الرئيسية » ديوان الخدمات المدرسية : “الاسم العالي و المربط الخالي”

ديوان الخدمات المدرسية : “الاسم العالي و المربط الخالي”

تجربة ديوان الخدمات المدرسية كانت إلى حد الآن فاشلة بامتياز مما يبيّن أنه تم التخطيط لهذا الهيكل في المكاتب دون مباشرة الواقع وتحضير الإطار الكفء الذي يستطيع الإشراف بكل جدارة عليه خاصة على مستوى الجهات لأنه مهما تم تخصيص من أموال ضخمة لنجاح هذا الهيكل فلن تكون بديلا لحسن التصرف والتسيير مما يعطي انطباعا بالتسرّع في إنشاء الديوان عام 2016 دون التحضير الكافي لعوامل النجاح.

بقلم فيروز الشاذلي

عندما تم لأول مرة الإعلان عن بعث ديوان الخدمات المدرسية والتبشير بأنه الحل السحري لكل مشاكل الإحاطة بالتلاميذ من تغذية ومبيت وغيره، كان يُنتظَر أن تمثّل هذه المؤسسة إضافة وتُغيّر بعض الشيء من واقع صعب للتلاميذ بالمدارس و المعاهد خاصة بالمناطق الريفية والنائية، لكن مع مرور الوقت تبيّن بكل وضوح أنه هيكل مَعْدُوم، أصبحت سلبياته تُهدّد صحة التلميذ داخل أسوار المدرسة أو المعهد بسبب حالة التسيّب وغياب الرقابة بهذه المؤسسات التعليمية التي أصبحت تضع صحة وحياة التلميذ في خطر وليس توازنه النفسي فقط.

تهاون بصحة وحياة التلميذ

كانت الإشكاليات الدائمة بالنسبة للمطاعم المدرسية أو المطاعم في المعاهد التي تضم مبيتات تتمحور أغلبها حول انقطاع توفير هذه الأكلة أو تذمر التلاميذ من جودة الأكلات المقدمة، لكن هذه المرّة أصبحت التجاوزات الحاصلة في هذه المؤسسات المحسوبة على ديوان الخدمات المدرسية كارثية بامتياز ومهدّدة لصحة وحياة آلاف التلاميذ الذين لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا ضحية تهاون وتقصير من قبل المشرفين على هذه المؤسسات وجشع بعض المزودين.

هذا التهاون كشفته حملات المراقبة في عدد من الولايات على المواد الغذائية التي تم التزود بها من طرف المطاعم المدرسية في إطار الصفقات العمومية، حيث تبين أن أغلب هذه المواد الغذائية المتزود بها منتهية الصلوحية منذ وقت بعيد، وتم توجيهها لهذه المؤسسات للتخلص منها وكسب الأرباح الطائلة على حساب صحة التلميذ وعدم الاكتراث بذلك، وهو ربما ما يفسر في بعض الأحيان حوادث التسمم الفجئية التي وقعت ببعض هذه المؤسسات سابقا دون وضوح أسباب ذلك، والأدهى من ذلك أن بعض المواد الغذائية المتزود بها غير مطابقة للتراتيب الجاري بها العمل كتزويد هذه المؤسسات بكميات من الزيت النباتي في قوارير بلاستيكية لا تحمل أي تأشير حول مكونات ومصدر هذا الزيت.

في نفس الإطار كشفت هذه الحملات عن الوضعية المزرية لوضعية الصحة والنظافة بهذه المطاعم والتي تعزى إلى أمرين أولها افتقار هذه المؤسسات إلى البنية التحتية اللازمة لمطعم من تجهيزات وفضاء خاص وربطها بشبكات التطهير والماء، ثانيا يرجع ذلك إلى حالة التهاون بسبب نقص التأطير والمراقبة للعملة المباشرين لهذه المطاعم، حيث ثبت من خلال عمليات المراقبة المذكورة عدم احترام العديد من العملة لقواعد الصحة والنظافة في مزاولة مهامهم في الطبخ كإعادة استعمال المياه المستعملة سابقا في الطبخ أو وضع المواد الغذائية المتزود بها أو المواد المطبوخة نفسها في أماكن لا تستجيب لظروف الخزن أو التحضير قبل تقديمها للتلاميذ، حتى أن البعض تمادى في ذلك ليترك هذه المواد فوق قنوات الصرف الصحي المربوطة بمطابخ المؤسسة التربوية، فلا غرابة إذا أن نجد بعد ذلك بعض المدارس ينتشر بها التهاب الكبد الفيروسي “س”.

هيكل إداري معدوم

عندما صدر الأمر الحكومي عدد 664 بتاريخ 25 ماي 2016 بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية والمتعلق بإحداث ديوان الخدمات المدرسية وبضبط تنظيمه الإداري والمالي وطرق تسييره، كان من المفروض أن يكون مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي، وحسب هذا الأمر تتمثل مهمة الديوان في الإشراف على سير المطاعم والمبيتات المدرسية ودعمها والسهر على تحسين ظروف الإقامة بالمبيتات، لكن على مستوى الواقع كان هيكلا معدوما لم يعطي أدنى إضافة للمنظومة التربوية باعتباره يؤدي دور الإحاطة وتوفير مناخ ومحيط متوازن للتلميذ ليكون قادر على الإبداع و المثابرة في مجال التعليم.

