الرئيسية » بِمُناسبةِ 10 ديسمبر اليوم العالمِيّ لِحقوقِ الإنسانِ : و السّلامة المروريّة أيْضًا قضيّة مِنْ قضايا حُقوقِ الإنْسانِ

بِمُناسبةِ 10 ديسمبر اليوم العالمِيّ لِحقوقِ الإنسانِ : و السّلامة المروريّة أيْضًا قضيّة مِنْ قضايا حُقوقِ الإنْسانِ

يُقال: الطّريق نحو المُصيبةِ قصير. فأقول: السّيرُ في الطّريق أقْصر طريقٍ نحو المُصيبة. ألا يُقتل أو يُجرح الإنسان – اليوم – بِأعداد مُفزعة على قارعةِ الطريقِ ؟ فالحوادثُ المروريّة – عندنا – تعصِف بِالبشرِ كما تعصِف الرّياح العاتيّة بِالأشجار٬ تكسرُ و تقتلعُ. حرّيٌ بِنا – إذن – القولُ إنّه عليْنا الذوْدُ على الإنسانِ من ذلك الغولِ الكاسِر ( أي الطّريق) و حِمايةِ حقوقِه٬ كالحقِّ في الحياة والحقِّ في سلامة شخْصِه المُضمّنة في المادة 3 من الإعلانِ العالميّ لِحقوقِ الإنسان.

بقلم فتحي الهمامي *

وتشاء الصّدف هذا العام أن تُحيي بلادنا الذكرى 71 لِميلاد هذا الإعلانِ العالميّ لِحقوقِ الإنسان٬ المُوافق ليوم 10 ديسمبر ٬ و نحنُ لم نسْتفِق بعدُ مِن وقْعِ الصّدمة التي جدّت بِتاريخ 1 ديسمبر. تلك الفاجعة المتمثّلة في موت 28 إنسان وتضرُّرِ 24 من البشر جرّاء حادثِ طريق مُروع جدّ بعمدون من ولاية باجة. و لعلّ أهم ما يجبُ أنْ نقوله عن الفاجعةِ وعن ذلك الوحش الذي لا يكِف عن الأكل من لحْمِنا: “سأسأل الأيام علّ مدينتي يوما تعرِفُ قيمة الإنسان * فمتى شجون الليل تهجرُ عِشنا و متى الزهور تعودُ لِلأغْصانِ” (فاروق جويدة) .

و الإعلانُ العالميّ لِحقوقِ الإنسان يقرُّ بِقِيمة الإنسان بِغضّ النّظر عن عِرقه أو مُعتقده أو مكانِه أو أيْ ضرْبٍ مِنْ ضُروب الاختلاف الأخرى. إذْ يعترف بِتأصّل الكرامة في جميع أعضاء الأسرة البشريّة. كما يُؤكّد أنّ حقوق هؤلاء مُتساويّة أي كونيّة إضافة على أنّها ثابتة و غيرُ قابلةٍ لِلتجزئة٬ و بِأنّ قيمتيْ الحريّة و المُساواة أختان مُتلازِمتانِ.

والغاية من هذا كلّه٬ كما تُوضّحُه الوثيقة التّاريخية٬ الدفع بِرُقيّ الإنسان قُدمًا و الرفْعِ من مستوى حياته في جوّ من الحريّة.

مِنْ هذا المُنطلق تُعتبِر السّلامة المروريّة في علاقة مُباشرة بِحقوق الإنسان. فالإنسان الّذي يتّهدده خطر الموت أو الضّرر البدني الناجِم عن حادثة على الطريق ٬ من حقّه التّمتع بِالحمايّة و الوقاية مِنها. لِهذا يُعتبر الأمان المروريّ و التّنقل المُيسِّر من حقوق الإنسانِ الأساسيّة الذي يجب أنْ تُتاح لِلجميع و خاصّة الأطفال.

