الرئيسية » إلى نصف شعبي المُحْتَارْ : إنّهم أتعس من النّهضة… و أشر !

إلى نصف شعبي المُحْتَارْ : إنّهم أتعس من النّهضة… و أشر !

عبد الكريم الزبيدي و نبيل القروي و عبير موسي.

منذ الثورة و شعبي مقسوم نصفان: نصف يمقت نصفه، حرب ضروس بين هذا و ذاك. نصف يسبّ و نصف يُهان، و الكلّ مريض و الكلّ حيران… و ما يحيّرني أنا فيهم هو النّصف الذي يكره الإخوان: يحتارون في اختيار ممثليهم من الحكّام فيضعون ثقتهم الكاملة في من لا ثقة فيهم و لا أمان.

بقلم كريمة مكي *

يبحثون، بلا هوادة، عن قائد يشبه الزّعيم ليأتيهم بالاستقلال و هذه المرّة عن دولة الاخوان. من هو هذا القائد/ة؟ ما صفاته، ما تاريخه، ما أهدافه… هل يملك التكوين أو الخلفية الفكرية أو النظرة الاستشرافيّة التي ملكها بورقيبة ؟

يقولون لك: لا يهم، لا يهم الآن… المهم انه من أوفياء بورقيبة و من كفاءات دولة الاستقلال! علينا فقط واجب دعمه وإيصاله للحكم لنتخلص أوّلا من النهضة! و من بعد نتناقش في الموضوع بتأني وبكلّ راحة بال!

و هكذا تتالت عليهم الكَبَوَات و لم تسقط النهضة… و لم ينهض الوطن… و لم يصلوا أبدا إلى راحة البال!!

من الزبيدي إلى نبيل إلى عبير: بعد علقم الخيبة التي تجرّعها الشقّ الحداثي الذي راهن على أنّ الباجي قايد السبسي هو وحده المُخَلِّص لتونس من حزب الإخوان ليتفاجأ بعد الانتخابات، باختياره – رحمه الله و غفر له- للنهضة شريكا في الحكم لضرورة الوحدة الوطنية و بتفتيت حزب النداء لمصلحة النهضة و الرابطة الأُسرية!

واصل هذا الشق في المراهنة على كل من يقول: أنا ضد النهضة… ليُقدّموا له كل ما يمكن من الدعم و الإسناد فكان أن رشحوا للرئاسة، في مرحلة أولى، وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي الذي خرج علينا عشيّة رحيل ʺالباجيʺ ليقول لنا بأنّ الرئيس بخير و بصحّة جيّدة! و نحن نراه في الصورة الأخيرة- و كانت مؤلمة في غاية الإيلام- يجلس إلى… شبح ʺالباجي قايد السبسيʺ الذي سحبوه يومها من فراش الموت و أجلسوه على الكرسي وهو في نزعه الأخير ليقنعونا بأن الرئيس يواصل مهامه العادية و يجتمع بوزير دفاعه للاطمئنان عل الوضع في البلاد.

و يبدو أن الدكتور الزبيدي قد طمأن الرّئيس وقتها على وضعنا بالضبط كما طمأننا نحن أيضا على وضع الرئيس بأن طلب منّا – ببلاهة بلا نظير- أن نُصدقه هو – أليس طبيبا-! و نُكذّب أعيننا و قلوبنا التي ظلّت تقطر ألما على صورة الأب المحبوب.

و ما صدّقناه يومها و لكن صدّقوه بل و رأوا فيه خير خليفة للباجي الكبير! و كان أن رشحوه –دفعة واحدة- للوظيفة الأعلى!! هو الذي في كلّ مرّة يخرج فيها علينا، تخونه الكلمات و يخونه الصّدق و تخونه الإرادة… فما يزيدنا إلاّ حزنا و خوفا و إحباطا…

فهل هانت السياسة و هان مجدها ليدخل في ملعبها من شاء؟ لا قطعا… و لذلك كانوا على موعد مع الهزيمة المُذلّة والخيبة الكاوية المُرّة… و كان أن لفظت السياسة من لا يليق بها و خرج الزبيدي من سباق الرئاسة و من أرض السياسة و كأنه لم يدخلها يوما و كأنّه فيها لم يكن! يوم خروجه المخزي، تصارع الحداثيون بسبب تشتت الأصوات ولكنهم لملموا خيباتهم و أجّلوا اختلافاتهم و اجتمعوا – على قلب رجل واحد- على التصويت لصاحب حزب القناة التلفزية و الجمعية الخيرية.

