الرئيسية » عرض مسرحية ” جوجمة، حس” لمختبر المسرح بسجن برج الرومي (صور)

عرض مسرحية ” جوجمة، حس” لمختبر المسرح بسجن برج الرومي (صور)

المسرح حرية، المسرح فكرة متمردة تعجز كل الحواجز والجدران عن كتمها، المسرح حياة وفي السجن يصبح الفعل المسرحي أكثر جرأة وتحرّر فقضبان السجن لا تقدر على حبس الفكرة ولا إرادة الانعتاق ولانّ المسرح فرصة للإصلاح قدّم مختبر المسرح بسجن برج الرومي للمرة الثالثة عمل مسرحي ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية.

العمل بعنوان “جوجمة حس” من إخراج محمد امين الزواوي ونضال الدين معازي وهو عرض افتتاح عروض “مسرح الحرية” الخاص بالعروض المسرحية في المؤسسات السجنية وللإشارة فهناك 11عشرة عمل مسرحي في هذه الدورة منها 7رجالية و3نسائية وعرض أطفال.

تنطلق المسرحية بموسيقى ممتعة كأنها لحظات الشدو والانشراح، بتقنيات خيال الظل تكون الانطلاقة فخلف الستار انعكاس لأطفال يلعبون، هي صورة الطفل داخلنا نقلت خلف الستائر، ثمّ تخرج الشخصية وفي صورة فرجوية مختلفة تظهر كأنه ساحر يحرك شريط الفيديو ويتحكّم فيه، منذ البداية الألوان تتوسط الشاشة الكبرى، هالة من الألوان كأنها نقل للسعادة والحب والمحبّة والفرحة تختصر في شكل كرة يحرّكها الممثل.

إلى عوالم الجنون تكون رحلة الممثلين، مجموعة من الشخصيات تتحادث، تتناقش ثم يحدث الصراع ليجد المتفرج نفسه أمام ثلاثة مرضى يقيمون في مستشفى للأمراض العقلية، لكلّ منهم علّة فـ “حريقة” مريض بالكذب و”فجعة” يخاف الجميع يخاف حتى من نفسه و”فكرون” مريض بفقدان الهوية، حالات نفسية نعايشها وعايشها الجمهور، حالات نفسية تشبهنا، انطلق منها المخرج ليعرّي بؤس المنظومة الطبية النفسية.

فالمرضى يعالجهم الدكتور “أسيل” بلباسه الأزرق الأنيق وخلفه مكتبة تضمّ أمّهات الكتب لكنه يرفض التطوير أو التجديد في المنظومة العلاجية، في المقابل الطبيب “رستم” الشاب الأكثر حيوية وإيمانا بتطور البشرية وبذلك تطور العلاج واختلاف تجاربه فكل الكتب النفسية لن تشفي مريضا طالما العلاقة مع الطبيب تكون عمودية.

تتواصل الأحداث ويتغيّر الديكور المكون من مجموعة من المربعات البيضاء حسب الحكاية فمرّة يكون مكتب الدكتور ومرّة غرفة المرضى وأسرّتهم ومرات يكون متنقلا كما الافكار، ليحملوا المتفرج إلى عوالم الصراعات النفسية التي يعيشها المرضى والأطباء كذلك، فمسرحية جوجمة هي صرخة ضد المنظومة العلاجية وهي وضع الإصبع على الوجع، دعوة للجميع لإعادة النظر في علاقة الطبيب بمرضاه هي نداء ليستمع الطبيب إلى المريض كما أنها دعوة للإنصات للسجين فجميعنا “بشر، والبشر يستحق إحساس” كما يقول نص المسرحية.

في جوجمة حس” يصبح الطبيب “رستم” جزء من المرضى يشاركهم نفس المكان ويدعوهم لمصاحبته من خلال بئر الأحلام ليحقق لهم أحلامهم بعيدا عن العقاب “يلزم نحلموا، يلزم نتحرروا من الخوف ومن وراء الجدران، يلزم حلمتنا تهزنا لبعيد” هي دعوة مباشرة للحلم، دعوة صريحة للمصالحة مع الذات، دعوة لمعاملة السجين مثل بقية الناس وإن اخطأ فهو بشر مثلنا يحتاج “المحبة” ليتجاوز محنة السجن والجدران العالية، وفي المسرحية يصبح المتفرج جزء من الحكاية فالجميع مريض والكلّ يشترك في مجموعة من العقد وحده الفن يقدر على تشتيتها ثمّ التخلص منها.

ففي المسرحية يختار الطبيب طريقة جديدة للعلاج وهي الفن، الفن القادر على الدخول إلى عوالم النفس البشرية وإخراج الوجع المدفون في زوايا الذاكرة، الفن يجسدونه من خلال مشهد “المايسترو” الذّي يجلس في ركن من الرّكح ويحرك عصاه فتخرج نوتات من حناجر المرضى وفي الخلفية تصبح الألوان الزاهية هي المسيطرة هي تعبيرة سينوغرافية رمزية (الفيديو والصور والمابينغ من انجاز احد السجناء ) ترمز إلى أهمية الفن في العلاج ونجاح الطبيب الفنان في الاقتراب من المرضى حدّ انّ “فجعة” الذي كان يخاف نفسه أصبح يرقص ويتحدث دون خوف من الآخر.

“جوجمة حس” ليست مجرد عمل مسرحي بل هي دعوة للحياة، صرخة ضدّ كل أشكال الظلم والضيم، هي وسيلة للحلم، مسرحية استعملت تقنيات الكوميديا لكشف الوجع، مسرحية ساخرة مؤلمة تبحث عن الإنسان فينا وتدعوه ليحلم ويتجاوز العقد والحدود فليس للحلم حدود.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.