الرئيسية » حول شاعر نشيد “ألا خلدي” الشيخ محمد جلال الدين النقاش

حول شاعر نشيد “ألا خلدي” الشيخ محمد جلال الدين النقاش

تحيي تونس ذكرى شاعر من شعرائها الكبار في العصر الحديث هو الشيخ محمد جلال الدين النقاش (1328 – 1410هـ/ 1910- 1989م ) الذي غادرنا قبل ثلاثين عاماً، والمشهور بنشيدنا الوطني بعد الاستقلال الذي ألفه في مسابقة قومية، شارك فيها عدد كبير من الشعراء ولحنه صديقه القاضي الملحن الكبير الشيخ صالح المهدي المعروف بزرياب.

بقلم الدكتور المنجي الكعبي *

هذا النشيد، ومطلعه “ألا خلّدي” رغم قرب الزمن لم يؤرخ له باحث، فيما قرأنا، ليعرّف الأجيال به تعريفاً يأتي على كثير مما يستوقفنا أمره اليوم، كالمسابقة التي نظمت بإشراف الدولة لاختياره، ومن شارك فيها من الشعراء، وإن كان السباق مفتوحاً للتونسيين ولمن سواهم من الشعراء العرب، لأنه ليس ما يمنع من اعتماد اشتراط الجنسية في ذلك الحين على الأقل، وكان الاعتبار القومي للمواطنين التونسيين أشمل من الاعتبار الوطني الضيق؛ وممن تكونت اللجنة التي اختارته؟ وهل وافق اختيارها ما تم اختياره من أعمالها من بورقيبة نفسه؟ وكم كانت قيمة الجائزة المالية التي خصصت له، وأهميتها في ذلك مقارنة بسواها؟ وخاصة بالنسبة الى ظروف الشاعر الفائز، وهو من هو شاعرية في نظر أقرانه، ووجاهة اجتماعية وعلمية وثقافية، في عصر انقلبت فيه كثير من الأوضاع التي كان عايشها الشاعر قبل ذلك كابن من أبناء من تونس؛ فقد عرف الاستعمار في عمقه وأدرك الاستقلال في خريف عمره، وربما قبل ذلك بعقد أو عقدين، قبل أن يدرك بكل حسرة – ربما – سقوط نشيده بل الإدالة به بالنشيد الوطني القديم “حماة الحمى” معدلاً بعض التعديل، مع زيادة فيه ببيتي الشابي المشهورين اللذين يُعلي فيهما صديقه الشابي إرادة الشعب على إرادة القدر المكبلة لإرادته، وهو أي النقاش يعلم أن هذين البيتين كانا من شعر الشابي أكثر من أنكرهما عليه علماء الزيتونة المحافظون لاعتبارات دينية وليست أدبية محضة، حتى جاء من فسّر القدَر بثلاثة أقدار، منها قدر الاستعمار وغلّ الحاكم الذي قصَده الشاعر، والذي يتعين على كل مسلم ردّه، لا القَدر الذي لا يمكن رده كطلوع الشمس وغروبها، ولا القدر الذي يمكن رده كإشفاء الإنسان على الهلاك والنجاة منه بنفسه أو عدم الوقوع فيه.

قلت ربما أدرك الشاعر ذلك السقوط لنشيده بحسرة في مطلع العهد الأخير من الحكم الذي عاش بقية سنتيْه من عمره، لاحتمال قلة اهتمامه الى حد الحسرة من الأمر، لأنه كان يعاني من شيخوخته التي ربما تكون ألْهته عن الحسرة، وهو الشاعر بطبعه، الأليف لكثير من تقلبات الأطوار التي واجهها في حياته بصبر وإيمان وبشاعرية فائقة تتحدى المحن.
هذا الزيتوني الأصيل عاش محنة إلغاء الزيتونة وإلغاء الأوقاف وإلغاء الكتابة بالأرقام العربية التقليدية التي كانت سائدة في الوطن والتي أراد بورقيبة اقتباساً من إصلاحات أتا ترك الإقدام عليها أو على بعضها على الأقل في تونس.