اجتمع الفقراء و الأنصار و جمعوا التزكيات و المبرّارات و كلّ واحد تكلّم بمعيار: *سينجح ʺسي نبيلʺ نصير الفقراء و المساكين… نبيل القروي أكد في التلفزة أنّه لن يتحالف أبدا مع النّهضة… لقد سجنوه لأنه المنافس الأول ليوسف الشّاهد و لأنه الوحيد القادر على دحر الإخوان…! و حانت اللحظة و آن الأوان… و دخل ʺسي نبيلʺ للمناظرة الرئاسية النهائية… و كانت المهزلة، و كانت الفضيحة، و كانت الهزيمة قبل الإعلان!!

خرج إذن سي نبيل من حلم الرئاسة مكسورا مُهانا و لكن دخل حزبه بمرتبة ثانية للبرلمان فردّ الجميل فورا لناخبيه وكان أوّل ما أَمَرَ به نوابه: أنْ صَوِّتوا للغنوشي رئيسا أوّلا للبرلمان!!

اليوم يلملم أنصار الدولة الحديثة في تونس جروحهم ويضعون آمالهم كلها في سلّة عبير موسي عدوّة النهضة البارزة التي يقولون أنها – على عكس غيرها – لم تُغير خطابها منذ أن حُلّ حزب التجمع- حزبها السابق- بعد سقوط الرئيس بن علي.

هل ينسى هؤلاء ممارسات التّجمع أم يتناسون؟ ألم تخرج عضوة من حزبها الحالي منذ أشهر في الإعلام لتفضح ممارساتها التسلّطية و لتقول بأنّها تهددهم باستمرار بملفات لا يعرفون محتواها و لا تعرفها إلاّ رئيسة الحزب! ألم تقم هي بطرد نائبة في البرلمان من حزبها بطريقة تعسفية في حركة دعائية و ترهيبية على طريقة الانضباط الحزبي التجمعي الشبه-ستاليني و الذي له اليوم في نفوس الخائفين منّا حنين لا يضاهيه أيّ حنين!

و لكن… هل سأل أنصار عبير و المتعاطفين معها عن برنامجها الحقيقي لقيادة البلاد، بعيدا عن معارضتها المعروفة للإخوان؟ ألا يشُكّون لحظة أنها في صورة حُكمها للبلاد سنعود لزمن ʺبن عليʺ بجناحيه الأسودين : التجمّع والحاشية…

ثمّ ما أدراهم أنه إذا ما وصلت عبير موسي للحكم، أنها لن تقول لأنصارها ما قاله سي الباجي – رحمه الله و غفر له – : نحن و النهضة خطّان متوازيان لا يلتقيان، فإذا التقيا فلا حول و لا قوّة إلاّ بالله! و أنها ستضطر للحكم مع النهضة لأن الشعب لم يُمكّنها من أغلبية مريحة لتحكم لوحدها…

هل شعار معارضة النهضة يمكن أن يعمي الناخبين عن حقيقة رافعيه و أطماعهم الخفية المؤجلة. ألم ينتبهوا إلى أنّ هؤلاء المتشدّقين بمعارضة النهضة لا يحلمون، إذا ما خلوا بالنّهضة، إلّا برضاها و بالسّاعة التي تأذن لهم فيها ليدخلوا غرفها السرية لينالوا نصيبا ممّا في يدها من مفاتيح المناصب السحرية.

هؤلاء – يا سادة- هم أتعس من النّهضة و أشرّ لأنهم يُواعدونها في السرّ و يعارضونها في العلن. فانتظروا قليلا… انتظروا قليلا فقط… يا كلّ عشّاق الوطن: فالنهضة ستسقط بنفسها و دون مساعدة من أحد… لأنها حركة دخيلة على الدّين… و على الحكم… و على الوطن.

* كاتبة و مدونة.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.