الرئيسية » بالنيابة عن حركة النهضة : ائتلاف الكرامة يشنّ حربا على إتحاد الشغل رغم الحاجة له كشريك اجتماعي في الحكم

بالنيابة عن حركة النهضة : ائتلاف الكرامة يشنّ حربا على إتحاد الشغل رغم الحاجة له كشريك اجتماعي في الحكم

سيف الدين مخلوف و نورالدين الطبوبي.

من علامات السذاجة السياسية وقلّة الخبرة في هذا الميدان لسيف الدين مخلوف إيغاله في التهجّم على إتحاد الشغل فيما يشبه حملة ممنهجة على قياداته يتزعمها الناطق الرسمي باسم ائتلاف الكرامة و يحمل لواء تغطيتها والدعاية لها الذباب الأزرق لحركة النهضة في عملية توزيع للأدوار لا تخفى خيوطها على الملاحظين السياسيين.

بقلم فيروز الشاذلي

هذه السذاجة ترجع بالأساس إلى عمل سيف الدين مخلوف و أصدقائه من حركة النهضة على تدمير أي أرضية تفاهم وحوار مع الشريك الاجتماعي الأول للحكومة التي لم ترى النور بعد والتي تنتظرها عديد الملفات الاقتصادية و الاجتماعية التي لا حل لها إلا بالتفاهم و الحوار مع إتحاد الشغل وهو ما يؤكد أن ائتلاف الكرامة الذي يمثل الحزام الثاني لحزب حركة النهضة بصدد نزع ثقة المنظمات الوطنية في توجّههما السياسي للمرحلة القادمة بعد أن فقدت ثقة الأحزاب التي دخلت معهما في حوار كالتيار الديمقراطي وحركة الشعب وهذا ما ما زاد في عزلتهما السياسية.

استهداف الإتحاد كعقاب لدوره السياسي

تعوّدت الساحة السياسية التونسية أن تشهد تصريحات من نوع التهجم السياسي، وهو أمر يبدو طبيعيا في لعبة ديمقراطية تتطلب حرية التعبير ونقد الآخر، لكن أن تكون ضمن حملة تصريحات تستهدف طرفا بعينه ويتم التسويق لها عن طريق حسابات وهمية بوسائل التواصل الاجتماعي وصادرة عن جهة واحدة، فهذا لا يمكن أن يكون صدفة، وهذا ما كان واضحا من خلال إعادة بث تصريح سمير الشفي، عضو المكتب التنفيذي للإتحاد، مجتزئا على نطاق واسع ليصبح التصريح كأنه اعتراف ضمني بتقاضي قيادات الإتحاد لأجور خيالية تصل إلى حدود ثلاثين ألف دينار، وهو ما يبيّن وجود غرفة تحكم تقود هذه الحملة الممنهجة ضد الإتحاد العام التونسي للشغل والتي تزعمها منذ البداية ائتلاف الكرامة بزعامة المحامي الشاب سيف الدين مخلوف، فمنذ انتهاء الانتخابات الشهر الفارط لم يترك فرصة أو حوارا إلا وصوّب سهامه تجاه الإتحاد متهما إياه بالفساد ومحاربة الثورة التونسية.

هذه الحملة التي شنّها ائتلاف الكرامة الذي يعتبر الحزام السياسي لحركة النهضة و الداعم الرئيسي لها وجدت صدى كبير لدى الذباب الأزرق الذي نشط كثيرا لترويج هذه الأخبار التي تعمل على شيطنته وتحميله مسؤولية الإضرابات و التوترات الاجتماعية و الاقتصادية مع التركيز على اتهام قيادات المركزية النقابية بالفساد ونهب عرق أبناء المنظمة الشغيلة مما دفع بقيادة الإتحاد إلى اللجوء إلى القضاء للتصدي لهذه الظاهرة.

من جهة أخرى، توقيت هذه الحملة يبين لنا أن دوافعها سياسية أكثر منها البحث عن محاربة الفساد، فلو كانت حقيقة مغزاها محاربة الفساد لشملت القطاعات الأخرى كالمحاماة الذي ينتمي له سيف الدين مخلوف نفسه وليس التركيز على الإتحاد فقط، وهو ما يؤكد أنها حرب استباقية يشنها الحزام الثاني لحركة النهضة لتحجيم دور الإتحاد على مستوى المشهد السياسي في الخمسة سنوات القادمة، وهي حملة تندرج كذلك ضمن تصفية حسابات سياسية مع طرف يرون أنه خصمهم السياسي في السنوات الفارطة لم يدعهم يستفردون بالساحة السياسية خاصة في الفترة الزمنية بين 2011 و2014 عندما كان هناك غياب لوجود أحزاب قوية أو مؤسسات دولة صلبة، لهذا يتراءى لمخلوف ومن ورائه ائتلاف الكرامة أنه ينتقم من إتحاد الشغل بهذه الطريقة كأنه يقوم بعملية معاقبة للإتحاد على الدور السياسي الذي لعبه متجاهلا التاريخ السياسي لهذه المنظمة عبر العقود الماضية.

