الرئيسية » من يوسف الشاهد إلى الحبيب الجملي : القضية ليست في تغيير الحكومات بل في تغيير السياسات

من يوسف الشاهد إلى الحبيب الجملي : القضية ليست في تغيير الحكومات بل في تغيير السياسات

تنظر البلاد -ببرود قاتل- إلى قرب ذهاب حكومة تصريف الأعمال ومجيء حكومة جديدة. وتتابع – بجمود مذهل- تفاعل الأحزاب و التيارات المتصارعة مع التشكيلة المقترحة وكأنها آتية من فلك آخر. وتراقب – بهدوء- تناقضات المشهد السياسي كما ينظر أب كهل حكيم إلى خلافات أبنائه دون محاباة أو تمييز.

بقلم العقيد (م) محسن بن عيسى

لقد أتعبت الإخفاقات السياسة البلاد وقسّمتها الى فئات، فئة الفقراء والمهمّشين الذين تحاصرهم الفاقة والجريمة والكحول والمخدرات القاتلة، و فئة الثراء المدلّل الذي يحيط نفسه بسور سميك من الرفاه لا يراه سوى الكادحين. وبينهما فئة السياسيين التي تضم نماذج عديدة، منها ما يسرّك أن يكون له دور فاعل في شؤون المجتمع، ومنها ما ترغب في إبعاده عن دائرة الصالح العام. ففي هذه الفئة نجد الصادق والكاذب والجبان والشجاع وذا المبدأ والإنتهازي وغير ذلك. وهي صفات نجدها بين كل أصناف البشر، بدأً بعباقرة التاريخ وانتهاءً بالشعبويين وأشباه المسؤولين.

أي دور نستطيع أن نتوقعه من التشكيلة الحكومية الجديدة ؟

أي دور نستطيع أن نتوقعه من التشكيلة الحكومية الجديدة؟ أجد من العسير عليّ أن أتحدث عن دورها في هذا الواقع الذي تعيشه البلاد والمتسم بالتمزق والتفكك وضياع الهوية وانهيار المؤسسات.

القضية ليست في تغيير الجياد، وزير بدل وزير، بقدر ما هي في تغيير السياسات التي ثبت فشلها، وفي طريقة الاختيار التي تجمع بين غياب الرؤية والسقوط في فخ الأهواء الشخصية. جوهر الأزمة كان ولا زال لدينا في طريقة اختيار الوزراء ومناخ التلعثم الذي يسود دوائر صنع القرار عند تشكيل الحكومات.

ليس من الانصاف ولا من العدل بحق بلدنا أن نستمر في السير نحو هذه المسالك المغلقة والدخول في الحلقات المفرغة وإضاعة الوقت في المحاولات الفاشلة. هكذا تتراكم قائمات الحكومات بأسماء وزراء جاؤوا ثم غادروا دون أن يتذكرهم أحد، إلا سجلات التاريخ والمواقع الرسمية.

السؤال المتكرر اليوم !

يبدو رغم ما يُقال أننا لا زلنا لا نعرف مواصفات الوزير المطلوب أو الحكومة التي نتطلع إلى تشكيلها، ونجهل سبل اختيار الأكثر قدرة وكفاءة على إدارة البلاد. نحن لا نعرف لماذا جئنا بهؤلاء الوزراء، و لا نعرف لماذا ذهبوا، وهذا هو لب القضية. في كل مرّة يتصرّف كل طرف على راحته ويصنع روايته ورؤيته حول التعديل أو تشكيل الحومة على هواه، حسب مصالحه وتحالفاته وعداواته، وليس بناءً على حقائق موضوعية.

لا أريد التوقف عند الحالة التي عليها الرأي العام للحصول على معلومات تخصّ الوزراء الجدد، دون أن يقطع أحد بقدرة جميعهم على امتلاك المواصفات اللازمة للمنصب، ومن أهمّها الكفاءة والقدرة على مواجهة الأزمات وإيجاد الحلول السريعة للقضايا الجارية.

من المفروض أن يكون الشخص الذي وقع عليه الاختيار لمنصب وزير أن يكون صالحا في ذاته ومقبولا في نظر الشعب للقيادة وتحمل المسؤولية في الدولة، وليس مجرد شخص يفاجأ المجتمع باختياره على أسس غير معروفة أو لمجرد صلاته الشخصية أو بمحض الصدفة.

السؤال المتكرر اليوم لازال يتمحور حول لماذا وقع الاختيار على فلان وهو بهذه المواصفات ليصبح وزيرا في وقت حرج من تاريخ تونس؟

لا يمكن إهانة النخبة فكيف يمكن لكبار المثقفين والمفكرين والأساتذة الجامعيين والإطارات العليا التعامل مع أشخاص هم أقل منهم في العلم والكفاءة والخبرة. المشكلة أن البلاد تحتاج باختصار شديد إلى وزراء سياسيون يجيدون لعبة السياسة ويملكون ثقافة ووعيا سياسيا، وربما تجربة في الممارسة السياسية والديمقراطية، تؤهلهم لكي يؤدوا دورهم بصورة أفضل.

الحكومة هي قمة الجهاز التنفيذي وليس معقولا أن يتموقع في هذا المستوى من لا يفهم في السياسية أو يعاني أمية سياسية، و لكي نوضح فالكفاءة الشخصية المطلوبة لا تقوم في رأيي على مجردّ التميّز الأكاديمي أو السيرة الطيبة بل على الخبرة والتجربة أيضا في تحمل المسؤوليات الصعبة.

الأكيد أننا بحاجة إلى أن نستذكر مسألة لا تتحدث عنها الدساتير وليس من شانها أن تتحدث عنها وهي “مسؤولية الحكومات والوزراء” أمام التاريخ، فالتاريخ حكم عدل في الغالب من الاحوال يحص الحسنات كما يحص السيئات.

ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.