الرئيسية » “الأقصى” في أسماء أعضاء الحكومة المقترحة

“الأقصى” في أسماء أعضاء الحكومة المقترحة

أقصى البحري كاتبة الدولة المكلفة بالموارد المائية في حكومة إلياس الفخفاخ.

في أسماء أعضاء الحكومة المقترحة لنيل ثقة المجلس النيابي اليوم الأربعاء 26 فيفري 2020 اسم استوقف الأسماع عنده، واختلفت الأقلام في كتابته بالعربية وبغيرها. وبذلك اختلف لفظه لأول نُطق به حتى لم يتيسر لبعضهم تهجئته بسهولة فضلاً عن فهم معناه ودلالته. وفي القديم قالوا إن الأسماء هي المثال الأقدم للمجتمعات التي نشأت فيها. هذا الاسم هو عقيسة، أو عقيصة بالقاف والصاد أو عاقصة، وفي ترجمة صاحبته بالفرنسية والانقليزية يكتب كالتالي: Akissa أو Akiça . ولم نعرف بخط صاحبته كيف تكتبه هي نفسها.

بقلم الدكتور المنجي الكعبي *

وذهب بنا الظن في أول الأمر الى أن يكون من بين الأسماء التاريخية المذكورة في طيات الصحف وكتب التراجم، كعاتكة ونُسيبة ونحوهما، فلم نقف عليه ولا على ما يصححه إلا ما يقرب من معنى جذره، وهو عقص. ومنه العَقْصة عند المرأة كضفيرة من شعرها، لالتواء الشعر فيه. فلم نرجّح أن يكون هذا الاسم هو بذلك المعنى وإن كانت له علاقة بالمرأة أكثر..

فاهتدينا أخيراً الى أن يكون بمعنى ولفظ (الأقصى) الاسم المعروف لثالث الحرمين الشريفين. ولم يساورنا شك في أن التلفظ به أقرب لكتابته في بعض ما وجدنا من شجرات النسب لعائلات البحري التونسية المعروفة منذ أوائل القرن الثامن عشر. وعثرنا عليه هناك باللفظ الأجنبي كما يلي Aksa، مع أسماء إخوتها الذكور الثلاث وأشهرهم عباس بحري عالم الرياضيات الكبير، المشهور عالمياً، المولود في غرة جانفي 1955 بتونس العاصمة والمتوفى في 10 جانفي 2016 بنيويورك، رحمه الله. ولا تقل شهرة عنه أخته الصغرى (أقصى) المولودة في 1956، الخبيرة الكبيرة في ميدان الفلاحة والمياه دولياً.

وهو التلفظ السليم للاسم إلا أن يكشف مضمون الولادة عن عكس ذلك.

وإنما أدانا الى هذا الاجتهاد ارتباط التسمية بأحداث عظمى يُسمى بها ويؤرخ بها، فقد كانت سنة 1956 هي سنة العدوان الثلاثي على مصر العروبة بقيادة بريطانيا وفرنسا وحليفتهما إسرائيل. وكان الأقصى مرمى مؤامرات الصهاينة في محاولاتهم المتكررة لحرقه وإزالته من الوجود. وفي الوقت نفسه كان الأقصى نفسه مهوى أفئدة التونسيين كعرب مسلمين. ولم يكن غريباً على أسرة من أهل الدين والعلم والسياسة أن تسمى ابنتها باسم المكان الأقدس في فلسطين، تخليداً لرسمه ومعناه في قلوب أبنائها وبناتها.

كرضْوى اسم علم مؤنث، وهو اسم جبل بالمدينة المنورة. وبه تسمت رضوى عاشور الشاعرة المصرية المشهورة المتزوجة من فلسطيني والدة الشاعر الكبير تميم البرغوثي.

وأسرة “أقصى” بحري من أسر الأعيان بالعاصمة ومنزلهم الكبير بين ربض باب سويقة وباب الأقواس، قريباً من منزل الرئيس قيس سعيد، قبل أن ينتقل سكناهم الى الضاحية الشمالية بالمرسى وسيدي بوسعيد في أوائل القرن العشرين. وجدهم الأعلى في تونس هو الشيخ محمد بحري بن حسين بن عبد الستار المانسي، القاضي المالكي في أوائل القرن التاسع عشر، المنحدر من قبيلة بني مانس من جبل وسلات بجهة القيروان، وكان من تلاميذ الشيخ إبراهيم الرياحي البارزين.

ومحمد الهادي بحري والد أقصى متزوج من جليلة بن عثمان. ومحمود بن عثمان والد جليلة من قادة المخازنية في دولة البايات وأمها شريفة النيفر.

ومن لطيف ما كُتب على هامش صورة أخيها الراحل عباس بحري شعر على لسان علي بن أبي طالب وهو قوله:
فقُـــم بعلــــم ولا تطـــلب به بدلاً
فالناس موتى وأهل العلم أحياءُ

ولقرابتها لأفكار الرئيس قيس سعيد في الاسم على الأقل من قضية فلسطين، لم أتردد في إسقاط الانطباع الحاصل قبل البحث بسبب نجمة داوود ذات الستة أطراف في سلسلة تتدلى على صدر المرأة في الصورة المتداولة عنها.

وكنت أخيراً في زيارة بالمدينة العتيقة بالعاصمة فمررت بالمدرسة السليمانية وعند دخولي اليها لَمحَني بعض الموجودين هناك أتأمل في رخرفة بنائها وأقواسها وأبوابها فبادرني بالإشارة اليّ للتأمل في نقش على أحد الأبواب فإذا هو شكل نجمة دواود، واستغرب الرجل لما رآه من عدم الدهشة على وجهي، ففهمت قصده فقلت له: يا أخي هذه النجمة السداسية الأطراف كانت شائعة مثلها مثل النجمة الخماسية الأطراف في كثير من زخارفنا في تونس والأندلس، ولا يعني وجودها في هذا المحل الديني، بحكم أنه في الأصل مدرسة للطلبة الزيتونيين المجاورين للجامع الأعظم أنه غاب عنهم أنه هناك للزخرفة لا غير وليس لمعناه الديني عند اليهود. ونحن مشكلتنا الحديثة مع الصهيونيين والمغتصبين لدولة فلسطين وليس مع باقي اليهود.

وذكرني ذلك بما قاله السيد الرئيس قيس سعيد رئيس الجمهورية عند قوْمته بالخيانة في وجه من تُسوّل لهم أنفسهم من السياسيين بالتطبيع مع إسرائيل، بأن اليهود كانوا عندنا في محل الجيرة والعشرة الطيبة. وذكر بأن والده حمل على عجلته الهوائية أحد اليهود ليخفيه بمنزله عن عيون المطالبين به من جنود المحور في أيام الحرب العالمية الأخيرة.

فصدقت ظني بأن تلك العلامات الدينية، وإن كانت من حقوق من يحملها لأسباب الزينة أو العقيدة، تَسْلم من كل تهمة بها على القطع بأنها من أمارات التطبيع مع الكيان الغاصب والمحتل. وإلا فما القول بمصر والأردن التي يرفرف على نيلها وعاصمتيهما علَم إسرائيل؟

فمِن ظن السوء بالناس تحميلهم على نوايا غير التي يحملونها إزاء الحقوق والحريات ليختلط الحابل بالنابل، ونُطلق اللمز بالألقاب أو التفتيش عن النفوس لاستنهاض همم المدافعين عن فلسطين والأقصى.

* باحث جامعي وبرلماني سابق.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.