الإتحاد قوّة سياسية لا يمكن تجاهلها

عديدة هي العوامل التي جعلت من إتحاد الشغل قوة سياسية بامتياز وواهم من يتوقع أن يتم تحييد قوة نقابية ضخمة عن المشهد السياسي التونسي، إذ يضم قرابة 600 ألف منخرط بين القطاع العام و الخاص ومن جميع القطاعات الاقتصادية و الفئات الاجتماعية أي تقريبا كل عائلة تونسية لها منخرط في هذه المنظمة الشغّيلة.

هذا السياق له روافد تاريخية عزّزت دوره السياسي عبر التاريخ الحديث لدولة الاستقلال فكانت الفترة الأولى متميزة بالتعاون مع نظام بورقيبة لبناء الدولة الفتية الخارجة لتوها من الاستعمار، فقد شهدت أول حكومة تونسية سنة 1956 مشاركة أعضاء من المكتب التنفيذي لإتحاد الشغل، لكن رغم ذلك جاءت مرحلة من الشد والجذب وصل إلى حد الصدام في أحداث سنة 1978 الدموية.

أما زمن الرئيس السابق زين العابدين بن علي فقد حاول الأخير السيطرة على قرار هذه المنظمة وتدجينها لكن بقيت بعض النقابات المنضوية تحت لواء الإتحاد عصية كنقابات التعليم وذلك لعدد منخرطيها الهام الذي يعد بالآلاف.

هذا الدور السياسي تعاظم غداة الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي لأنه كان الطرف الوحيد المنظم والمهيكل القادر على تمثيل شريحة كبيرة من الشعب التونسي المنتمي للطبقة الوسطى التي تعتبر فعليا هي الحزام الواقي لاستمرارية الدولة في ظل فراغ سياسي ناتج عن عدم وجود أحزاب قوية نظرا لسياسة بن علي القائمة على الحزب الواحد وهو التجمع الدستوري الديمقراطي، وبفعل الممارسة السياسية تبيّن بمرور الأيام خاصة في السنوات الأولى للثورة التونسية بعد سنة 2011 أن الطرف الوحيد القادر على تمثيل نوع من التوازن مع حركة النهضة هو الإتحاد العام التونسي للشغل.

هذا التوازن الذي فرضه الإتحاد جعل منه الطرف السياسي الأقوى خاصة بعد نجاحه في قيادة الحوار الوطني بمعية المنظمات الوطنية الأخرى والذي انتهى بإقرار دستور جديد للبلاد التونسية سنة 2014 وتشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة مهدي جمعة، و أمام نجاح هذا المسار تحصل الرباعي الراعي للحوار بقيادة الإٌتحاد على جائزة نوبل للسلام سنة 2015 وذلك لنجاحه في إطلاق عملية سياسية بديلة وسلمية في وقت كانت فيه البلاد على شفير حرب أهلية.

ثقل الحجم السياسي للإتحاد لم يكن ليغيب عن سياسي مخضرم كالرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي حاول دائما تفعيل سياسة الحوار مع قيادة الإتحاد، وهذا ما تبينه عدد الزيارات المتتالية إلى قصر قرطاج حتى في ظل وجود خلافات بين الطرفين وذلك لمعرفة الباجي رحمه الله عدم وجود جدوى في التصعيد مع إتحاد الشغل خاصة في المطلبية الاجتماعية، أما فيما يخص الوضع الحكومي فقد كانت الحكومة الأولى للسيد يوسف الشاهد المنبثقة عن وثيقة قرطاج الأولى تحظى بدعم كبير من الإتحاد، وهو ما خوّل لحكومة الشاهد أن تمرّر لمدة سنتين جميع الإضافات التي تريدها في قوانين المالية رغم انعكاساتها السلبية على المقدرة الشرائية للطبقة الشغّيلة، لذلك كانت الفترة الأولى ليوسف الشاهد تعتبر أوج الصعود السياسي لشخصه بالرغم من افتقاره إلى أي خبرة سياسية، أما في الفترة الثانية والتي شهدت خلافات كثيرة بين الطرفين بسبب عدم التفاهم على وثيقة قرطاج الثانية والتي طالب فيها الإتحاد بتغيير رئيس الحكومة إضافة إلى تلكأ الحكومة في الإيفاء بتعهداتها تجاه الإتحاد خاصة في موضوع الزيادة في الوظيفة العمومية، مما دفع الإتحاد إلى القيام بإضراب عام وطني، فقد مثلّت هذه الفترة مرحلة هبوط سياسي للحكومة ورئيسها يوسف الشاهد على المستوى الشعبي بحكم المواجهة في شكل حرب باردة مع الإتحاد انتهت بدعم هذا الأخير لترشح عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع السابق للرئاسيات.

