الرئيسية » تحركات سياسيّة مشبوهة في تونس مع تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية

تحركات سياسيّة مشبوهة في تونس مع تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية

ساحة القصبة – قصر الحكومة.

ربما تكون هناك تحركات مشبوهة لمحاولة زعزعة الاستقرار في تونس، كما ذكرت ذلك عديد التقارير الصحفية والاستخبارات التونسية، وأشارت إليه عديد الشخصيات السياسية مثل الشيخ راشد الغنوشي رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة وغيره، مما أوجس خيفة من الذي يحدث اليوم في تونس لابتزاز السلطة من جديد عبر طرق أخرى قد تكون استبدادية في نظر البعض ولا ترقى إلى روح الديمقراطية.

بقلم فوزي بن يونس بن حديد *

إذا ثبت هذا التخمين وهذا التشخيص، فذلك يعني أن الوضع السياسي الحالي في تونس هشّ وغير قادر على التحكم في الأمور، رغم إجراء انتخابات ديمقراطية شفافة بشهادة المجتمع الدولي والمنظمات العالمية والمحلية.

إلا أن ورود مثل هذه التقارير في هذا الوقت يثير الشكوك حول مدى قدرة الحكومة التونسية الجديدة على الصمود في وجه التيارات المعاكسة التي تحاول الإطاحة بها والاتجاه نحو حلّ البرلمان لأن هذه الفئة ترى أنها اختنقت بالتعاملات المثالية التي يقوم بها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان، وضاقت ذرعا بالتماثل السياسي الديمقراطي الناجح شكلا في تسيير أمور الدولة الحالية، وسبب إزعاجا كبيرا للحزب الدستوري الحر الذي يرى أن الوضع الحالي لا يسمح بإنشاء الدولة المدنية القوية، وكل ما تفعله الأجهزة الحكومية محاولة لحجب ضوء الشمس بالغربال كما يقال.

محاولات لاختراق المجال السياسي وصنع الفجوات

ومما هو مؤكد لا محالة أن هناك أطرافا تحاول اختراق المجال السياسي وصنع الفجوات لتمرير الأجندات الخارجية التي لا تريد لتونس النجاح في المسار السياسي معتمدة في ذلك على التأييد الكامل والدعم المتكامل من الخارج لإثارة مثل هذه البلبلة والتشويش على مجريات المسار السياسي حتى لا يحبو ولا يمشي على قدميه، وتريد هذه الأطراف دوما أن يبقى البرنامج السياسي الجديد عاجزا عن أداء مهامه حتى إن كان في أوجهِ الديمقراطي، أو بلغة أخرى تريده أن يبقى معوقا لإصدار شهادة عدم صلاحيته للخدمة وإنهاء مهامه في أقرب الآجال، ذلك ما يريده أصحاب هذا الموقف الراديكالي.

لكن المؤكد أيضا أن الشارع التونسي اليوم يغلي كغلي الحميم، بعد تدهور حالته الاقتصادية والاجتماعية وبعد أن أصبح التعبير عن الرأي حقا مكفولا للجميع، وأصبح التونسي اليوم يقدم رأيه في السياسة بكل جرأة وحرية، ولا يخاف البوليس السياسي الذي كان مسلطا عليه في عهد بن علي، فلا مانع اليوم أن يعبر كل مواطن عن رأيه ورغبته في تغيير النظام السياسي الموجود حاليا إذا كان لا يروق له ساعده في ذلك ما يجري في الدهاليز السياسية من صراع مرير على الكراسي والتركيبات الحكومية وما يتم من اقتطاع الوزارات كأنها ميراث تتوارثه الأحزاب، فتجد كل حزب يفرش شروطه على الطاولة، تاركا وراء ظهره مصلحة الوطن الأولى.

ولأن المواطن التونسي اليوم لا يرغب في هذه التوازنات الحالية التي شابها خلل كبير في تركيبة الأحزاب السياسية وأدت الى هذا التشنج والتفرق فإن تونس تشهد اليوم حالة من الفوضى السياسية إن صح التعبير على مستوى السلطة التنفيذية وكذلك التشريعية مما جعلها تعيش تذبذبا واضحا أثّر مباشرة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية وأشعر المواطنين بعدم وجود الأمان النفسي والاقتصادي والاجتماعي وصل إلى حد التذمر وربما قد يؤدي إلى الانفجار لا قدر الله خاصة أن الأزمة الصحية لفيروس الكورونا قد عمق من الأزمة الإقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ 2011 دون أن يرى المواطنون أي تغيير إيجابي في حياتهم برغم نهاية الدكتاتورية حيث أن الديمقراطية تزامنت مع (أو أدت إلى) أوضاع إجتماعية واقتصادية صعبة.

انتفاضة الشباب العاطل عن العمل والعمال الذين فقدوا وظائفهم

هذا المستوى السياسي الهزيل سواء على مستوى الحكومة أو البرلمان ربما سيؤدي الى انتفاضة جديدة من الشباب العاطل عن العمل والعمال الذين فقدوا وظائفهم بسبب كورونا والهرج السياسي في الحياة البرلمانية، وإذا أردنا تفادي ذلك كله لا بد من سرعة الإصلاح وهي كلمة ثقيلة على السياسيين التونسيين الذين ألفوا الكسل السياسي وتركوا الشعب يواجه مصيره وحده ويحاول أن يعيش بالموجود ويتمسك بالأمل المأمول حتى يغير الله الوضع من حال إلى حال.

ومع ذلك يطرح البعض البديل عن هذا العجز السياسي والتقدم البطيء جدا إلى حد الذوبان، وهو النظام الرئاسي مع برلمان قوي مراقب لأداء الرئيس فتعطى للرئيس صلاحيات واسعة شرط التزامه بالدستور ووضعه تحت رقابة الشعب والبرلمان وهو الأفضل في مثل هذه الفترة الصعبة والحرجة على كل المستويات، لكن البعض يرفضه لخوفه من عودة الاستبداد والديكتاتورية، ويجعل ذلك شمّاعة لعدم التغيير الحقيقي والجوهري، فالشعب اليوم يريد التغيير، فإمّا الإصلاح أو التغيير، أمّا الإبقاء على هذه الحال، أو البقاء عليها فلن يدوم حسب رأيي للمعطيات الميدانية والمحركات الشعبية القوية هذه المرة حسبما يبدو وربما تتزعزع التركيبة السياسية برمتها، ولذلك أحذّر مرة أخرى من الانفجار.

* محلل سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.