الرئيسية » الحلول العاجلة و الممكنة لأزمة قطاع البناء و البعث العقاري في تونس

الحلول العاجلة و الممكنة لأزمة قطاع البناء و البعث العقاري في تونس

لإنقاذ قطاع البناء و البعث العقاري في تونس يجدر بالحكومة الحالية و مجلس النواب الجديد، ضمن مناقشة مشروع قانون المالية 2020، التخفيض في نسبة الأداء على القيمة المضافة فمن غير المعقول أن قطاعا ذا بعد اجتماعي يتحمل نسبة 19% بل يجب إدراجه ضمن الجدول الخاص بنسبة 7% وهو الحد الأدنى المطلوب اتخاذه لصالح القطاع قبل أن نشهد انهياره بالكامل. كما يجدر بها مراجعة برنامج التشجيع على السكن الجديد الذي أظهر قصورا واضحا في استيعاب المشكلة المزمنة خاصة على مستوى التمويل البنكي.

بقلم فوزي العبيدي

يعيش قطاع البعث العقاري في تونس أزمة خانقة تنذر بوقوع عديد المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية ذلك أن الأزمة شملت بصفة عامة قطاع البناء بحكم ترابط سلسلة الإنتاج بين القطاعات على غرار نجارة الخشب و الأليمنيوم والشركات المتخصصة في السباكة و الكهرباء وهو ما سيؤثر بصفة سلبية على عديد القطاعات الأخرى بطريقة غير مباشرة كالقطاعات المتخصصة في الخدمات و الدراسات الهندسية، وهذا بدا جليا من خلال تقليص عديد شركات البناء و البعث العقاري لمواطن الشغل وتحول المشكلة إلى أزمة هيكلية أدت بعديد مصانع إنتاج مواد البناء إلى إغلاق أبوابها. لذلك هناك حاجة ملحة إلى إجراءات عاجلة وفورية لإنقاذ هذا القطاع الذي يضم آلاف مواطن الشغل المباشرة وغير المباشرة.

أزمة البعث العقاري تتعمّق

أزمة البعث العقاري و قطاع البناء بصفة عامة كانت منتظرة بحكم عديد الأسباب الموضوعية، أولها أن هذا القطاع لا يمكن أن يشهد انتعاشة في ظل تقلبات سياسية و اجتماعية حادة فما بالك عندما يطول أمدها إلى أكثر من ثمانية سنوات زادها النسق المرتفع لنسبة التضخم التي أثّرت سلبا على زيادة أسعار تكلفة مواد البناء سواءا المنتجة محليا أو المستوردة من الخارج مما أدى إلى تضاعف سعر العقارات خلال هذه الفترة مما أدى إلى استحالة وجود فئات قادرة على اقتناء هذه الشقق.

هذا الانغلاق على مستوى السوق الداخلية زادته حدّة فقدان المتدخلين في المجال العقاري و البناء لأهم سوق وهي السوق الليبية بسبب الحرب الأهلية، التي كانت تمثل متنفسا كبيرا للشركات التونسية سواءا كباعثين عقاريين، مقاولي بناء أو مصانع إنتاج لمواد البناء كالإسمنت و الآجر وغيرها، إضافة إلى تراجع الطلب في هذا القطاع بالشقيقة الجزائر بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة على انخفاض أسعار البترول و الغاز منذ سنة 2010 و اشتداد الأزمة السياسية منذ حوالي السنة و بحكم تراجع الطلب من أهم شريكين لتونس في هذا القطاع فقد أقفلت عديد المصانع أبوابها بسبب ذلك كمصنع الآجر بولاية القصرين الذي كان يعتبر المزود الأساسي للمناطق الشرقية الجزائرية المتاخمة للقصرين كولاية تبسة الجزائرية وهو ما أدى إلى خسارة 400 موطن شغل لمصنع تقدر طاقة تحويله بـــ 250 ألف طن، وفي نفس موجة التراجع أغلق مصنع الإسمنت بالقيروان لنقص الطلب الخارجي كما تعيش بقية مصانع الإسمنت أزمة حادة كمصنع إسمنت قرطاج، كما امتدّدت الأزمة إلى مصانع الدهن ومواد تجهيز البناء التي أصبحت تعيش حالة ركود ومهدّدة بالإفلاس.

إرتفاع نفقات الكراء تزيد الضغوط على التونسي

هذه الأزمة لم تكن ضحيتها أصحاب المهنة فقط بل شملت كذلك المواطن خاصة المنتمي للطبقة المتوسطة كالموظفين و الأجراء في القطاع الخاص، فأصبح توفير مبالغ الكراء الشهرية للمحلات السكنية الهاجس الأكبر في ظل الارتفاع المتواصل لأسعار الإيجارات التي فاقت القدرة الإنفاقية للعائلة التونسية وبات المعلوم الشهري للكراء يستأثر على القسم الأكبر من الأجر الشهري للموظف، هذه الزيادات أصبحت تقفز بمستوى قياسي فحسب الإحصائيات الرسمية للمعهد الوطني للإحصاء هناك ارتفاع بنحو 3% كل ثلاثة أشهر نتيجة ارتفاع كلفة البناء أي أن المعدل السنوي لنسق ارتفاع أسعار الإيجارات ما بين 10% و 12% في السنوات الأخيرة.