في هذا السياق لن نتحدث عن عشرات المهمات المدرجة ضمن مهام هذا الديوان و المنصوص عليها ضمن الأمر المنظم والتي تحيلنا عند الإطلاع عليها في الوهلة الأولى على واقع معاش في الدول الأسكندنافية وليس واقع مؤسساتنا التربوية، لذلك سنكتفي بالحديث عن مهمتين موجودتين قبل إحداث هذا الهيكل الخدماتي والتي من المفروض تتدعم بعد إحداثه وهي الإعاشة والاعتناء بالمبيتات، فبالنسبة للإعاشة لم تحصل هناك نقلة نوعية تذكر على مستوى جودة الأكلات المقدمة بل بقيت محل تذمر في أغلب المطاعم المدرسية التي تقدم هذه الوجبات فحتى المدارس الموجودة في المناطق الحضرية والتي تقدم هذه الخدمات بقيت عاجزة عن تحسين أدائها.

أما بالنسبة للمدارس والمعاهد الموجودة بالمناطق الريفية والنائية فحدِّث ولا حرج فلا يمكن الحديث أصلا على جودة الأكلة المقدمة في ظل عدم استمرارية تزود هذه المدارس والمعاهد بالمواد الغذائية والخضر من قبل المزودين بسبب عدم خلاص مستحقاتهم في المواعيد المحددة.

فاقد الشيء لا يعطيه

أي هيكل أو مؤسسة تدير مرفق عمومي يجب أن تتوفر فيها أبسط الخصائص المؤهلة والمتناسبة مع المهام المحددة سلفا وهذا ما لا يتوفر عليه ديوان الخدمات المدرسية على عدة مستويات بداية من غياب إطارات التصرف المختصة بهكذا مجال فلا يمكن توفر فرصة نجاح لهذا الهيكل والأغلبية الساحقة المشرفة على دواليبه تجهل آليات التصرف في المخزونات ومراقبتها، ومن جهة أخرى ليس لها دراية أو تكوين في مجال الصفقات العمومية وخاصة بالجانب المتعلق بمتابعة مراحل تنفيذ الصفقة من الإذن بالتزود ومتابعة عملية التزود وضبط طرق لجان القبول عند استلام المواد المتزود بها لصالح هذه المطاعم والمبيتات، وهو ما يفسر الحالات الكبيرة للتجاوزات المسجلة عند قبول المواد الغذائية لعدم تفعيل لجان القبول وحضور إطارات مختصة ومكوّنة لهذا الغرض، كما أن معظم الإطارات العاملة بهذا الديوان هي في حقيقة الأمر تنتمي لسلك التربية وليست لها الدراية الكافية بأصول التصرف الإداري و المالي مما يفسر بحالات سوء التصرف وتجاوز القانون في بعض المرات عن دون قصد نتيجة نقص التكوين اللازم في هذا الصدد.

بكل بساطة إن تجربة ديوان الخدمات المدرسية إلى حد الآن كانت فاشلة بامتياز مما يبيّن أنه تم التخطيط لهذا الهيكل في المكاتب دون مباشرة الواقع وتحضير الإطار الكفء الذي يستطيع الإشراف بكل جدارة عليه خاصة على مستوى الجهات لأنه مهما تم تخصيص من أموال ضخمة لنجاح هذا الهيكل فلن تكون بديلا لحسن التصرف والتسيير مما يعطي انطباعا بالتسرّع في إنشاء ديوان خدمات دون التحضير الكافي لعوامل النجاح.

إنعكاس سلبي على مستوى التعليم

في عديد الأحيان وخاصة بالمناطق الريفية والنائية تكون هذه الخدمات المقدمة من إعاشة ومبيت وإحاطة هي المقياس الأول للمستقبل التعليمي للتلميذ فلا يمكن الحديث عن تحصيل علمي لطفل يعاني الخصاصة الغذائية فكيف يكون قادرا على استيعاب الدروس المقدمة داخل القسم خاصة أن الطفل في مرحلة نمو حساسة تتطلب نظام غذائي صحي ومتوازن تجعل منه مواطنا صالحا في المستقبل وقادرا على الإضافة وهو يعطينا فكرة عن سبب من الأسباب المتعدّدة لتراجع مستوى التعليم في تونس.

هذه الإشكالية يمكن حلّها فقط عبر انتهاج مسار يعتمد على بعدين متلازمين، الأول وهو السعي نحو تحسين البنية التحتية لهذه المطاعم والمبيتات بتوفير الاعتمادات اللازمة في الغرض، و البعد الثاني تكوين إطار تصرف و تسيير كفء لهذه المؤسسات لأنه في كثير من الأحيان ثبت أن المشكلة ليست في توفير الاعتمادات المالية بقدر ما هي إلا مشكلة سوء تصرف وقلة خبرة في هذا الميدان.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.