت على طلب التأشيرة لبعث الرابطة.

ـ تأسيس منير الباجي لـحركة الشباب الديموقراطي الاشتراكي في 20 أفريل 1977 وهو محام من بين الأعضاء المؤسسين للرابطة.

ــ التكثيف من الندوات الصحفية والبيانات الحقوقية وخاصة من قبل أحمد المستيري والقيام بجولة عبر بعض البلدان الأجنبية كفرنسا وانقلترا والولايات المتحدة في عهد رئيسها جيمي كارتر المنتخب في نوفمبر 1976 وقد قام بهذه الجولة كل من حسيب بن عمار ومصطفى بن جعفر.

ولمواجهة هذه المبادرة الحقوقية التي تقدّم بها الليبراليون المذكورون خاطبت السلط السياسية العليا البعض من شخصيات الحزب الاشتراكي الدستوري كي تطلب هي بدورها تأشيرة لتأسيس رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان فدعت كلّا من عبد الوهاب بوحديبة (جامعي) وعائشة بلّاغة (الاتحاد القومي النسائي التونسي) وأحمد خالد (رئيس بلدية سوسة) والبشير بن زينب (مهندس) والصادق العلوش (الاتحاد العام التونسي للشغل) ومحمد بن عبد الله (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة) إلى التقدم بالطلب وكان ذلك في سبتمبر 1976 وبرئاسة من فتحي زهير فكان ردّ الفعل من الديموقراطيين أن كثّفوا الضغوط على السلطة بتأسيس جريدتي “الرأي” بالعربية و”الديموقراطية” بالفرنسية من قبل حسيب بن عمّار (نهاية سنة 1976).

إنّ اللجوء إلى بعث رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان تابعة للسلطة سيكون ذريعة لوزير الداخلية الطاهر بلخوجة آنذاك كي يوجد “حلّا وسطا” يتمثل في اقتراح إقحام سبعة أعضاء من الحزب الاشتراكي الدستوري في صلب الهيئة التأسيسية التي رفض طلبها ويقع في ذات الوقت التخلّي عن بعث رابطة ثانية فقبل المؤسسون بهذا الحل وعددهم 15 شريطة احتفاظهم بالأغلبية في صلب الهيئة (22) وأملا في إزاحة الدساترة بمناسبة أوّل مؤتمر رسمي وبذلك حصلوا على التأشيرة في 7 ماي 1977 (عدد 4438 ـ 277 أ ـ الرائد الرسمي عدد 35 ـ 30 ماي 1977).

* عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.