الرئيسية » الطريق إلى الانتخابات التشريعة : حذاري أن نجني الويلات من شيطنة الأحزاب السياسية

الطريق إلى الانتخابات التشريعة : حذاري أن نجني الويلات من شيطنة الأحزاب السياسية

نعيش هذه الفترة على وقع التنظير والتهليل لقرب نهاية الأحزاب كشكل تنظيمي للحياة السياسية وسقوطها كمحرك ديناميكي للتداول على السلطة، هذه الموجة تدعّمت من خلال حملات موجهة لشيطنة الأحزاب السياسية بطريقة مبالغ فيها تحت غطاء التخلص من هياكل تقليدية تحكمها شخصيات متهالكة ووجوه مستهلكة حتى أن بعض الأطراف المستجدة والدخيلة على عالم السياسية أصبحت تحمل شعار “ما تخافوش ماناش حزب”.

بقلم فيروز الشاذلي

هذه الحملة الممنهجة في بعض الأحيان وفي أكثر الأحيان بصفة عفوية نتيجة ترنّح المسار السياسي عامة دفع عديد الأحزاب في الانتخابات التشريعية إلى التنكّر تحت غطاء المستقلين من خلال تقديم مرشحين يحملون فكرهم وبرنامجهم ولكن من خارج أحزابهم أو العمل على دعم المستقلين لتسهل عملية استقطابهم لكي يعملوا لصالح هذه الأحزاب بالوكالة.

هذا التوجه م تعشه تونس من قبل نتيجة وجود على الأقل حزبين كبيرين هما نداء تونس و النهضة ولكن بعد انهيار وتشتت حزب النداء التاريخي وتراجع حزب النهضة أصبح الباب مفتوحا على مصراعيه للمستقلين سواءا ضمن قوائم مستقلة أو عبر ائتلافات وطنية بينها، مما يدفعنا إلى حقيقة صادمة وهي تكوين مجلس نواب قادم يغلب عليه التشتّت والإنقسام لانحسار دور الأحزاب وسيطرة المستقلين.

لذلك يجب الحذر من المغالاة في شيطنة الأحزاب السياسية لأن الأحزاب هي قوام الحياة الديمقراطية وأساس التنافس الانتخابي والتداول السلمي على السلطة.

عدم الإستقرار السياسي يهدّد البلاد

أهم حقيقة سوف يصدم بها الشعب التونسي جرّاء الإحجام عن التصويت للأحزاب السياسية والذهاب إلى أبعد الحدود نحو القوائم المستقلة أو المجموعات القادمة من عالم المجتمع المدني والجمعياتي الخيري والتي تتستر تحت غطاء حزبي هي حقيقة توفير أرضية خصبة لعدم الإستقرار السياسي من خلال مشهد فسيفسائي لمجلس نواب يمثل السلطة الأصلية وهو الداعم الرئيسي للحكومة.

عدم الإستقرار السياسي لدولة منهكة إقتصاديا سوف يكون جليا منذ البداية في التعطيلات التي سيجدها رئيس الحكومة المكلف في التحاور مع كتل برلمانية عديدة وشديدة التناقض مما يحتّم تأخير عملية تشكيل الحكومة التي من المفروض أن تكون بين أجناس سياسية منسجمة في تصوراتها وبرامجها المستقبلية سواءا على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي وهذا السيناريو من التأخير في تشكيل الحكومات لتشتت وتناقض التوجهات السياسية عاشته عديد البلدان وكان بالنسبة لها نفقا مظلما للآن م تخرج منه كالتجربة اللبنانية التي لم يستطع فيها رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري من تشكيل حكومته إلا بعد قرابة سنة ونصف بسبب مشاكل تشتت الكتل البرلمانية وتناقض التوجهات السياسية و الاقتصادية لبعض الكتل المحسوبة على المستقلين التي نجحت في قضم عدد لا بأس به من المقاعد البرلمانية لتيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري خاصة في دائرة بيروت وطرابلس الشرق.

من جهة أخرى لا يمكن التكهّن بحجم المشاكل التي ستعترض حكومة غير مسنودة من أحزاب قوية داخل البرلمان و الخوف كل الخوف أن تجد هذه الحكومة الضعيفة صدا من مجلس نواب تسيطر عليه معارضة في ثوب مستقلين فتستجد أزمة سياسية مع كل قانون أو مقترح قانون تقوم الحكومة بعرضه على البرلمان، فلا ننسى أن الدافع الأساسي للمرحوم الباجي قائد السبسي للتوافق مع حزب النهضة بالرغم من الصراع الشديد بينهما أثناء الانتخابات التشريعية سنة 2014 هو تشكيل حكومة مشتركة و بحثه عن تأمين دعم برلماني للحكومة فهو يعرف بحكم حنكته السياسية أن حكومة بدون دعم أحزاب كبيرة في البرلمان لن تعيش كثيرا.

يجب أن لا ننسى كذلك أن الإصلاحات الكبرى التي بدأت بها الحكومة الحالية مازال أغلبها لم يتم تفعيله خاصة أن هذه الإصلاحات هي مطالب ملحة من قبل المؤسسات الدولية المانحة لتونس و لاستكمالها يجب أن تتوفر حكومة ذات سند قوي تستطيع مقاومة الضغوطات الشعبية أو أننا سنجد نفسنا مرة أخرى في متاهة التصنيفات التي تضعنا في القائمات السوداء والرمادية.