هذا الشطط في الزيادات زادته حدّة فوضى الأسعار الناتجة عن الدور السلبي الذي يلعبه الوسطاء العقاريين خاصة الدخلاء منهم على هذا المجال فرغم وجود قانون خاص ينظم دور الوسيط العقاري في مجال تسويغ العقارات قصد الكراء إلا أن الأسعار بقيت في ارتفاع جنوني نتيجة إخضاعه من طرف السماسرة إلى ما يشبه البورصة الشهرية الذي يحدّد بحسب المناطق و نوعية المباني حيث أصبحت فوارق أسعار الكراء شاسعة بين شهر و آخر في وقت يعاني فيه التونسي من تآكل مقدرته الشرائية بسبب غلاء المعيشة و ارتفاع التضخم.

هذه الأسعار المشطّة ترجع أساسا إلى ارتفاع أسعار الشقق عند الشراء من طرف أصحاب العقارات حيث تحدّد معاليم الإيجار الأولي وفق أسعار هذه العقارات التي ارتفعت كثيرا نتيجة تراجع الاستثمارات في العقارات مما يفسر ضعف العرض على مستوى الشقق المعروضة للكراء و ارتفاع أثمانها، إضافة للتكلفة المرتفعة للثمن الأصلي للعقارات سواءا التابعة للخواص أو الباعثين العقاريين فهناك التكلفة الإضافية الناتجة عن فوائد القروض التي تصل في بعض الأحيان إلى نسبة 100% فمثلا لو كانت التكلفة الحقيقية لشقة تقدّر بـــ 120 ألف دينار فإنها تتضاعف بسبب الفوائض العالية على مدة طويلة لتصبح التكلفة الحقيقية 240 ألف دينار.

في الحلول العاجلة و الفورية

تتحمل الدولة المسؤولية عن جزء كبير من مشكلة هذا القطاع بسبب السياسات العشوائية التي تمت صياغتها في قوانين المالية خاصة في قانون المالية لسنة 2018 حيث تم فرض الأداء على القيمة المضافة بالنسبة لهذا القطاع دون الحق في الاسترجاع المحاسبي و الجبائي في مخالفة لأصول الجباية مما مثّل ضربة قاسمة لقطاع البعث العقاري حيث ارتفعت أسعار العقارات بصفة جنونية ولم يتم تدارك هذا الخطأ إلا في قانون المالية لسنة 2019 الذي أعطى حق الاسترجاع للفارق الضريبي للشركات العقارية.

لكن هذا لا يكفي فقطاع يعيش حالة انهيار يتطلب الدعم وليس تكبيله بمزيد من الضرائب لذلك مطلوب التدخل الفوري و العاجل من الحكومة الحالية و مجلس النواب الجديد ضمن مناقشة مشروع قانون المالية الجديد، وذلك بالتخفيض في نسبة الأداء على القيمة المضافة فمن غير المعقول أن قطاعا ذا بعد اجتماعي يتحمل نسبة 19% بل يجب إدراجه ضمن الجدول الخاص بنسبة 7% وهو الحد الأدنى المطلوب اتخاذه لصالح القطاع قبل أن نشهد انهياره بالكامل.

إلى جانب هذا الحل الفوري الذي سيساهم في التخفيض من أثمان العقارات الجديدة للتشجيع أكثر على اقتنائها، يجب على الحكومة الجديدة العمل على مراجعة برنامج التشجيع على السكن الجديد الذي أظهر قصورا واضحا في استيعاب المشكلة المزمنة خاصة على مستوى التمويل البنكي، فمن غير المعقول أن نجد تمويلا على فترات تصل إلى عشرين و خمس وعشرين سنة مع نسبة فائدة كبيرة تضاف إليها نسبة الفائدة المديرية المرتفعة بطبعها بالرغم من وجود ضمان لخلاص القرض المتمثل في العقار نفسه، مما جعل هذا البرنامج يفشل فشلا ذريعا لذلك وجب الاستئناس بتجارب عديد الدول في هذا الميدان بتوحيد و تأطير نسبة الفائدة البنكية الخاصة بالسكن وليس كما يجري الآن في تونس حيث يدفع المواطن فعليا ضعف ثمن المسكن أو أكثر وفي أغلب الأحيان يستحيل عليه الحصول على موافقة البنك بخصوص القرض لأن هذا الأخير مع الفوائض الجملية يتعدى جرايته في بعض الأحيان بـــــ300 مرة.

بالإضافة إلى ذلك يجب أن تلعب الدولة دورا هاما في حماية المستأجرين بحكم أنهم الحلقة الضعيفة أمام تغوّل الوسطاء الذين يحققون فائدة كبيرة على حساب الطبقة المتوسطة وذلك بمزيد إحكام تنفيذ القوانين المتعلقة بتنظيم مهنة الوسيط العقاري لإقصاء الدخلاء على هذا القطاع الذين حولوه إلى قطاع مضاربة بالرغم أن مجلة العقود والالتزامات حددت الزيادة السنوية بنسبة 5% في معلوم الكراء عند التجديد السنوي للعقد.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.