ولم تكن ثقافته التقليدية لتجد المجال المتسع لها خارج دائرة ضيقة من الإقصاء والتمييز والدُّونية التي أصبح الزيتونيون عامة هدفاً لها بعد الاستقلال في 1956، وتحديداً بعد انتصار بورقيبة على خصمه اللدود صالح بن يوسف الأمين العام للحزب الحر الدستوري آنذاك وحليف غالب الزيتونيين، بعد أن كان منتقداً منهم مثله مثل بورقيبة، وربما أكثر في فترة الحكم الذاتي في أوائل الخمسينيات التي منحتها فرنسا لتونس؛ تلك التجربة المريرة المعروفة بالإصلاحات التي كان بن يوسف أول من انقلب عليها كوزير ممثل للحزب وعارضها معارضة شديدة الى حد القطيعة معها، وارتباط ذلك فيما بعد برفضه القاطع لاتفاقيات الاستقلال الداخلي التي أمضيت في 3 جوان 1955، بمباركة بورقيبة كذريعة لنيل الاستقلال التام تدريجياً والاستفراد بالسلطة دونه، لتصفية حسابات شخصية معه ومع التيار العروبي الإسلامي الثوري الذي أصبح يقوده بن يوسف، لمواجهة فرنسا ومشروعها التغريبي لتونس وفي المنطقة من وراء الاستقلال الداخلي والقابلين به.

هذا المناخ السياسي لم يكن ليخفى تأثيره على الشاعر وهو مقبل على المشاركة في مسابقة لوضع كلمات للنشيد الوطني، ويمكن أن يُقبل دون أن يكون لبّه تمجيد بورقيبة وحده تمجيداً ما بعده.

ولم يكن بدعاً من الأناشيد الوطنية أن يذكر فيه اسم بورقيبة صاحب البلاد كما جرت العادة في نشيد “السلام الملكي” في عهد محمد الأمين باي الموروث قبل مائة عام تقريباً عن أسلافه، دون أن يغيَّر كلامه، على منوال النشيد العثماني المقتبس منه. ولكن النزعة نحو التخلي عن النشيد الوطني أيام الكفاح الوطني المقتبس من النشيد المصري “حماة الحمى” لمحمد الصادق الرافعي، مع بعض التصرف فيه بالاختصار في أبياته وتغيير اسم مصر فيه بتونس، هي التي يمكن أن نتوقف عندها، لاحتمال تفسيرها بنزعة بورقيبة الى التخلص من كل تبعية للمشرق ولمصر بالذات التي أصبحت تربطه بها – إذا صح التعبير – علاقات متوترة بسبب لجوء بن يوسف اليها، وبسبب علاقته هو نفسه بمكتب المغرب العربي في القاهرة، ذلك المكتب الذي كان في أواخر الأربعينيات وراء اعتماد ذلك النشيد المصري للرافعي نشيداً لتونس نفسها – بعد تحويره بما يناسب – لعلاقات الأخوة والدعم لثورتها التحريرية. فقد كانت علاقة بورقيبة بهذا المكتب غير جيدة وتركت أثرها في مواقفه.

وإذا استعرضنا الكلمات المهمة في نشيد “ألا خلدي” لا نجد فيه لا عروبة ولا إسلام ولا وحدة. مجرد تلميح الى ماضينا في الفتوح والأساطيل والى شمال وأخوة واتحاد، أي شمال إفريقي. وليس من كلمة دينية فيه سوى كلمة “جهاد”، التي من الواضح أن ارتباطها بلقب الزعيم بورقيبة هي المبرر لوجودها في النشيد. لأن هذه الكلمة بعد الاستقلال أفرغت من معناها القديم لتصبح مرادفة للنضال وللكفاح، ولم تعد تستعمل إلا مقرونة باسمه أو بالجهاد الأكبر – نسبة اليه – للخروج من التخلف الاقتصادي والاجتماعي، علماً وأن تلقيبه به كان على يد محمد علي الطاهر صديقه الفلسطيني.