هذا السيناريو ليس للتخويف أو لبث الذعر ولكنه واقع يستطيع أن يكون قريبا جدا و انعكاساته ستكون جلية على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطن التونسي فالمشاكل و الصعوبات اليومية التي تعترضه لا يمكن حلها بتكوين حكومة كل ستة أشهر بسبب إسقاطها من برلمان أشبه ما يكون ببرلمان يلبس جبة السلطة المعارضة للسلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة.

المستقلون و الجمعيات لا يمكن أن يعوّضوا الأحزاب

بداية يجب الإشارة إلى أن تحليلنا هذا ليس فيه تقزيم من دور المستقلين في الحياة السياسية بل بالعكس إن غالبية المستقلين بمختلف خلفياتهم الثقافية والسياسية يبقون الأصوات التي تمثل ضمير الأمة بل مطلوب خاصة من النخبة المثقفة والأكاديمية أن تتدخل في الشأن العام وهو علامة صحية عن وعي سياسي جماعي ومؤشر على تنشيط الحراك الديمقراطي وأمر ضروري وحيوي لتعزيز النبض الحقوقي، لكن هذا الدور لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعوض دور الأحزاب السياسية التي تبقى الركيزة الأساسية لحياة سياسية بناءة على المدى البعيد.

لو فرضنا جدلا أننا سلمنا بهذا التمشي الذي يقوم على مبدأ تحييد الأحزاب السياسية والتحوّل نحو أشكال تنظيمية أخرى ركيزتها الأساسية المستقلون فإننا سنتحصل على برلمان مقبل هو عبارة عن نادي لمناهضي النظام السياسي ودعاة إسقاط المؤسسات والبناء على أنقاضها، في وقت لا يحتمل الشعب المزيد من الإنتظار لتحقيق مطالبه في التنمية والعمل، كما أن أهم إشكال سيعترض المستقلين هو قدرتهم على تكوين كتل برلمانية فلا ننسى أن الحياة البرلمانية تقوم على الكتل ولكن المستقلين في غالبيتهم غير منسجمين وهم أصلا لا يرضون بربطهم بتيار سياسي معين فالكتلة البرلمانية سوف تحمل فكرا سياسيا موحدا يمثل خطها في التعامل مع الكتل الأخرى ومع الحكومة وهو ما يعدّ أمرا صعبا في ظل غياب الانسجام الفكري والتناسق السياسي بين المستقلين.

كما أن هذه المؤشرات تقلّص من مسلمات استقلالية المرشحين المستقلين لأنه في النهاية ممارسة السياسة هي في حد ذاتها سوف تؤدي إلى تسيّس المستقل عاجلا أم آجلا إذا لم يكن بالأساس يحمل أفكار وايديولوجيات ومرجعيات المتحزبين، لذلك بالرغم من هذا التضخيم لدور المستقلين الذي يحاول البعض التسويق له يبقى الشعب التونسي ملما بخفايا أغلب القائمات المستقلة علنا و المتحزبة خفية.

من جانب آخر تشهد الإنتخابات التشريعية القادمة هجمة غير مسبوقة من قبل قوائم هي في الأصل لرواد مجتمع مدني لا يجدون أي حرج في تقديم صفتهم الجمعياتية بل بالعكس شعارهم هو مهاجمة الأحزاب السياسية بدعوى تقديم البديل بالرغم أن ما يقدمونه على أساس أنه برنامجهم الخاص هو إقتباس من البرامج الحزبية الموجودة.

في نفس التوجه إستغلت بعض الأطراف التي تتستر وراء العمل الخيري بتكوين أحزاب ديكور وهي في الحقيقة عبارة عن شكل من الشعبوية الصاعدة التي إستغلت غياب العلاقة العضوية والجوهرية بين العدالة السياسية وبين الانجاز الاقتصادي والاجتماعي الذي يجعل هذه العدالة السياسية قادرة على البقاء والديمومة مما نتج عنه إستغلال فاضح لعمل خيري كان من المفروض أن يكون مساعدة للفقراء والمحتاجين لكن للأسف كان الهدف الأساسي منه هو استغلال هذه الفئات الهشة للوصول للسلطة بأي ثمن.

ضرورة تغيير الخطاب السياسي للأحزاب

تصحيح هذه الوضعية لا يقتصر فقط على الدفاع عن فكرة التحزب بل إلى جانب ذلك يفترض سعي القائمين على الأحزاب الرئيسية في المشهد السياسي التونسي إلى تغيير جذري في الخطاب السياسي المقدم إلى عموم الشعب التونسي ففي السنوات الأخيرة إقتصر هذا الخطاب على كيل الإتهامات والشيطنة المتبادلة وعدم تقديم أي بدائل مما انعكس ضعفا على مستوى أدائها السياسي ونتائج إنتخابية سلبية يكشف وهن الأحـزاب ففي الوقت الذي ينتظر فيه المواطن من النخب السياسية تقديم برامجها التي وجدت من أجلها لتغيير الواقع، يواصل الخطاب السياسي عموما مسيرة الإنحدار مساهما بذلك في تنمية مشاعر الإحباط.

لهذا يجب على الأحزاب القائمة الإنخراط في منهجية عمل جديدة تقوم على القطع مع سياسة التشتت من أجل المصالح الفردية بل العمل ضمن كتل كبيرة تجمعهم الرؤى المشتركة وضرورة التشديد على تطوير وسائل التواصل مع عموم الشعب خاصة الطبقة الوسطى والفقيرة وعدم الإقتصار على الرجوع إليها إلا عندما تقترب الإنتخابات فكل الأحزاب التي سلكت هذا التمشي وقعت معاقبتها في الدور الأول من الإنتخابات الرئاسية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.