فمنْ يكفل ذلك ؟ الدولة بِالطبع و كافةِ مُؤسساتها٬ الّتي عليْها أن تسْعى إلى إنْقاذ أرواح الناس والحِفاظ على صِحتِهم٬ بأن تتّخذ كافة الخُطوات اللاّزمة: بِناء الطرق و الجسور ٬ تعهدها و تجْهيزها – وضعُ مخطط مروري – نشر الثقافة المروريّة – وضْع القوانين و تطبيقها – وسائل و إجراءات تحمي الفِئات الهشّة على الطريق : طفل ٬ مُترجل٬ مُستعمل دراجة – مراقبة الطريق – و ضع الخُطط للحدّ من الاكتظاظ و غيرها كثير.

و تلك المسؤوليّة يُقرها القانون الدّولي الإنساني و يُؤكدها٬ و هو الّذي وُلد من رحِم الإعلانِ العالميّ لِحقوقِ الإنسان٬ إذْ لم يتوانى عنْ تحمِيل الدولة مُهمّة حِمايّة الحقّ في الحياة والحقّ في الصّحة والحقّ في التنميّة و بالمثلِ الحقوق الاقتصاديّة و الاجتماعيّة.

و لِكيْ تقوم الدّول بِواجبِها إزاء فواجع الطريق ٬ و هي الّتي تتسبّب في انتهاك كافة تلك الحقوق الإنسانيّة و المسّ منْها: 1.35 مليون وفاة في العالم و 50 مليون مصاب – السّبب الأول لِوفيات الأطفال و الشباب – و السّبب الثامن لِلوفيات بِصفة عامة – نُقص في نسبة النمو٬ أطْلقت الأمم المُتحدة – من مُدّة – صيْحة فزعٍ. إذْ أقرّت يوم 17 نوفمبر يوما عالميّا لإحياءِ ذكرى ضحايا حوادث الطرقات٬ و أعلنتْ عن خطة عالميّة أُطلق عليها عشريّة التّحرك من أجل السّلامة المروريّة ( 2011/2020)٬ كما عيّنت مبعوثا خاصّا للامين العام مُهتم بِالسّلامة على الطرق.

و بِالمثلِ تهتمُ منظمة الصّحة العالميّة عن طريق أنشطتها و قرارات مجلِسها التنفيذي بِمكافحة الحوادث المروريّة لِما لِلصحة من علاقة مُباشرة بالسّلامة على الطريق.

لهذا تُصرّ المُنظمتان على أنْ تعْمل الحكومات ( و المجتمعات أيضا) دون هوادة على مُقاومة نزيفِ الدمِ على الطّرقاتِ٬ لأنّ أي تهاونٍ في ذلك إهْمالا لِلحقوق الإنسانيّة و ازْدراء لها. ألا ينْهى الإعْلان العالمي لِحقوق الإنسان عن تناسي حقوق الإنسان ؟ بل هو يُحذر بِقوة من تبِعاتِ ذلك.

فأيْن نحنُ في تونس من آفة كوارثِ الطّريقِ؟ والإجابة عن السؤال:عليْنا النظر فقط إلى الحادثِ الأليم الّذي وقع في عين السنوسي ! فذلك يُغني عن اسْتِعراض الأرقام المُفزعة. فرغْم مجهود الدولة و شُركاءها في المجتمع المدني إلا أنّ واقِع الطّريق عندنا يشكو من ضُعف فادحٌ في السّلامة المروريّة ٬ بلْ من فوْضى نتائِجها فظيعةٍ على الإنسانِ.

فهلْ من استفاقةٍ لِلْقائمين على شؤونِنا و نحنُ نحتفِي بِالإنسانِ يوم 10 ديسمبر؟ و هل من إسْهامٍ أكبر لِشبابنا في مُحاصرةِ تلك المُعضلة ٬ خاصّة و قد تقرّرّ دوليّا أن يُوضع هذا اليوم تحت عُنوان: ” الشباب يدافعون عن حقوق الإنسان ” ؟

* ناشط حقوقي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.