وأكثر ألفاظ بورقيبة التي يرددها مأخوذة من الزعيم المصري سعد زغول، كالصدق في القول والإخلاص في العمل، وحتى بعض مواقفه من السياسات العربية، كقول سعد باشا لمن جاءه لطلب تقديم مصر المساعدة لسوريا في كفاحها من أجل إخراج الاستعمار الفرنسي، فردّ بأنه عندما تتخلص مصر من الاستعمار البريطاني تتوجه بعدها الى تحرير شقيقاتها العربيات أما قبل ذلك فصفر الى صفر يساوي صفر.

فلما خلَف بورقيبة زينُ العابدين بن علي على الحكم لم يتأخر عن المبادرة بإسقاط اسم بورقيبة من شعارات الدولة ورموزها كالنشيد الوطني، فلم يكن أمامه إلا العودة للنشيد القديم، وإضافة بيتي الشابي لتونسته أكثر إذا صح التعبير، لأن توجهاته القومية العربية كانت أوضح من سلفه، ولم تكن له منازعة في تأثير مصر الأدبي والفكري والثقافي وحتى السياسي على سائر البلدان العربية مثل بورقيبة. ولم يجازف وهو الذي انقلب على عبادة الشخص وأنكر على الناس الهتاف باسمه، بعد أن تولى الحكم، فكيف بإدراج اسمه في النشيد الوطني مثل بورقيبة.

لكن الشعور الوطني الضيق الذي أورثه بورقيبة في الأجيال، بسبب التربية والثقافة التي وحّدها نحو شخصه وبلورها في ظل التونسة والفرنكوفونية، جعلت كثيراً من الأقلام والأصوات تتعالى وتبرز للمطالبة بعد ثورة جانفي ٢٠١١، بتغيير النشيد الوطني لتونسته بالكامل عطفاً على النشيد الفرنسي أو نشيد أية دولة أخرى، كلماتُه وألحانه خالصة من إبداع أبنائها الأصلاء.

لكن هذه الدعوات المنبثقة عن شوفينية أو تعصب محلي بدعوى الوطنية المخلصة لم يلاق أذناً صاغية، وسقط، لأن العبرة بالنشيد ليس بمن ألفه أو بمن لحنه من كبار الشعراء وكبار الملحنين، ولكن في طرافته وشيوعه، وأحياناً في عدم نسبته الى شخص بعينه، وكم رأينا من أناشيد وطنية في أوطان لا ينسب نشيدها لقائل معين، أو هو من تأليف أخ شقيق من دولة عربية أو رفيق من مذهب سياسي معين من غير الدولة التي تبنّته لسلاسة كلماته أو اختصار مفرداته أو حسن توقيعه.

ولذلك نردّ التخلي عن نشيد الشيخ جلال الدين النقاش بعد سقوط بورقيبة ربما الى انحياز الناس للنشيد السابق الأكثر التصاقاً منه بروحية الشعب التونسي أيام الكفاح الوطني وأيام التلاحم العربي بين المشرق والمغرب قبل الاستعمار، وبالحنين الى وحدة الأمة مشرقاً ومغرباً، وتجرّده من كل اسم للحاكم، كشأن الناس في الخطبة الجمعية وميلهم الى الإمام الذي لا يذكر الحاكم اسمه في خطبته، وإنما يدعو لصاحب الصفة القائم بأمر المؤمنين ودولتهم دون تحديد.

