الرئيسية » التعيينات ذات الخلفية الحزبية في الإدارة التونسية لم تنقطع في ظل حكومة يوسف الشاهد

التعيينات ذات الخلفية الحزبية في الإدارة التونسية لم تنقطع في ظل حكومة يوسف الشاهد

قصر الحكومة بالقصبة.

تسييس الإدارة العمومية التونسية كأهم مرفق عمومي و التعامل معها بمنطق الغنيمة و الولاءات الحزبية ليس ظاهرة جديدة فقد بدأت منذ عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة والزين بن علي وتواصلت بعدهما مع حكومة “الترويكا” تحث إمرة حزب النهضة الأسلامي ثم حزب نداء تونس بداية من عام 2015، وكان من المؤمول أن تقطع حكومة يوسف الشاهد مع هذه الممارسات لكنها ما فتأت أن واصلت اتباعها، حيث إتبعت المجموعة المحيطة بالشاهد أسلوبا يعتمد على تهميش الإطارات السامية المشهود لها بالكفاءة.


بقلم فيروز الشاذلي

موضوع التعيينات الأخيرة في لحظات الرحيل لحكومة يوسف الشاهد أعادت الجدل من جديد حول إيغال المجموعة المحيطة بهذا الأخير في تسييس الإدارة التونسية وتحجيم الكفاءات الحقيقية داخل النخب الإدارية، ففي ظل هذه الحكومة، وخاصة في السنة الأخيرة بعد تكوين حزب تحيا تونس، أصبح “سلفي” مع وزير من وزراء هذا الحزب – كما يقول بعضهم – كفيل بأن يمكّنك من إعتلاء منصب مدير عام في وزارته دون أن تكون لك المؤهلات الضرورية لهذا المنصب. لهذا دأب البعض على تسمية حزب تحيا تونس بــ”حزب الحكومة”، و الأكيد أن هذا الموضوع سوف يطرح بقوة مع بداية تولي الحكومة الجديدة مقاليد الحكم.

تسييس المرفق العام

تسييس الإدارة العمومية التونسية كأهم مرفق عمومي و التعامل مع ذلك بمنطق الغنيمة و الولاءات الحزبية ليس ظاهرة جديدة فقد بدأت منذ عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة وتواصلت بعدهما مع حكومة “الترويكا” تحث إمرة حزب النهضة الأسلامي ثم حزب نداء تونس بداية من عام 2015، وكان من المؤمول أن تقطع حكومة يوسف الشاهد مع هذه الممارسات لكنها ما فتأت أن واصلت اتباعها، حيث إتبعت المجموعة المحيطة بالشاهد أسلوبا يعتمد على تهميش الإطارات السامية المشهود لها بالكفاءة وتعمدها توجيه الملفات الهامة التي لها تأثير مباشر على الوضع الاقتصادي للبلاد إلى الموظفين المنخرطين ضمن الحزام الإداري لتحيا تونس، بالرغم من أنهم مستجدين على هذه الملفات الحارقة وفي عديد الأحيان لا يملكون الخبرة الضرورية لإدارتها، بل أصبحت مهمتهم الأساسية ليست متابعة هذه الملفات التي أسندت لهم كحد أدنى بل التعبير عن مواقف سياسية في قضايا جدلية دفاعا عن توجهات حكومة الشاهد وشخصه رأسا، والأكثر مدعاة للحيرة هو حينما تعبر تلك المواقف عن إستفزاز مباشر للرأي العام.

ربما هناك من يدافع عن نفسه بوجود ترابط دقيق بين السياسة الحكومية و السياسة الإدارية العامة، لكن نحن الآن لانشهد دفاعا عن سياسة حكومية أصلا بل ما رأيناه خلال الثلاثة سنوات الأخيرة وخاصة في السنة الإنتخابية الأخيرة هو انخراط كامل من طيف إداري واسع دفاعا على شخص يوسف الشاهد وتوجهات حزبه وليس دفاعا عن سياسة الحكومة، بل أصبح في وقت ما الطيف الإداري المستقطب أكبر مكوّن وداعم لحزب الشاهد الناشئ في ظرف قياسي، ففي هذه السنة المفصلية عوض متابعة الملفات المستجدّة كغلاء الأسعار، الصابة القياسية في الحبوب غير المحمية من الأمطار، وغيرها من المواضيع، كان التركيز على الإجتماعات الداعمة للحملة الإنتخابية للشاهد، فكل الإجتماعات الإنتخابية لهذا الأخير بالعاصمة أو بالجهات كانت مؤثثة في جانب كبير منها من طرف الحزام الإداري المكوّن للغرض وذلك عن طريق توزيع دعوات لهؤلاء الإداريين و الويل كل الويل لمن إنخرط في هذا الإتجاه ولم يلبي الدعوة خاصة أن أيّامها كانت أسهم الشاهد في صعود وهو الحاكم الفعلي و المسيّر لكافة دواليب الدولة.

