الرئيسية » لأن القصيدة هي المصل : قصائد على ظهر الكمّامات…

لأن القصيدة هي المصل : قصائد على ظهر الكمّامات…

في المعارك الإنسانية الكبرى يقفز الشعر، من عمق القلب، لِيُطبطب على العقل المكروب. و لكن لماذا غاب الشعر عنّا في عزّ هذا الكرب و تذكرته فقط تلك الشعوب الاسيوية العظيمة؟! أليس الشعر ديوان العرب و العلم الذي لم يُعرف لهم، في أوج مجدهم، عِلما سواه!

بقلم كريمة مكي *

عندما كان العالم يراقب بنصف اهتمام بداية تفشّي الوباء في الصّين، كان الجار الياباني يُرسل المساعدات الطبيّة للجار الكبير، مذكّرا إيّاه بالثقافة المشتركة بينهما لدعمه في مكافحة الوباء، إذ لوحظ أن اليابانيين قد كتبوا فوق صناديق الكمّامات و أجهزة قيس الحرارة، أبياتا باللغة الصينية مأخوذة من قصيدة صينية قديمة تقول:” على الرّغم من أنّنا في أماكن مختلفة، لكنّنا نعيش تحت نفس السّماء.”

على نفس هذه الخطوة الإنسانية الرّائعة التي تؤازر، وقت المحنة، بالعطيّة و بالكلمة الطيّبة البليغة، سارت دولة الصّين عند إرسالها معونات طبيّة إلى إيطاليا التي تفشّى فيها الوباء بعد الصّين. فجاءت صناديق الكمّامات الصّينية تحمل على ظهرها، قصيدة قديمة كتبها أحد أجداد الإيطاليين، الفيلسوف الرّوماني ” سينيكا الأصغر” و فيها يقول:
“نحن أمواج من نفس البحر،
أوراق من نفس الشّجرة،
أزهار من نفس الحديقة”.

كيف انتبه هؤلاء الكبار إلى ضرورة الاستنجاد بالقصيدة ليخففوا من وطأة الكارثة على النّفوس؟
لأنّ الشّعر هو ما يبقى بعد أن تسقط الحضارات وتنهدم الأسوار و الحصون!
الشّعر هو ذاكرة الشّعوب و لذلك هو لا يندثر و لا يذوب،
وفي المعارك الإنسانية الكبرى يقفز الشعر، من عمق القلب، لِيُطبطب على العقل المكروب.
و لكن لماذا غاب الشعر عنّا في عزّ هذا الكرب و تذكرته فقط تلك الشعوب؟!
أليس الشعر ديوان العرب و العلم الذي لم يُعرف لهم، في أوج مجدهم، عِلما سواه!
نعم و لكن هذا العلم، اليوم، غاب.
كيف يغيب؟
غاب علم العرب لأنهم أنكروا لغتهم و أهملوا مَلَكتهم و سرّ صنعتهم
كان الشعر قدرهم فأضاعوا بوصلته.
سيبقى الشّعر قَدَرُهم و لن يعودوا لأنفسهم إلاّ… بعودته!
ليس الشّعر تغزّلا رخيصا و لا مدحا متزلّفا و لا هو هجاء أسود كهجاء المتنبي للإخشيدي.
الشعر كلمة القلب الخالية من الجمع و الطرح و الضرب و التكسير…
ومن الرّفع و النّصب و الهمز و اللمز و التّفسير…
الشعر هو سحر البيان الذي يحيا أبدا في الوجدان،
لذلك كانت العرب قديما تحتفل بميلاد شاعر مبدع، أيّما احتفال.
اليوم، أيضا، مازلنا في حاجة إلى الشعر…
اليوم، في هذا الضيق و هذا البلاء
اليوم، نحتاجه، بالضبط، كما نحتاج الدواء
و مازلنا سنحتاجه، مع الوباء و بعد الوباء
لماذا!
لأنّ الكلمة هي الأصل،
لأنّ القصيدة هي المصل،
لأنّ الشِّعر هو قول القلب و إنّ قول القلب لهو القول الفصل!
ما أجمل مبادرة تونس بإرسال مساعدات طبيّة إلى جارتنا الجميلة المنكوبة ايطاليا…
على صغر حجمنا،
على قلّة ذات يدنا،
لم نبخل على الجار المكلوم بما في قِدرنا.
هكذا هي الأخلاق تكون.
بقي أن نعرف ما إذا حملت صناديق الإعانة بعضا من الكلام المنثور…
ترى هل كتبوا عليها شيئا أم…أم أنّهم فقط نَسُوا؟!
ربّما لم ينتبهوا كما انتبه ورثة كونفشيوس.
لو سألوني،،،
كنتُ اقترحت عليهم ما خطّت في الدفتر المركون حفيدة القائد حنّا بعل إلى جيرانها من أحفاد الامبراطور….
…يُباعدنا التاريخ
و تُقرِّبنا الجغرافيا…
نحن أبناء هذا البحر،
و هذه الجنّة…
التي على الأرض،
فلنجتمع اليوم و قد عمّنا الضيق و غمّنا الخوف
و لنُقرض بعضنا البعض أطيب القول و أحسن القرض
إنه الواجب
و
إنّه الفرض
لِنشفى…
و تشفى الروح منّا…
و تشفى أمّنا الأرض!”

* كاتبة و مدونة تونسية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.