كما نردّ إسقاط هذا النشيد الذي ألفه الشيخ النقاش الى بعض الطول فيه وبعض العبارات الثقيلة كما سنذكر، والى تكرار بعض المفردات اقتصاراً عليها تجنباً لغيرها، كالغاصبين بدل المستعمرين، والى أمر آخر مهم وهو غياب اسم تونس فيه وإن أشار اليها بالخضراء، وكأن بورقيبة كاف لتعريفه بأنه نشيد وطني لتونس.
فكلمة “ألا” في الافتتاح غريبة عن الأسماع لدى العامة وملتبسة بالاستفهام والنفي، وباعتبارها كلمة استفتاح لا محل لها من الإعراب، وإن كانت قرآنية: كما في قوله تعالى (( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ)) (البقرة 13)، ولكنها ثقيلة في شعر إنشادي، يشترط فيه البساطة والخفة، فتوالي حركتين مفتوحتين في الأول لا تمنح الأذن سماعاً نغمياً موقعاً توقيع البحر المتقارب على غير حركتين متماثلتين في أول البيت. وقوله كذلك “أرى الحكم”. ومن الكلمات غير القريبة الى أفهام العامة “نبالي” و “الجلاد”.

وربما هو اختيار بورقيبة وليس اختيار اللجنة بإجماع منها لأنها قد تكون قدّمت أكثر من اختيار لنا بين الأناشيد المتسابقة. ولذلك فلا يمكن أن نحكم بأنه أفضل ما نُظم بالمناسبة.

ولا غرابة ما ذكر من أن الرئيس بورقيبة حور نصه ليصبح “روح الحبيب” بدلاً “عزم الحبيب”. وربما كبُر على الشاعر استعمال الكلمة لأسباب دينية.

وربما حَرمت الاعتبارات البورقيبية في تكوين اللجنة وتوجّهها من مشاركة بعض الشعراء المناوئين لسياسة بورقيبة المعادية لليوسفيين خصومه، ففوّت ذلك التعرّفَ على لون من إبداعهم بالمناسبة.

وبالعود الى النشيد الوطني من أيام الثورة التحريرية، استعادت تونس نشيداً أصيلاً ولو من تربة مصرية في جوهره وتلحينه (زكريا أحمد)، لكنه أخذ طابعه التونسي أكثر بإضافة أبيات الشابي اليه.

ولقد ترددت أبيات الشابي المشهورة في النشيد المصري لما بعد الثورة المصرية الأخيرة سنة ٢٠١١ على لسان أكثر من زعيم من زعمائها وهو ينشد في ميدان التحرير وغيره، حتى خِلتُه وكأنه قد أدرج ضمن النشيد الرسمي المصري لما بعد الثورة.

ومعروف ترحيب مصر بالعرب المبدعين من غير أرضها، الى حد التماهي فيها رغم استمرار نسبتهم الى بلدانهم الأصلية في ألقابهم، كبيرم التونسي ووردة الجزائرية وغيرهما، والشابي أحدهم، ففضلُ شهرته في العالم العربي ترجع الى تبني المصريين لنشر أشعاره التي كانت ربما تضيق الساحة الأدبية في تونس عن نشرها لتحرّرها وصداها.

وقد ساعد تطابق البحر الذي نظم عليه الشابي بيتيه المشهورين بالبحر نفسه الذي نظم عليه الرافعي نشيد “حماة الحمى” على تبني هذا المزج بينهما دون كسر في الوزن.

لكن جهل الناس بالعروض، أدخل بعض الخلل في إنشاده صحيحاً غير مكسور في قولهم: “لَقَدْ صَرَخَتْ فِي عُرُوقِنَا الدِّمَا”

فهذا البيت فيه كسر في الوزن (بحر المتقارب)، والصحيح على ما في الأصل “في العروق الدما”.

وكذلك كسر في موضع آخر وهو قولهم: “فَلَا عَا/شَ فِي تُو/نِسْ مَنْ خَا/نَهَا” (تونسْ، كسر في الوزن إلا أن تكون “تُنْسَ”، دون مدّ، لتصحيح الوزن). وتحوير الكلمة هو من الضرورات الشعرية الجائزة رعاية للوزن وهو عمود الشعر.