لتنسيب الأمر لا بد من الإشارة إلى أن عملية الإستقطاب داخل الإدارة ومحاولة بناء حزام إداري ليوسف الشاهد وحزبه كانت متركزة بالأساس في الوزارات التي يديرها وزراء محسوبون على هذا الأخير كوزارة الفلاحة، والصحة، والشباب والرياضة، والتجارة، والسياحة والصناعة، وإن بدرجات متفاوتة.

تسييس الإدارة يفتّت الدولة ولا ينفع الأحزاب

محاولات إختراق الإدارة وصنع لوبيات إدارية موالية للأحزاب السياسية ليست بالجديدة على تونس فقد عرفت تونس قبل الثورة تكريس النظام السابق لمبدأ الوحدة بين النظام والإدارة حيث هذه الأخيرة ظلت في خدمة مصالح الحزب الواحد بالرغم أن هناك فارق جوهري ألا وهو سعي نظام بن علي الدائم إلى الإستنجاد بالكفاءات التي من الصعب الإستغناء عنها وهو ما أثبتته الأيام حتى بعد الثورة حيث أن كل الحكومات المتعاقبة ضمت العديد من الكفاءات التي إعتمد عليها بن علي لتولي وزارات تقنية حساسة.

لكن سياسة تطويع الإدارة لصالح الأحزاب السياسية تواصلت بعد الثورة فكل حزب وجد موطأ قدم في الحكم بحث عن كيفية الإستمرار في الحكم وراء الكواليس وفي دهاليز الإدارة العميقة عوض البحث عن حلول حقيقية لمشاكل مجتمع فقد الأمل في مستقبل أفضل وهو ما يؤدي إلى وقوع ميكانيزمات تسيير الإدارة التونسية لدى أطراف غير كفأة صفتها الوحيدة هي الولاء الأعمى لأسيادها متزعمي الأحزاب السياسية، مما أدى إلى تدهور التصرف في المرافق العمومية و تأخير إنجاز البرامج و المشاريع الرسمية فلا ربحت الدولة كهيكل حام للجميع ولا ربحت هذه الأحزاب التي تمت معاقبتها من قبل الناخبين للنتائج السلبية التي تحصلت عليها.

أبرز مثال على ما سبق ما جناه حزب تحيا تونس من خسارة في الانتخابات فطوال الفترة قبل الانتخابات كان هم كوادره العليا هو كيفية تدعيم الحزب و إنجاز حملة إنتخابية على حساب الدولة وتخصيص موارد من ميزانية الدولة في شكل إعتمادات يغلب عليها الطابع الإنتخابي في محاولة لمبارزة المد الخيري لحزب نبيل القروي قلب تونس، ولكن النتائج كانت جد سلبية فبالرغم من أن كل المؤشرات إيجابية في جميع القطاعات الفلاحية وموسم سياحي جد ممتاز و انخفاض سعر النفط العالمي، فإن حكومة الشاهد فاجأتنا بالخيبة الكبرى و هي تحصلها على نسبة نمو قدرت بـ 1،4 % بينما كان من المفروض أن تتحصل على الأقل على 3 %، فخسر الشاهد كل من الانتخابات الرئاسية والتشريعية وضيّع علينا نحن فرصة تاريخية للخروج من عنق الزجاجة.

الفصل بين صناعة السياسة العامة و إدارة المرفق العام

لقد حافظت الإدارة التونسية لعقود، بمستويات متقدمة، على الإبتعاد عن الإشتباك السياسي و توريط الإدارة بطريقة مباشرة وغير مباشرة في الصراعات، حيث كان هناك فصل واضح بين إدارة المرفق العمومي وصناعة السياسة العامة وهو ما كفلته القوانين المتعاقبة التي كانت كفيلة بحماية الإدارة العمومية من الضغط السياسي حتى زمن الدكتاتورية مما كان له إنعكاس جد إيجابي على تواصل الدولة حتى في الوقت الحاسم إبّان سقوط النظام السابق لبن علي.

لكن بعد موجة التراجع و ضغط الأحزاب السياسية خاصة على الإطارات العليا للإدارة بغاية استقطابها أو إبعادها بتعلة استقلاليتها فلا بد من البحث عن قوانين وترتيبات خاصة وصارمة بالتعيينات في المناصب الإدارية العليا حفاظا على النفس المتبقي من مصداقية الإدارة العمومية التي أصبحت تعاني من الدخلاء المسقطين من قبل الأحزاب السياسية ولهذا يجب أن تتعزّز هذه القوانين بالفصل بين الطاقم السياسي التابع للوزير السياسي وبين الطاقم الإداري المنوط بعهدته التسيير التقني للوزارات.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.