الحكام الجدد بحاجة للإتحاد كشريك إجتماعي وليس العكس

بداية يجب القول بحتمية محاربة الفساد في أي قطاع و باعتبار العمل النقابي يضم آلاف مؤلفة من المنخرطين فلا بد من وجود تجاوزات لا يمكن السكوت عنها أو التساهل معها، لكن ما يفعله سيف الدين مخلوف تجاه الإتحاد فيه مبالغة وإجحاف بحق هذه المنظمة، بل ربما عكس ما يخطط له بضربه الإتحاد فهو في النهاية يثبت بسلوكه هذا قصر عمره السياسي، فتهجمه على الإتحاد قوبل بعدم التبني من قبل القيادات العليا للنهضة، وهو موقف منتظر باعتبارها حركة براغماتية تريد دائما أن تعطي لنفسها هامشا من المناورة، من ناحية تضمن حصار إعلامي للإتحاد لتنزيل سقف مطالبه في الفترة القادمة ومن ناحية أخرى تتهرب من الدخول في مواجهة مباشرة مع الإتحاد بترك الأمر لإئتلاف الكرامة الذي في النهاية سيدفع الثمن وهو ما تريده حركة النهضة التي تريد دائما أحزمة سياسية لخوض صراعاتها السياسية بالنيابة لتتخلى عنها بعد ذلك كحزب المؤتمر من أجل الجمهورية .

هذا التوجه نحو إعادة إحياء صراعات سياسية ترجع لفترة ما قبل إرساء مؤسسات الحكم التي جاء بها دستور 2014 لا تنبأ بتطور الفكر السياسي للحكام الجدد خاصة حزب حركة النهضة و ائتلاف الكرامة وتعطي صورة عن محدودية الرؤية السياسية للمرحلة القادمة والتي ستبيّن بكل وضوح لأمثال سيف الدين مخلوف أن الحكومة التي سيشكلونها صحبة حركة النهضة هي التي تحتاج إتحاد الشغل بسبب كثرة الملفات ذات البعد الاجتماعي والتي تهم الطبقة الشغيلة حيث ستجد نفسها الحكومة بين مطرقة طلبات البنك الدولي وسندان احتجاجات الشارع ولن تهنأ كثيرا الحكومة الجديدة إن كتب لها الولادة حسب الموعد المحدد لها دستوريا فمراجعة أنظمة التقاعد بصفة جذرية لم تبدأ بعد، ملف التفويت في المؤسسات العمومية لم يبت فيه أصلا، صندوق الدعم و رفع أسعار المحروقات من أهم طلبات صندوق النقد الدولي.

هذه المواضيع كلّها لا أعتقد أن ائتلاف الكرامة أو حركة النهضة قادرين لوحدهما على حل هذه المشاكل ذات البعد الاجتماعي العميق بل يحتجان لشريك اجتماعي قوي يمثل العمق الإجتماعي للمجتمع التونسي للوصول لحلول تضمن توازن المالية العمومية دون وقوع اضطرابات اجتماعية كالتي تحصل حاليا في عدة بلدان في العالم نتيجة الرفض الشعبي للتطبيق الحرفي لإملاءات صندوق النقد الدولي من قبل حكوماتهم.

لذلك الهجوم على إتحاد الشغل هو في النهاية ضرب للمناخ السياسي والاجتماعي الذي ستحكم في ظله الحكومة القادمة مما يعطي فكرة على السذاجة السياسية وعدم اكتساب الخبرة من قبل ممثلي ائتلاف الكرامة لكن بالنسبة لحركة النهضة فمن المنتظر أن لا تواصل كثيرا في هذا النهج لأنها تعرف جيدا العلاقة الوطيدة التي تجمع رئيس الدولة بهذه المنظمة كما أن لها خطوط تواصل مع الإتحاد من خلال وزرائها السابقين في الحكومات المتعاقبة بالرغم أن هذه الحملة المشيطنة للإتحاد و أعضائه سوف تترك انطباعا من عدم الثقة بين الطرفين.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.