وكذا في البيت الذي قبله في قولهم: “إلى عز تونس إلى مجدها”. فتونسْ بالتسكين هنا مطابقة للعروض في البيت في حين “مصر” تقضي ضرورة الوزن تنوين الحرف الأخير فتلفظ “الى عزّ مصرٍ”، مع أنه اسم ممنوع من الصرف كتونس.

وقد تغيب قضية الضرورات في الشعر التي أوْلاها في القديم الشاعر القيراوني، النحوي واللغوي المشهور أبوعبد الله محمد بن جعفر القزاز عن أذهان بعض النقاد من أساتذتنا في الجامعة التونسية، حين أنكر أحدهم أن تلفظ كلمة القافية في بيت الشابي “ولا بد للقيد أن ينكسَر”، بفتح السين والصحيح كسرها. فتعييبه قائم على جهل بالضرورات في الشعر، ذلك أن كلمة القافية في القصيدة كلها مفتوحة ما قبل الرويّ إلا في أبيات قليلة قابلة للضرورة كذلك. وأحرى أن تُفتح حركة ما قبل الآخر هنا في إنشادها تطابقاً مع قبلها، وهي كلمة “القدَر”.

وهناك أخطاء أخرى تتمثل في البيت: ” لِتَدْوِ السماواتُ في رَعْدِهَا”، كذا في الأصل وهو الصحيح، لا “برعدها” كما يُنشد في تونس، حتى أنك لتستمع الى من يمد الباء من باب التلحين وهو يظنه غير مكسور.

وكذلك البيت عندنا: “ورثنا السواعد بين الأمم *** صخوراً صخوراً كهذا البناء”

فهو فضلاً عن كونه بدون همز في الآخر للقافية (البنا) جاء التحوير فيه غير مستقيم مع منطق الأشياء، مقارنة بالأصل الذي يقول: “وَرِثْنَا سَوَاعِدَ بَانِي الهَرَمْ *** صُخُوراً، صُخُوراً كهذا البِناَ”. فلا ربط بين “السواعد” بالتعريف وبين “الأمم”، فكان يمكن أن يكون التعبير أنسب لو قلنا : ورثنا سواعد خير الأمم.

وفي النشيد الأصلي: “سَوَاعِدُ يَعْتَزُّ فيها العَلَمْ”، ولكنه ينشد في تونس بتغيير غريب: “سواعد يهتز فوقها العلم”. غريب، إذ فيه كسر عروضي أولا وثانيا الاهتزاز غير مناسب للعلَم، فالكلمة الشائعة يرفرف أو ما في معناها ولكن الاهتزاز في عبارة “سواعد يهتز فوقها العلم” غير فنية على الأقل، وأفضل منها الأصل، ولا موجب لتغييره خصوصاً مع الخروج عن متقضيات الوزن كما قلنا.

وكذلك الخطأ في قولنا “و فيها كفا للعلى والهمم” ففي الأصل: “وفيها كِفاَءُ العُلَى والهِمَمْ”. فالمعنى أجود وأبلغ بدون حرف الجر.
فهذا النشيد عندنا حاله كالعلم التونسي وقد أشرنا الى ما وقع فيه من تغيير بعنوان ضبط وصفِه بقانون، في سنة ٩٩، والصحيح هو قلب نجمه كما كان عليه لا قلبه بذلك القانون لمطابقة شكله في الصورة الرسمية للمخلوع عندما تولى الرئاسة مسارقة في سنة 87.

ولم يلتفت المسؤولون الى إعادته الى أصله لاعتبارات تاريخية وفنية، رغم لفْتنا لانتباهم في مقالات عديدة في الصحف وعن طريق مراسلات رسمية اليهم.

فهذه مناسبة للفت الأنظار الى ضرورة التنويه بآبائنا المؤسسين للنشيد الوطني، سواء في أوله على يد عدد من زعماء الحركة الوطنية من أقطاب مكتب المغرب العربي بالقاهرة من أمثال الأستاذ على البلهوان، وقد يكون أسهم بعد وقت في اعتماد هذا النشيد وروّجه في تونس، قلنا سواء في أوله أو عند العودة اليه، بعد حكم بورقيبة لتخليصه من تبعيةِ الإسمية فيه اليه دون غيره من زعماء وشهداء الحركة الوطنية، وإن كنا لا نغضّ من سابقه “ألا خلدي” ولا من منشئه الشيخ جلال الدين النقاش، احتراماً لعبقرية هذا الشاعر الفذ، المُقايس بالشابي في روحه التجديدية والإبداعية.

ولعل هذه المناسبة أيضاً تبعث المتحمسين الى الشأن الوطني ورموزه للضغط باتجاه إعطاء صورة صحيحة عن حرص التونسيين على الأخذ بهذه المسائل التي أوردناها في هذه المحاضرة بإيجاز، لإعطاء صورة مشرقة لبلادنا أكثر فأكثر خاصة، وهي تتعلق بالعربية والشعر والإنشاد.

تونس في 26 سبتمبر 2019

ملحق بالمحاضرة

نشيد “ألا خلدي” (وصورة منه أصلية) يليه النشيد القديم (الحالي) “حماة الحمى” في صيغته الشائعة والتي صححنا بعضها في هذه المحاضرة :

ألا خلّدي يا دمانا الغوالي جهاد الوطن

لتحرير خضرائنا لا نبالي بأقسى المِحن

 جهاد تحلّى بنصر مبين

على الغاصبين على الحاسدين طغاة الزمن

نخوض اللهيب بروح الحبيب زعيم الوطن

أرى الحكم للشعب فابنوا لنا من المجد أعلى صروح تشاد

أجيبوا أجيبوا لأوطاننا نداء الأخوة والاتحاد

وذودوا العدى عن حمى أرضنا وكونوا أسودا ليوم الجلاد

ورثنا الجلاد ومجد النضال وفي أرضنا مصرع الغاصبين

وصالت أساطيلنا في النزال تموج بأبطالنا الفاتحين

لواء الكفاح بهذا الشمال رفعناه يوم الفدى باليمين

شباب العلى عزّنا بالحمى وعزّ الحمى بالشباب العتيد

لنا همّة طالت الأنجما تعيد المعالي وتبني الجديد

فحيّوا اللّوا خافقا في السّما بعزّ وفخر ونصر مجيد


حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمن

لقد صرخت في عروقنا الدما موت نموت و يحيا الوطن

لتدو السماوات برعدها لترم الصواعق نيرانها

إلى عز تونسَ إلى مجدها رجال البلاد وشبانها

فلا عاش في تونسَ من خانها ولا عاش من ليس من جندها

نموت ونحيا على عهدها حياة الكرام وموت العظام

ورثنا السواعد بين الأمم صخورا صخورا كهذا البناء

سواعد يهتز فوقها العلم نباهي به ويباهي بنا

وفيها كفا للعلى والهمم وفيها ضمان لنيل المنى

وفيها لأعداء تونس نقم وفيها لمن سالمونا السلام

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر

حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمن

لقد صرخت في عروقنا الدما نموت نموت ويحيا الوطن


وفيما يلي النشيد مصححاً:

حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمن

لقد صرخت في العروق الدما موت نموت و يحيا الوطن

لتدو السماوات في رعدها لترم الصواعق نيرانها

إلى عز تونسْ إلى مجدها رجال البلاد وشبانها

فلا عاش في تنْسَ من خانها ولا عاش من ليس من جندها

نموت ونحيا على عهدها حياة الكرام وموت العظام

ورثنا سواعد خير الأمم صخورا صخورا كهذا البنا

سواعد يعتزّ فوقها العلم نباهي به ويباهي بنا

وفيها كفاءُ العُلا والهمم وفيها ضمان لنيل المنى

وفيها لأعداء تونس نقم وفيها لمن سالمونا السلام

إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدَر

ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسَر

حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمن

لقد صرخت في العروق الدما نموت نموت ويحيا الوطن

* باحث جامعي ونائب سابق في البرلمان.

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.